توقف تسجيل الناخبين الجدد في الولاياتالمتحدة، ولكن الصراع حولهم لم يتوقف بين المتنافسين على أصواتهم. وبما أن القانون الأميركي يفرض مرور ثلاثين يوماً على التسجيل قبل أن يتمكن الناخب من الإدلاء بصوته، فإن آخر فرصة بالتالي للتسجيل انتهت الأسبوع الماضي، بعدما بذلت حملة المرشح الديموقراطي باراك أوباما جهداً كبيراً في حض الناخبين الشباب والفقراء على التسجيل، في حين أن حملة منافسه الجمهوري جون ماكين، لم تكترث بما فيه الكفاية بتسجيل الناخبين، لأن كل ناخب جديد يشكل على الأرجح خسارة لماكين، ومكسباً إضافياً لأوباما. لذا لم يكن غريباً أن يتهم القائمون على حملة المرشح الجمهوري نظرائهم في حملة منافسه الديموقراطي بتقديم أكثر من 800 ألف دولار لجمعية غير حزبية تنشط في تسجيل الناخبين، وتثار حولها الشكوك في شأن لجوئها إلى أساليب غير قانونية في تسجيل ناخبين غير أميركيين، أو أميركيين لا يحق لهم التصويت، وفقاً لما أوردته محطات التلفزيون الأميركية. وفي المقابل اتهمت بعض الصحف الكبرى ومن بينها"نيويورك تايمز"السلطات المحلية في عدد من الولايات بشطب آلاف الأسماء لناخبين شرعيين من السجلات، في إشارة إلى احتمال استخدام الجمهوريين لنفوذهم، من أجل حجب جزء من أصوات الناخبين الجدد، خصوصاً في الولايات المتأرجحة، مثل فلوريدا وأوهايو وميتشيغن، وبنسلفانيا، وهي الولايات المتوقع أن تحسم الانتخابات الرئاسية المقبلة. وكانت جمعية التنظيم الاجتماعي من أجل الإصلاح المعروفة باسم"آكورن"نجحت خلال الأسابيع الأخيرة في تسجيل أكثر من مليون و300 الف ناخب جديد، في 21 ولاية أميركية، ولكن الجمهوريين نجحوا في فتح تحقيقات حول نشاط الجمعية في ست ولايات على الأقل. ولم يكتف الجمهوريون بذلك، بل لجأوا إلى بث إعلانات تلفزيونية تتحدث عن علاقة أوباما بهذه الجمعية في وقت نفى الناشطون فيها وقوع أي عمليات تحايل من الأساس، مؤكدين ان دورهم هو تشجيع الأميركيين على تسجيل أسمائهم في سجلات الناخبين، وأن النظام الانتخابي قادر على تصحيح نفسه بنفسه بناء على حقيقة أنهم لن يتمكنوا من التصويت إن لم تكن لديهم وثائق تثبت أماكن سكنهم يوم الانتخاب. ومن الواضح أن حملة المرشح الجمهوري جون ماكين أصيبت بالذعر بسبب العدد الكبير من الناخبين الذين استطاع باراك أوباما جلبهم إلى المعركة بوسائل حديثة، لم تدر في خلد ماكين. ففي الوقت الذي يؤخذ على ماكين عدم قدرته حتى على استخدام البريد الإلكتروني فإن حملة أوباما تقوم منذ البداية على نشاط جيل جديد من الشبان والشابات الذين سخروا الإنترنت لمصلحة حملة مرشحهم بطرق فاعلة ليس من أجل جمع التبرعات فقط، ولكن أيضاً لتسجيل الناخبين، وإيصال الرسائل، والدفاع عن مرشحهم في اللحظة ذاتها التي يوجه إليه فيها الاتهام. كما أن حملة أوباما تستخدم الرسائل النصية عبر الهواتف الجوالة لتذكير الناخبين بقرب انتهاء فترة التسجيل، وتذكيرهم أيضاً بموعد المناظرات