وضع الاتفاق الأمني بين بغدادوواشنطن الذي يجري التفاوض في شأنه منذ شهور القادة العراقيين في موقف حرج، وفرض عليهم خيارات صعبة، يبدو أن الحكومة ما زالت مترددة في الأخذ بأحدها. جاء ذلك في وقت قال زعيم"حزب المؤتمر الوطني العراقي"أحمد الجلبي ل"الحياة"إن الاتفاق يمنح القوات الأميركية ضمناً حق الاعتداء على دول أخرى. الى ذلك، يتوجه رئيس إقليم كردستان، خلال اليومين المقبلين، الى واشنطن للقاء الرئيس جورج بوش. وتأتي زيارته بعد أيام قليلة من عودته من طهران، حيث التقى المسؤولين الإيرانيين وبحث معهم في اbتفاق الأمني بين واشنطنوبغداد. وفيما تنتظر الأوساط السياسية والشعبية اجتماعاً لمجلس الوزراء العراقي وصف بأنه"مهم وحاسم"، بحسب قادة سياسيين، لجهة البت في قبول مسودة الاتفاق الأمني أو رفضها، قال قيادي في"حزب الدعوة الحاكم"ل"الحياة"إن المطالب العراقية تركزت على حذف نصوص من المسودة تسمح بالتأويل وتعديل نصوص أخرى. وأوضح القيادي في"حزب الدعوة"حيدر العبادي القريب من رئيس الحكومة نوري المالكي ل"الحياة"أن"رئيس الوزراء يناقش الآن مع الوفد العراقي المفاوض إعداد مسودة بمجمل الاقتراحات والمطالب التي أطلقتها كل الاطراف العراقية بعدما تسلمت كل الكتل السياسية المسودة النهائية للاتفاق". وأضاف أن"هذه الاقتراحات ستطرح للتصويت على مجلس الوزراء في جلسته المقبلة، وإذا وافق عليها تسلم فوراً الى الوفد العراقي المفاوض لتسليمها الى الجانب الأميركي. ولا نعلم حتى الآن ما إذا سيوافق عليها، وهذا ما نتمناه، أو سيرفضها". وأوضح العبادي أن مضمون الاقتراحات العراقية على مسودة الاتفاق تتناول حذف جمل وفقرات وجد أنها ليست ذات أهمية ولا تخرق روح الاتفاق، إلا أن بقاءها يسمح بتأويلات وتفسيرات واجتهادات كثيرة أثار معظمها مخاوف المسؤولين العراقيين"، مشيراً الى ارتباط بنود الاتفاق المتعلقة بتطبيق الجداول الزمنية لانسحاب القوات الأميركية وصلاحية الحكومة العراقية"بقضايا مثالية قد لا تكون متوافرة من جهة ولا تحدد من يكون الحكم فيها من جهة ثانية". وكان سياسيون مطلعون وخبراء قانونيون أشاروا الى أن الولاياتالمتحدة ما زالت تحتفظ بالحصانة القضائية لجنودها بعكس فهم العراقين لجهة أنها تحتفظ بسلطة تحديد ما إذا كانت قواتها خارج الواجب أم لا. لكن العبادي لفت إلى أن الخيارات المطروحة والبديلة عن الاتفاق ليست حلولاً أفضل"بل إن بعضها وأقربها تمديد التفويض الأممي لفترة جديدة يعني منح القوات الأميركية فترة جديدة من الصلاحيات المطلقة مع هذه الأعداد الهائلة من القوات الأجنبية من دون وجود وازع لسحبها غير قرارات الرئيس الأميركي". أما"خيار تشريع قانون عراقي موقت تسنّه الحكومة ولها الحق في تضمينه كل ما تشاء من مطالب وردت في الاتفاق، وتلك التي لم ترد لحل معضلة التفويض الأممي الذي ينتهي في نهاية العام الجاري، ويعد حلاً بديلاً للاتفاق، فهو مستبعد لأنه سيضع القوات الأميركية التي لن تستطيع القيام بمهماتها في نهاية العام أمام قبول هذا الخيار أو رفضه، ما يعني بدء الانسحاب الكامل للقوات الأميركية، وهو أكبر من امكاناتنا الحالية". وفي هذه الأثناء، علمت"الحياة"من مصادر مطلعة أن الوزراء الأمنيين في حكومة رئيس الوزراء والذين شاركوا في المفاوضات والنقاشات في شأن المسودة الأخيرة للاتفاقية، حذروا من انسحاب أميركي كامل قد يصبح واقعياً مطلع السنة المقبلة في حال عدم التوصل الى صيغة معينة لبقاء