بان كي مون وليس غيره هو الذي قال ان تعيين موفد دولي جديد الى نزاع الصحراء ومعاودة المفاوضات سيأخذان منه فترة أطول. فالمواقف من تعيين راع لهذه المفاوضات شكلت دائماً خلفية الصراع. ومنذ الاعتراض على الفارو دي سوتو الذي قضى أقل فترة في هذه المهمة بات انتقاء الموفدين الدوليين سمة بارزة في اختزال الأزمة، وآخرها اضطرار الديبلوماسي الهولندي بيتر فان فالسوم الى الاستقالة. ولأن نزاع الصحراء يفرض وفاقاً بين الأطراف المعنية كافة حول صيغة الحل، فإن مشاورات الامين العام للأمم المتحدة قبل تعيين مبعوثه الشخصي ركزت على معرفة آراء الأطراف المعنية. وسارعت جبهة"بوليساريو"الى الموافقة على الديبلوماسي الأميركي كريستوفر روس، فيما لا يبدو ان المغرب يعترض عليه. لكن تجربة فالسوم أظهرت انه ليس في الإمكان معاودة الانطلاق من نقطة الصفر، ذلك ان معارضة"بوليساريو"استمراره في أداء مهمته لاتيلغي ان خلاصاته أصبحت مرجعية لدى مجلس الأمن، فهو قدم استقالته للإفساح في المجال أمام جولة خامسة من المفاوضات، يقينا منه انه ما لم توضع قناعاته في الاعتبار فإنه يصعب إحراز أي تقدم في مسار التسوية. النقاش الدائر الآن لم يعد يقتصر على شخصية الموفد الدولي المرتقب تعيينه، وانما حول مدى التزام مجلس الأمن والأممالمتحدة بمعاودة مسلسل المفاوضات من حيث انتهت، اي الدخول في درس جوهر الأفكار المطروحة حول التسوية النهائية. ذلك ان الديبلوماسي روس يدرك من موقعه السابق في الخارجية الاميركية ان الوزيرة رايس أكدت ان لا بديل عن تلك الأفكار المطروحة، وان سلفه فان فالسوم خلص الى ان استقلال اقليم الصحراء"ليس واقعياً"وان هذا المسار الذي جرت مفاوضات بشأنه جاء على خلفية وصول مساعي التسويات السابقة الى الباب المسدود. وبالتالي فإن الجولة المقبلة من المفاوضات إما أن تكون وفق هذا التصور وإما أن لا تكون ابداً. المشكل في نزاع الصحراء انه في كل مرة اقترب فيها من الحل يتم ترحيل الخلافات الى الأممالمتحدة أو الدول المتنفذة في مجلس الأمن. ولم يسلم اي أمين عام للأمم المتحدة تعاطى مع مراحل التسوية من انتقادات، كما لم تخل مواقف الوسطاء الدوليين، من ايوب خان الى جيمس بيكر ومن دوسوتو الى فان فالسوم، من توجيه السهام، فيما تبقى حقيقة لافتة مفادها أن المتعاطين مع النزاع يتصورونه في سهولة اتخاذ القرارات. لكنهم يواجهون رمالاً متحركة في صعوبة تبديد معالم الخرائط، الى درجة يبدو معها أن ادارة الصراع في مواقع الميدان الاقليمي أكثر نفوذاً من حشد القرارات والقيام بالمشاورات. بالقدر الذي كان يبدو فيها سريان اتفاق وقف النار مشجعا لناحية البحث عن حل سلمي وفق منظور لا غالب ولا مغلوب، بالقدر الذي ساعد الوضع ذاته على زيادة تباعد المواقف. وهذه حال فريدة من نوعها في تاريخ النزاعات الاقليمية. ولعل مصدرها أن الأطراف المتفاوضة لا تقف على المسافة نفسها إزاء نجاعة اتخاذ القرارات والتزام تنفيذها. فقد وجدت الأممالمتحدة أن استمرار التباعد في المواقف قد يدفعها الى الانسحاب من الملف نهائياً. وفهم التهديد في وقته على أنه محاولة للضغط أكثر لحض الأطراف على المضي قدماً في خيار الحل السياسي. إلا أن ذلك يبقى محض افتراضات بلا نتائج. ستمر الاشهر المتبقية قبل نهاية العام الحالي من دون تطورات. وسيحين موعد الجولة الخامسة من مفاوضات مانهاست التي لا يستطيع أي طرف أن يجاهر بمناهضتها. لكن هذا الموعد لن يكون مثل سابقيه. والرهان الذي سيواجهه الديبلوماسي الأميركي كريستوفر روس سيكمن في القدرة على جلب الأطراف الى بحث جوهر الحل. ومن يدري فقد يصبح بدوره موضع انتقاد واعتراض ما لم تحدث مفاجأة لناحية معاودة المفاوضات من حيث انتهت؟