حاولت روسيا وأوروبا الموحدة إقامة علاقات وطيدة ومديدة الأجل ترعى المصالح الوطنية والمنفعة المتبادلة من خلال الشراكة. والغاية هي مساعدة الشريكين على التقدم معاً، وزيادة القدرة التنافسية على المستوى الدولي، والصمود بوجه تحديات وتهديدات العصر الحديث. ولجأت روسيا وأوروبا الى تحصين نفسيهما، وإنشاء مراكز للتأثير خارج حدودهما، وشن هجمات على الخصم أو العدو. وسعى الاتحاد الأوروبي الى جذب البلدان الأعضاء في"رابطة الدول المستقلة"الى فلكه، سياسياً واقتصادياً، وتقييد مصالح روسيا. في المحصلة فإن محاولات التفاهم المتبادل على القضايا الاقتصادية والاستراتيجية الأساسية لم تصب نجاحاً الى الآن. ويعود ذلك، في المقام الأول، الى اعتراض موسكو الحاد على سلوك اللجنة الأوروبية في بروكسيل التي تديرها بيروقراطية سيئة السمعة. وتتميز السياسة الروسية بمزاوجة الدعوات للسلام و"الأعمال الحربية"، خصوصاً حيث تملك روسيا تفوقاً واضحاً في مجال المنافسة: قطاع الطاقة، ومؤسسات الأمن الدولي، والنطاق الذي يضم جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. وفي هذه الميادين في مستطاع موسكو الضغط على أوروبا. وأوروبا تلجأ الى استخدام المؤسسات المتعددة الطرف، وبناء علاقات على أساس ثنائي مع الأطراف المهمين. ويسعى الاتحاد الأوروبي اليوم الى إرساء علاقات مستقلة عن الولاياتالمتحدة بكل من الصين والهند، بينما يقترح على الشركاء الآخرين، كأوكرانيا وبلدان البحر المتوسط الجنوبي تكوين منطقة للتجارة الحرة. وفي دائرة جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، لأوروبا مصالح مباشرة. فمن المنطقي أن تعمل على توسيع نفوذها فيها. ولكنها تصطدم هناك بمصالح روسيا ومواردها، فتنشأ نزاعات حادة معها. ولا يسع روسيا في المنطقة المذكورة، أو في الأممالمتحدة، أو في إطار منظمة التجارة العالمية مستقبلاً، الاعتماد على أحد. وعليه، غير مفهوم تركيز السياسة الخارجية الروسية على الأواليات المتعددة الطرف. وما دامت روسيا تنمو اقتصادياً وسياسياً، فليس من مصلحتها عقد اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، على رغم أن الارتباط المتبادل بين الطرفين هو من أهم الخيارات المتاحة لتنظيم علاقاتهما. فهو يمنع الانحدار نحو المواجهة في الأحوال والظروف المتأزمة. ولكنه يعني قيام علاقة تبعية، أي تقييد الحقوق السيادية والإمكانات. وهذا ما تسعى الدول، عادة، الى التحرر منه. ومشكلة موسكو الأولى هو الانفراد الاستراتيجي وغياب الحلفاء الفعليين. وثمة أفق للتعاون الاقتصادي والسياسي بين روسيا والاتحاد الأوروبي في الجمهوريات السوفياتية سابقاً. ولكن مصالح روسيا، وبعض بلدان"رابطة الدول المستقلة"، متناقضة في مجال الطاقة، فضلاً عن أنها مضطرة دائماً للتغلب على مقاومة بلدان أخرى قائمة على أطرافها. ويخول روسيا نفوذها في"رابطة الدول المستقلة"رفع ثمن المفاوضة مع الشركاء الأوروبيين والاتفاقات المحدودة، بدل إنشاء أحلاف طويلة الأجل. وتعرية روسيا من الحلفاء يعني مضاعفة الضغط عليها في المجال الاقتصادي، وخصوصاً في سوق التكنولوجيا. ويرمي الغرب والشرق الى تحصيل موارد سياسية من طريق إنشاء مراكز تكنولوجية دولية ضخمة على أراضي روسيا. ولكن ذلك يقتضي توافر حلفاء موثوقين وقادرين على دعم مثل هذه المراكز. وأوروبا، في مجال الاتحادات والأحلاف أنجح من روسيا بما لا يقاس. ولا شك في أن روسيا مصدر أساسي للنفط والغاز على المستوى العالمي. وهو ما تفتقر غالبية بلدان الاتحاد الأوروبي إليه. ففي مقدور روسيا بيع الطاقة من الاتحاد لقاء إنشاء مؤسسات مشتركة تقوم مقام قاعدة تربط بينهما بعلاقة اتحادية تمهد الى ابتكار حلول ملائمة لمشكلاتهما، وتعزز تقاربهما السياسي والاقتصادي. وبعبارة أخرى يفترض تطوير العلاقات الروسية ? الأوروبية وتمتينها لتكوين سوق مشتركة للطاقة. وهذه السوق أقوى فاعلية إذ تولت الإشراف عليها لجنة