على رغم ان استطلاعات الرأي تظهر تقدم المرشح الديموقراطي باراك اوباما على منافسه الجمهوري جون ماكين، الا ان من المبكر الاستنتاج أن الجمهور الاميركي سيختار السناتور الافريقي - الاميركي، في حين يتوقع ان يستمر الصراع بين المرشحين على كل صوت حتى إقفال الصناديق. وتجاوز هذا الصراع حدود الولاياتالمتحدة، ليصل الى الناخبين الاميركيين في الخارج، والذين قد تكون اصواتهم محورية في حسم المعركة في بعض الولايات، ما يطرح احتمال تأجيل اعلان الفائز عشرة ايام بعد التصويت في حال تقارب النتائج، وذلك الى حين الانتهاء من فرز اصوات المغتربين، بحسب ما أفاد أحد مستشاري الحزب الديموقراطي من بريطانيا والتي تسكنها اكبر جالية اميركية في الخارج. وتفيد مؤسسة"ناخبون عبر البحار"بأن عدد الاميركيين الذين يعيشون خارج بلدهم يصل الى ستة ملايين، غالبيتهم من الاكاديميين والطلاب، اضافة الى الديبلوماسيين وعائلاتهم، والجنود الذين يخدمون في مناطق عدة في العالم. ويعطي الدستور الاميركي حق التصويت لكل من تجاوز عمره 18 سنة، لكن نسبة مشاركة الاميركيين في الخارج تكون عادة محدودة وتتخللها صعوبات فنية. وفي العام 2006 اقترع اكثر من 900 الف اميركي في انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب، لكن لجنة الانتخابات احتسبت ثلثها تقريباً، اما بقية الاصوات فوصلت متأخرة عن موعدها، او وصلت الى الدائرة الانتخابية الخطأ، أو ربما لم تصل مطلقاً. في اليونان مثلاً، يوجد حوالى مئة الف اميركي، اكثر من ثلثهم يحق له الانتخاب، لكن سبعة آلاف فقط شاركوا في انتخابات العام 2004. ويراهن كلا الحزبين، هذا العام، على مشاركة اوسع للأميركيين في الخارج، وهم يعتقدون بأن التسهيلات التي ادخلت على عملية الاقتراع ستعطي فرصة لمشاركة أعداد أكبر. ومن هذه التسهيلات، إمكان استخدام الناخب وللمرة الاولى، كومبيوتره الشخصي لتعبئة بطاقته الانتخابية واختيار مرشحه على نماذج توفرها الحكومة الاميركية عبر الانترنت، ومن ثم ارسالها بالبريد على عنوان الدائرة الانتخابية في آخر ولاية سكن فيها الناخب قبل مغادرته اميركا. وفي اطار اعتراف المرشحين بأهمية اصوات الناخبين في الخارج والسعي الى الفوز بها، جاءت زيارة ماكين للعراق وإسرائيل وأميركا اللاتينية في آذار مارس الماضي، وزيارة اوباما للشرق الاوسط وأوروبا وخطابه الجماهيري في برلين في تموز يوليو الماضي، حتى أن حملة اوباما الانتخابية، عينت مديرين وموظفين هدفهم تنظيم حملته وقيادتها في الخارج، ما ساعده على الفوز بأصوات الحزب الديموقراطي في الانتخابات التمهيدية، اذ حصل على 65 في المئة من اصوات هؤلاء. وفي محاولة لكسب ود الجنود في الخارج، ركز ماكين في حملته على تصويت اوباما ضد الموازنة المخصصة للجيش الاميركي في العراق، فيما أحيا المرشح الديموقراطي آمالهم في العودة الى بلدهم، في الوقت الذي كان يقوم مؤيدو الطرفين بتنظيم الدعاية الانتخابية التي تبدأ من توزيع البيانات الصحافية على أبناء الجالية، وتعليق الملصقات في اماكن تجمعهم في مقاهي لندن، الى تنظيم جلسات"الحوار الساخنة"على محطات الاذاعة في سويسرا. ولأن النظام الانتخابي الاميركي فريد في خصوصيته، ولأن هناك ولايات تعتبر"زرقاء"تاريخياً، بمعنى انها تصوت دائماً للديموقراطيين مثل كاليفورنيا ونيويورك وماساتشوستس، وأخرى"حمراء"تصوت للجمهوريين دائماً مثل تكساس وساوث كارولينا وإيداهو، فإن تركيز المتنافسين يكون على الولايات"البنفسجية"أو المتأرجحة، والتي تصوت احياناً للديموقراطيين وأحياناً للجمهوريين، مثل فلوريدا وبنسلفانيا وأوهايو. ولكل ولاية عدد من المندوبين، يجري التنافس عليهم، يساوي عدد نواب تلك الولاية وشيوخها، ومن يفوز بالغالبية المطلقة من اصوات الناخبين في تلك الولاية، يفوز بجميع مندوبيها. وفي المحصلة، فإن الفائز في الانتخابات، هو من يحصل على اصوات 270 مندوباً من الكتلة الانتخابية وعددها 538 مندوباً، وهو رقم يمثل العدد الفعلي لمجموع النواب والشيوخ في الكونغرس. تشير الاحصاءات الى أن اكبر خمسة اماكن يوجد فيها الاميركيون في الخارج هي بالترتيب: بريطانيا وكندا والمانيا وإسرائيل وأستراليا. وتشير ايضاً الى ان الولايات التي قدموا منها، هي بالترتيب ايضاً: كاليفورنيا وتكساس ونيويورك وفلوريدا وبنسلفانيا وإيلينوي وأوهايو ونيوجيرسي وماساتشوستس. وتعتبر ثلاث من هذه الولايات وهي فلوريدا 27 مندوباً وبنسلفانيا 21 وأوهايو 20، متأرجحة، ما يضفي قدراً كبيراً من الاهمية على اصوات مغتربيها في حسم مصيرها. وأظهرت نتائج الانتخابات الاميركية السابقة، ان من يفوز في ولايتين منها، يفوز بالرئاسة، لذا لن يدخر اي من المرشحين جهداً في الوصول الى هذه الاصوات المهمة ومحاولة كسبها. يوجد في اسرائيل 250 الف اميركي، من بينهم مئة الف يحق لهم التصويت، جزء منهم من ولاية فلوريدا، ويمكن تخيل كم هي مهمة أصواتهم باستعادة تجربة"بوش - آل غور"للذاكرة، عندما فاز الاول العام 2000 بفارق في الاصوات لا يتجاوز 537 صوتاً. وبعكس الاميركيين داخل بلدهم والذين يعتبرون الاقتصاد قضيتهم الاولى، فإن السياسة الخارجية وعلاقة اميركا بالعالم، تشغل بال الاميركيين في الخارج اكثر، لأن سمعة او احترام العالم لبلدهم تراجعت في السنوات الثماني الاخيرة، بسبب اعتماد سياسات اغضبت اصدقاء الولاياتالمتحدة في اوروبا وأماكن اخرى من العالم. ويمكن الاستنتاج، أن"اميركيي الخارج"يتعرضون لتأثير اصدقائهم عليهم من جنسيات البلدان التي يعيشون فيها والذين يريدون رؤية سياسات خارجية تتقاطع في اكثر من مكان مع سياسة اوروبا، وهو ما تؤكده الاحصاءات التي ترصد نمط تصويت الاميركيين في الخارج والتي تشير الى تفضيل 3 من كل 5 اميركيين، المرشح الديموقراطي.