بدأ وفد حكومي رفيع سلسلة اجتماعات في مدينة الموصل للوقوف على تفاصيل عمليات تهجير المسيحيين منها وحل المشاكل التي تحول دون عودتهم، فيما طالب رؤساء الكنائس المسيحية في نينوى الأهالي المسيحيين ووسائل الإعلام بعدم نشر الذعر والفتنة. جاء ذلك في حين دان"الجيش الاسلامي"في العراق الذي يعد من أكبر الجماعات المسلحة العراقية، عملية تهجير المسيحيين في الموصل، وقال إن المسيحيين العراقيين"هم شركاء في الأرض والمصير"، داعياً أنصاره الى ملاحقة المسؤولين عن جرائم التهجير والقصاص منهم. وأفادت مصادر أمنية متطابقة أن الوفد الوزاري الذي شكله رئيس الوزراء نوري المالكي أول من أمس للوقوف على مجريات الأحداث في الموصل ومتابعة مسألة استهداف المسيحيين، وصل أمس الى المدينة والتقى كبار المسؤولين فيها بينهم المحافظ دريد كشمولة وقائد علميات نينوى الفريق رياض جلال. وأوضحت المصادر ذاتها أن الوفد يضم وزراء الدفاع والهجرة والمهجرين والتخطيط والصناعة وقادة أمنيين وسياسيين. وكان الناطق باسم الحكومة العراقية علي الدباغ قال في بيان له إن"مجلس الوزراء شدد خلال اجتماعه الأخير على ضرورة التحرك الفوري والسريع لدعم الجهد الأمني من خلال عمليات عسكرية وأمنية مكثفة تفرض القانون والأمن في مدينة الموصل، وإجراء تحقيق شامل لمعرفة العوامل التي أدت الى هذا الوضع المؤلم من خلال هيئة التنسيق الاستخباراتي، والبدء بعمليات إغاثة فورية للعائلات النازحة من مساعدات ومعونات مالية لكل عائلة". وأفاد الدباغ أن"رئيس الوزراء شدد على قيادة عمليات نينوى بالقيام بعمليات عسكرية مكثفة في ملاحقة الخارجين على القانون والتنظيمات المسلحة لفرض القانون وبسط الأمن في المدينة بعد الخروقات الأمنية التي نالت منها، وخصوصاً ما تعرضت له الطائفة المسيحية". وقال مدير مكتب اعلام رئيس برلمان كردستان طارق جوهر ل"الحياة"إن"برلمان الاقليم عقد اليوم الاربعاء جلسة خاصة للبحث في أوضاع المسيحيين المهجرين من الموصل بسبب أعمال العنف التي تستهدفهم، ودان البرلمان هذه الأعمال التي ترتكب في حق مكون عراقي أصيل". وأوضح جوهر أن"النواب استمعوا خلال جلسة اليوم أمس الى تقرير لجنة برلمانية كانت زارت العائلات المسيحية النازحة الى أطراف الموصل كقضاء تلكيف شمال الموصل وقضاء الحمدانية شرق الموصل". وأضاف أن"برلمان الاقليم خصص مئة مليون دينار مساعدات للعائلات المسيحية النازحة. كما تقرر تشكيل لجنة برلمانية لمتابعة هذا الموضوع، فضلاً عن مطالبة الحكومة العراقية بالعمل على الاسراع في عودة هذه العائلات الى مناطق سكنها الاصلية". وتصاعدت وتيرة أعمال العنف التي تستهدف المسيحيين في مدينة الموصل منذ مطلع شهر تشرين الاول اكتوبر الجاري. وتفيد الاحصاءات أن أكثر من 1400 عائلة فرّت الى الأقضية والنواحي القريبة، والى محافظتي بغداد وأربيل، فيما قُتل حوالي 12 مسيحياً ودُمرت ثلاثة منازل. وأفادت معلومات أمنية أن عبوة انفجرت أمام باب كنيسة القديسة مسكنتة في مدينة الموصل أول من أمس من دون أن تسفر عن وقوع ضحايا بشرية. وتابع جوهر أن"البرلمان أيضاً طالب مجلس النواب العراقي بعدم السماح لبعض أعضائه بإطلاق الاتهامات للشعب الكردي وسلطاته بالوقوف وراء أحداث الموصل"، مشيراً الى أن البرلمان قرر تأييد المذكرة التي رفعها"التحالف الكردستاني"الى مجلس النواب العراقي، مطالباً برفع الحصانة عن النواب الذين يطلقون اتهامات تهدف الى اثارة الفتنة بين مكونات الشعب. وكان النائب أسامة النجيفي عن"القائمة العراقية الوطنية"صرح أخيراً بأن الأكراد و"البيشمركة"يقفون وراء استهداف المسيحيين في الموصل، مشيراً الى امتلاكه"أدلة تبرهن ذلك". ودعا رؤساء الكنائس المسيحية في محافظة نينوى المسيحيين إلى تناول الموضوع بتعقل وعدم الانجرار الى الشائعات المغرضة. وناشد البيان وسائل الإعلام بعدم نشر الاخبار التي تؤجج الخوف وتزرع الفتنة بين أبناء الوطن الواحد من مسلمين ومسيحيين وكل