دائمة تعنى بشؤون الطاقة، وتتعاون مع الشركات الروسية والأوروبية، وتتمتع باستقلال تام عن الحكومات الوطنية. والى ذلك، لا تملك أوروبا موارد حربية للدفاع عنها بوجه المخاطر الآتية من الجنوب أو من الشرق. ومثل هذه العلاقات تقلص الحذر المتبادل على المستويين الشعبي والحكومي، وتلجم المنافسة بين القطبين، وتقلل فرص استخدام قوى أخرى لهما، وتسهم في تحصين أمنهما المشترك. ومن شروط نجاح الصفقة المساهمة المادية المشتركة والمتساوية بين الطرفين، وتعريف التحديات القائمة والمحتملة، وسبل مواجهتها. ويقود هذا الى توحيد الإرادة السياسية، ويوفر الدعم الاجتماعي من القطاعات الاقتصادية غير الحكومية، ويمهد التباينات الجوهرية في مجال الثقافة السياسية والإدارية والاجتماعية. وحلف روسيا والاتحاد الأوروبي ضرورة روسية. فهو مرشح الى أن يصبح آلية دفاع جماعي عن المصالح المشتركة في السوق الشاملة، وأداة سياسية لاستعمالها. والإمكانات الاستثمارية والتكنولوجية للشركات الأوروبية تظل المثلى لروسيا، كما كانت سابقاً. وأوروبا قادرة على اقتراح أنظمة متينة لإدارة الأعمال، ومنها قطاع الطاقة. وكل هذه المكاسب تعوض خسائر روسيا الناجمة عن تخليها عن احتكار التصرف بمواردها من النفط والغاز. وتساهم المكاسب هذه في الاستقرار السياسي والاجتماعي في المنطقة الممتدة من الأطلسي الى فلاديفوستوك الروسية. وهذا يفترض المساواة بين الطرفين في منافع الشراكة. ومن المعوقات التي تعترض استقرار العلاقات بين روسيا وأوروبا: فقدان الثقة، وسوء الفهم المتبادل، وسيطرة الشك، والرعب من استخدام الاستثمارات الأجنبية لتحقيق أهداف سياسية معينة. وتؤدي الحال هذه الى تثبيت التفوق النسبي والأفضليات التي يملكها كل طرف، الى العجرفة أو التعالي القائمين في أساس السياسة الخارجية لغالبية الدول الأوروبية، ومنها روسيا. والتحدي الأول الذي يواجهه الاتحاد الاستراتيجي بين روسيا وبقية أوروبا هو قدرتهما على تجديد العلاقات بين الدولة وقطاع الأعمال. ومن غير حل المسألة هذه حلاً قويماً يستحيل استنباط الحلول المناسبة للمشكلات المتشابكة والمتخلفة عن العولمة. وأبرزها القدرة على المنافسة السلعية في الأسواق الداخلية والخارجية، والمحافظة على استقلال الدولة وسيادتها، وتحديد نطاق وأشكال تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي في سبيل رفع مستوى المنافسة، وتحقيق الأمن الاجتماعي والوطني. والمحاولات المنفردة التي تضطلع بها كل من روسيا والبلدان الأوروبية على حدة لمواجهة التحديات هذه لعلها من معوقات تقاربهما الأولى. وتعاظم تدخل الدولة في عمل القطاع الخاص، والنزعات"الأبوية"، بروسيا، من جهة، وتقوية التعاون بين حكومات البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، من جهة أخرى، لا تسهم في صوغ لغة مشتركة في المجالين السياسي والتكنولوجي. ومن الواضح أن نتائج القرارات السيادية في مضمار حاجات سياسية معينة قد ترجئ الى أجل غير مسمى تقارب روسيا وأوروبا. وهي قادرة على تقويض أسس التكامل الأوروبي. وهذا يعتبر مثلاً ونموذجاً سلمياً ومربحاً لكل الأطراف. ومنذ اليوم، يسعى الحلفاء التقليديون في إضعاف روسيا وأوروبا، واعتراض تطور علاقاتهما. فالولاياتالمتحدةوالصين تريدان أولاً تعظيم جبروتيهما وسطوتيهما وعلى روسيا وأوروبا ألا تنتظرا المساعدة منهما. وهما ليسا إلا ذريعة الى حفز قوة الصين وأميركا التنافسية، وصوغ سياسة مشتركة في مجال الطاقة. ومن المقترحات القمينة بتطوير العلاقات الروسية ? الأوروبية منح الشركات الأوروبية حقاً غير مقيد باستملاك مصادر الطاقة الروسية لقاء استقبال روسيا عضواً تام العضوية في الاتحاد الأوروبي. عن ت. ف. بورداتشوف مدير أبحاث في مجلس السياسة الخارجية والدفاعية، ورئيس مركز الأبحاث المتكاملة الأوروبية والدولية في كلية الاقتصاد العالمي والسياسة العالمية، "روسياف غلوبالنوي بوليتيكي"الروسية، 10/2008