القوات الأميركية في البلاد العام المقبل على أقل تقدير". وأضافت هذه المصادر أن"المالكي عقد اجتماعات مكثفة مع وزراء الدفاع والداخلية والأمن الوطني للبحث في امكان تسلم القوات العراقية الملف الأمني في أنحاء البلاد، وهو يشكل جوهر رغبة المالكي لاعتقاده بأن الحاجة الى القوات الأميركية انتفت. إلا أن الوزراء الأمنيين حذروا من اللجوء إلى هذا الخيار، ولفتوا الى أن المكتسبات الأمنية ستوضع على المحك، لكنهم قدموا في الوقت ذاته اقتراحات على مسودة الاتفاق وصفوها بأنها مهمة". وكان وزير الداخلية العراقي جواد البولاني أعلن أول من أمس تأييده الاتفاق الأمني، واعتبر عدم توقيعه"خطأ استراتيجياً". ويُعتقد بأن الحكومة العراقية تشهد انقساماً بين وزرائها حيال الموقف من الاتفاق الذي يؤيده، اضافة الى الوزراء الاكراد الستة، كل من وزراء الداخلية والدفاع والتخطيط، على رغم عدم اعلان معظم الوزراء مواقف محددة. من جهته، اعتبر زعيم"حزب المؤتمر الوطني العراقي"أحمد الجلبي أن تصريحات وزير الداخلية جواد بولاني في خصوص توقيع الاتفاق"تمثل رأيه الشخصي وليس الحكومة". وقال في تصريحات إلى"الحياة"إن"الحكومة يمثلها رئيس الوزراء، وهو لا يقر بعدم جهوزية القوات العراقية في الوقت الحاضر". وأكد أن"الاتفاق في حال التوقيع عليه، سيوجد انقساماً بين مكونات الشعب العراقي وسيعيد الظروف السياسية إلى ما كانت عليه ابان توقيع معاهدة بورتسموث، وما مثلته من صفحة سوداء في تاريخ البلاد". وذكر الجلبي الذي حضر الاجتماع الأخير ل"المجلس السياسي للأمن الوطني"ملاحظات واعتراضات عراقية على مواد وفقرات النسخة الحالية. وقال إن"النصوص الحالية لم تعالج قضية ادخال أشخاص من جنسيات أخرى غير مقيمة في العراق، ولم تحدد صلاحيات الطرف الأميركي في استقدام أفراد قد يعملون ضد دولة صديقة للعراق". وزاد أن"الفقرة الخامسة من المادة الرابعة التي منحت طرفي الاتفاقية حق الدفاع عن النفس هي وفقاً لتعريف القانون الدولي نص مطلق قد يمنح أميركا في حال دخلت في صراع مع دولة أخرى حق استخدام قواعدها في العراق للانطلاق في عمل عسكري. وأضاف أن ذلك"يوجب توضيح حدود هذا الحق ومعناه". وتابع:"وفي المادة 12 الخاصة بالولاية القضائية، أعطت الفقرة الثانية العراقيين حق الولاية الرئيسية على الجنود ومن يعمل لمصلحة قواتهم خارج المعسكرات، وسلبتها في طريقة غير مباشرة في الفقرة السادسة من المادة ذاتها، إذ يحق لسلطات أي من الطرفين أن تطلب من سلطات الطرف الاخر التخلي عن حقه الرئيسي في الولاية القضائية في حال معينة". وشدد الجلبي على أن المادة 15 المتعلقة بالاستيراد والتصدير لتنفيذ هذه الاتفاقية في مجالات التدريب والخدمات"لم تحدد حق الأميركيين في تسليم هذه البضائع الى طرف ثالث من عدمه". وعن المادة 25 الخاصة بمعالجة مسائل الانسحاب، قال الجلبي إنها"مطاطية ولم تمنح العراقيين حق تقدير تمديد أو تقليص الفترات المنصوص عليها في الاتفاق"، مشيراً الى أن"المسودة لا تتضمن اخراج العراق من البند السابع". وفي غضون ذلك، يتوجه رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني نهاية الأسبوع الجاري إلى الولاياتالمتحدة بطلب من وزارة الخارجية الاميركية تستغرق بضعة أيام وموضوعها الاتفاق الأمني المتعثر بين بغدادوواشنطن. وتأتي هذه الزيارة بعد فترة قصيرة من انهاء بارزاني زيارة إلى إيران ناقش خلالها الاتفاق الأمني مع المسؤولين الايرانيين.