دعمت روسيا بخطوة مهمة نتائج "حرب الأيام الخمسة" على جورجيا بإقامة علاقات بالدولتين الجديدتين، أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. وكان توقيع اتفاقات صداقة وتعاون ومساعدة متبادلة مع هاتين الدولتين، بعد الاعتراف باستقلالهما، حاجة ماسة لأن مرابطة العسكريين الروس هناك لا أساس قانونياً لها. والمناقشات بين روسيا وفرنسا، ممثلة الاتحاد الأوروبي، تناولت تحديد الأراضي الجورجية. والمسؤولان الألمانيان أنغيلا ميركل وفرانك ? فالتر شتاينماير يريان أن جورجيا لا تضم أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. ولكن السكرتير العام لحلف"الناتو"، ياب دي هوب شيفر دعا، من تبليسي، الى خروج الجيش الروسي من كل الأراضي الجورجية المعترف بها دولياً. وثمة، الآن، أسس يمكن السياسة الروسية البناء عليها، هي الاتفاقات الثنائية المعقودة مع أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية. وتجيز الاتفاقات مرابطة العسكريين الروس على أراضي الدولتين الجديدتين. وروسيا ترى أن علاقاتها بأبخازيا وأوسيتيا تفرض أنهما دولتان مستقلتان. ولا شك في أن مثل هذا الاعتراف كان ضرورياً لضمان الأمن في منطقة المنازعات. ففي نهاية آب أغسطس 2008 أصبح واضحاً أن المعركة الديبلوماسية للحصول من مجلس الأمن الدولي على قرار ينهي الأعمال الحربية، يكرس الوضع الجديد، لن تكون يسيرة ولا قصيرة. واصطدمت محاولة روسيا انتزاع الاعتراف بالدولتين الجديدتين بمقاومة دولية متماسكة. وتعاظم التوتر في مجلس الأمن الدولي جراء حشد"الناتو"أسطولاً حربياً في منطقة النزاع. وخشي المراقبون اشتعال الأعمال الحربية في ظل الفوضى السياسية والقانونية السائدة. ودل اعتراف روسيا باستقلال الدولتين الجديدتين أنها لن ترحل عنهما. ولكنها، في المقابل، لن تذهب الى أبعد من ذلك. والحق أن القرار الروسي بعث مأزقاً يصعب الخروج منه. فالاعتقاد في إمكان إقناع نحو 20 دولة بالاعتراف بالدولتين الجديدتين، يصدر عن تفاؤل غير واقعي. والأرجح أن تثمر الجهود في سبيل تكوين"ائتلاف من بلدان متطوعة"للسير على خطى دانيال أورتيغا، والاعتراف بالدولتين. وهذه الدولة على شاكلة نيكاراغوا، وزناً وتأثيراً دوليين. ولن يكون ممكناً الحصول على اعتراف هيئة الأممالمتحدة بهما. والولايات المتحدة عجزت عن استدراج الاعتراف بكوسوفو، على رغم حشد الحلفاء. وموسكو جاهزة لتحمل أعباء الجيران الجدد. والحال هذه، فلماذا السعي للحصول على اعتراف دولي بالدولتين الجديدتين؟. والإصغاء الى وعود مراوغة من"الحلفاء"أمر مهين. فعندما يزعم رئيس بيلاروسيا، الكسندر لوكاشينكو، الحليف، انقرار الاعتراف بالدولتين الجديدتين من مهمات البرلمان الجديد، لا يفهم القول إلا على وجه السخرية أو التهكم. والبلد الذي قد يقدم على الاعتراف لن يتردد في طلب ثمن اعترافه، مالاً أو خدمة. وتريد روسيا أن يعامل رئيسا أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية، سيرغي باغابش وإدوارد كوكويتي، أو مبعوثيهما، على قدم المساواة مع المسؤولين الجورجيين. وهذا غير واقعي. والحلفاء الجدد قادرون على التسبب في مشكلات مزعجة لروسيا. فكوكويتي اعتاد التصريح بما يدور في خلده. وهو أحرج وزير الخارجية، سيرغي لافروف، ورئيس الوزراء فلاديمير بوتين، لما أعلن في نادي"فالداي"أن أوسيتيا الجنوبية ستنضم الى روسيا، ما دعا القياديين الروسيين الى نفي الأمر. وسبب كوكويتي نفسه إرباكاً وحيرة كبيرين حين قال إن"أوسيتيا الجنوبية واقعياً جزء من شعب مقسّم، وهذا ليس سراً"، وهي"لا تنوي التخلي عن استقلالها ... وأشكال التوحيد مختلفة، وأشكال التكامل كثيرة". ولكن إعادة توحيد شعب مقسم مع الحفاظ على الاستقلال يعني أن الدولة الموحدة لن تكون جزءاً من روسيا. ومن الواضح أن إدوارد كوكويتي لم يقصد ذلك على الإطلاق. والنظر الى الأمور نظرة واقعية يدعو الى الاستنتاج أن مستقبل كل من أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا لن يكون واحداً. فالأولى غير قادرة على أن تكون دولة قابلة للحياة، فلا بد لها من الانضمام الى روسيا الاتحادية. وأما الثانية فيمكنها أن تصير دولة مستقلة، ولكنها لن تتخلص من تبعيتها لروسيا. ومهما كان تقويم طبيعة منعطف آب 2008 في القوقاز، فثمة واقع جديد نشأ عن الإخلال بمبدأ احترام الحدود الإدارية المرسومة في العهد السوفياتي السابق، وكان يعتمده تأمين الاستقرار. وعلى هذا، فمن الصعب التنبؤ بمسار الأوضاع وتطورها لاحقاً. فيدور لوكيانوف، عن "روسيا في غلوبالنوي بوليتيكي" الروسية، 18/9/2008