التلفزيونية من أجل حضهم على مشاهدتها. كما تستخدم حملة أوباما آلافاً من المتطوعين في كل مدينة وحي في كل ولاية أميركية يجوبون الأحياء السكنية، منزلاً منزلاً، ويحضون القاطنين فيها على التسجيل، عارضين مساعدتهم في ذلك بعيداً من الإيحاء لهم باسم المرشح الذي يجب ان يصوتوا له. وذكرت سارة جاكسون الناشطة في حملة أوباما بمدينة سبرينغفيلد في ولاية فرجينيا أن الحملة حريصة على أن تستعين بشبان وشابات من أبناء الأحياء نفسها حرصاً من القائمين على الحملة على ألا يكون هناك دخلاء من أماكن بعيدة يطرقون أبواب المنازل في أحياء لا يسكنون هم أنفسهم فيها. وقالت جاكسون إن الاتصالات الهاتفية التي تجري من مركز الحملة في سبرينغفيلد وفي كل مدينة أميركية تكاد لا تتوقف بمشاركة متطوعين من مختلف الأعمار والأجناس والخلفيات. وبما أن نسبة كبيرة من المؤيدين للمرشح الجمهوري هم من المتقاعدين وكبار السن، الذين يشاركونه في قيم معينة، ويحترمون صدقه ووطنيته وخبرته وتاريخه كأسير حرب، فإن الناخبين الجدد، نشأوا في ظروف مغايرة، وقد يصوت قليل منهم للمرشح الجمهوري، ولكن الغالبية، ستذهب أصواتها بكل تأكيد لأوباما، وهذا في حد ذاته يفسر الجهد الكبير الذي بذله الديموقراطيون في تسجيل عدد كبير من الناخبين. كما أن نسبة كبيرة من الناخبين الجدد ينتمون إلى الأقليات الملونة، وبينهم أيضاً أعداد من البيض ممن يبدون اندفاعاً غير مسبوق في تأييدهم لأوباما بعيداً من أي حواجز عرقية أو عنصرية. ومن النادر وجود عدد من كبار السن في صفوف الناخبين الجدد لأن الكبار غالباً ما تكون أسماؤهم أدرجت في السجلات منذ سنوات طويلة، ولديهم حرص كبير، على الإقتراع في كل موسم انتخابي. ولكن من المعروف أن كبار السن نشأوا في ظروف مغايرة عندما كان المجتمع الأميركي يعاني من الفرز العنصري، ولذا فإن كثير من المحافظين الجمهوريين من الأقلية السوداء يعلنون التأييد لباراك أوباما لمجرد أنه مرشح أسود، وفي المقابل فإن نسبة من الديموقراطين البيض يرفضون من حيث المبدأ التصويت لمرشح أسود، بل إن إحدى الناخبات المسنات المتحمسات للمرشح الجمهوري جون ماكين أبدت قلقها علناً أمام ماكين نفسه، معربة عن اعتقادها أن أوباما"عربي"، فما كان من ماكين إلا أن دافع عن منافسه بأسلوب نادر ينم عن شجاعة قائلاً: لا، لا، يا سيدتي، أوباما مواطن أميركي مخلص لبلاده، وأنا أختلف معه على كثير من القضايا، ولكنه أميركي أصيل". وعلى رغم أن البعض ما زال يزعم أن العامل العرقي سيمنع في النهاية المرشح الأسود من دخول البيت الأبيض فإن استطلاعات الرأي تثبت في شكل واضح أن العوامل الاقتصادية، والهموم المشتركة بين البيض والسود ستكون هي الحاسمة في تحقيق التغيير الأكبر في التاريخ الأميركي منذ تأسيس الولاياتالمتحدة حتى الآن. وعندما يتحقق ذلك فإن التاريخ سيتذكر أن الفضل في هذا التغيير، يعود بالدرجة الأولى إلى جيل الإنترنت من الناخبين الجدد.