الديانات، مطالباً علماء الدين المسلمين وأهالي الموصل ب"مضاعفة الجهود لتهدئة الوضع"، مشيراً الى أن الأحداث التي طاولت المسيحيين أخيراً زرعت الخوف والهلع فيهم، ما أرغمهم على ترك منازلهم وأعمالهم والنزوح الى مناطق أكثر أماناً. وقال البطريرك عمانوئيل الثالث دلي بطريرك الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم إن"ما يتعرض له المسيحيون والعراقيين أمر لا يقبله لا الله ولا الإنسان المخلص لوطنه ولإخوته"، مشيراً الى أن"علينا ألا نسمح لقوى الظلام القادمة من الخارج أن تمزق وحدة شعبنا". إلى ذلك، جاء في بيان ل"الجيش الاسلامي"أن"ملحمة الجهاد الخالدة التي سطرها المجاهدون ومن آزرهم على أرض العراق بلد الرباط والجهاد وصمودهم في وجه كل حملات التشويه التي شنها المحتلون ومن والاهم من الصفويين وأحفاد ابن العلقمي ومن باع دينه وعرضه وكرامته وأرضه بدولارات بخسة أضحت معلماً بارزاً ومثابة عالية لكل المكتوين بنار ظلم وطغيان وجبروت فرعون العصر وطاغيتها أميركا ومن تحالف معها". وزاد أن"ما تشهده محافظة نينوى أم الربيعين وقلعة الصمود والتحدي في وجه الاحتلال من حملة ضد الشركاء في الأرض والمصير من النصارى ما هو إلا صفحة جديدة من صفحات حملة التشويه التي يريد من خلالها المحتل ومن والاه من العملاء والخونة تشويه صورة المجاهدين ومحاولة الحد من التفاف أهل العراق حولهم". وأضاف أن"اخوتكم وابناءكم في الجيش الإسلامي في العراق وبثوابت شرع الله ودينه الصحيح يبرأون الى الله من كل فعل يمس أناساً أبرياء أياً كان دينهم أو عرقهم أو مذهبهم، وأن الذي يجري حالياً في الموصل من قتل وتشريد وتهديد للنصارى لا يمت الى ثوابت الإسلام وتعاليمه بأي صلة، وأن من يقف وراءه هم أصحاب الغرض السيئ ممن ارتضوا لأنفسهم الارتماء في أحضان الاحتلال". وختم أن"الجيش الإسلامي في العراق اذ يعلن براءته من هذه الأفعال البعيدة عن الإسلام الصحيح، يؤكد لجميع العراقيين أن مشروعه الجهادي قائم على ثوابت تحفظ حرمة الدم العراقي أياً كان دينه أو عرقه أو مذهبه، وأن سلاحه لا يوجه إلا لمن احتل العراق ومن سار في ركبه، وهو حريص على أن يبقى العراق خيمة لجميع العراقيين الرافضين للاحتلال ومشاريعه ومشاريع عملائه". ودعا البيان"جميع المجاهدين إلى ملاحقة الأشرار الذين يقفون وراء هذه الجرائم وإنزال القصاص العادل بهم، وفقاً لشرع الله سبحانه". وكان"المجلس السياسي للمقاومة العراقية"الذي يضم اضافة الى"الجيش الاسلامي"مجموعة من الفصائل المسلحة، دان في بيان"ما يجري لنصارى الموصل من ظلم وتقتيل وتهجير لأغراض انتخابية أو عداوات عرقية من الأحزاب الحكومية والميليشيات التخريبية". وحمّل البيان"الاحتلال وحكومته المسؤولية عن هذه الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان في العراق والعدوان المتكرر على الآمنين والمستضعفين"، وأكد أن هذه"الحوادث المروعة تؤكد هشاشة الوضع في العراق وكذب دعايات استتباب الأمن". وفي السياق ذاته، استنكرت بطريركية انطاكية وسائر المشرق للسريان الارثوذكس ومقرها دمشق تهجير المسيحيين من الموصل في العراق، وفقاً لوكالة الانباء السورية الرسمية سانا. وأفادت الوكالة أن"بطريركية انطاكية وسائر المشرق للسريان الارثوذكس في دمشق استنكرت ما يعاني منه المسيحيون من طرد واستيلاء على أملاكهم في مدينة الموصل العراقية أخيراً". وأضافت أن البطريركية اعتبرت في بيان أن"ما يحدث أمر غريب على العراقيين وخصوصاً سكان الموصل"، لافتة الى أن"المسيحيين عاشوا مع المسلمين في سلام وأمان ومحبة وتفاهم ووحدة وطنية ومهما حاول اعداء العراق بث الفتن والمشاغبات وتفريق الصفوف". وأشارت البطريركية الى أن"الوحدة الوطنية كانت بين المسيحيين والمسلمين سداً منيعاً وصخرة قوية تحطمت عليها المؤمرات كافة". وناشد البيان أهالي"الموصل والحكومة العراقية حماية المسيحيين في الموصل ليعيشوا كما كانوا سابقاً إخوة منعمين بالأمن والسلام".