استُهل العام 2008 على قرار فرنسا حظر التدخين في المقاهي والمطاعم وأماكن الترفيه العام وغيرها، فالتحقت البلاد بكثير من الدول الأوروبية التي انفذت قرارات مشابهة في أوقات سابقة. وأعاد القرار الفرنسي مضار التدخين، المباشرة وغير المباشرة، الى النقاش العام، مع فارق أنه يأتي على خلفية سنوات مديدة من شرح تلك المضار بصورة معلنة، ما يعني أن معظم الناس باتوا على دراية كافية بها. ويعني ذلك أيضاً أن التدخين يبدو راهناً وكأنه طقس غريب من التدمير الذاتي الذي يشترك فيه ملايين البشر. والمفارقة أن الكثيرين يعتبرونه رمزاً للتطور والتقدم، إذ يشعر الشبان والأولاد بأنهم رجال، في ما تحسّ الفتيات بأنهن تجاوزن أمهاتهن ويرغبن في أن يبدين متحررات. مضار التدخين الكثيرة في كل مرّة تشعلون فيها سيجارة تضعون في فمكم غازاً ساماً يحتوي على قرابة 300 مركب كيميائي، يمكن تقسيمها إلى خمس مجموعات رئيسية: 1 - مواد مُسرطِنة تساهم في حدوث السرطان بفاعلية. 2 - مواد مُساعدِة للمواد المُسرطِنة"كو كارسينوجين"CO ? CARGINOJEN . 3 - النيكوتين: وهو سمّ في منتهى القوة، إذ تكفي 40 ملليغراماً منه للقتل. وتتراوح نسبته بحسب أصناف السجائر بين 2و6 في المئة، بحيث تحتوي السيجارة على كمية تتراوح بين 0.5 وميلليغرامين. 4 - مواد مهيجة: وهي التي تلحق الضرر بشعبتي القصبة الهوائية. 5 - الغازات: خصوصاً أول أوكسيد الكربون، الذي ترتفع معدلاته في السيجارة فوق المستوى الذي يعتبر مأموناً في الصناعة! وفي كل مرة نفتح علبة السجائر ونخرج سيجارة ونشعلها ونستنشقها، فإننا نحصل بصورة رئيسة على سحابة دخان مليئة بمواد مركبة تتجمع في الفم، ويؤدي استنشاقها الى نوع من التدمير الذاتي. إذ تحتوي جدران المجاري التنفسية نتوءات مثل الشعر، تتحرك باستمرار لمنع الغبار والبكتيريا من دخول الرئتين. ويؤدي استنشاق دخان السيجارة إلى شلل موقت لهذه النتوءات الشعرية، الأمر الذي يؤدي إلى تباطؤ عملها، فتتدفق المواد المضرة الى الرئتين! لكن في الدخان لا يوجد مركبات غازية فقط بل أيضاً جسيمات صلبة، تتكثف وتشكل قطراناً كثيفاً ذا لونٍ بني على جدران الشعيبات الرئوية، وبسبب الشلل الموقت للنتوءات الشعرية، فإن هذه الجسيمات الصلبة تستقر في الرئتين. وإذا افترضنا أن شخصاً ما يدخن 20 سيجارة يومياً، فإنه يدخن 7300 سيجارة سنوياً، تحتوي على 124 غراماً من القطران. ولذا، فإن السعال الذي يعزا إلى التدخين هو محاولة الجسم وبخاصة الرئتين وجهاز التنفس، لطرد هذه المواد الضارة. ومع مرور الوقت يمكن أن تصاب المجاري التنفسية بأضرار دائمة. ومن المحتمل أن تفقد الرئتان مرونتهما وأن يتسبب ذلك في حدوث"انتفاخ الرئة""ايمفيزيما" Emphysema والالتهاب الشعيبي المزمن "كرونك برونكايتس" Chronic Bronchitis إضافة إلى مشاكل صحية أخرى. وتحتوي"سحابة الدخان"أيضاً على أول أكسيد الكربون، وهو غاز سام يُمتصّ من الدم بسهولة أكثر بكثير من الأوكسجين، ما يحرم الجسم مباشرة من قرابة 8 في المئة من الأوكسجين. ويحدث التدخين صعوبات في التنفس، وتكون النتيجة نقص الأوكسيجين في الدم، ما يجبر القلب على العمل بصورة أسرع، فيرهق بالتدريج الى أن يفشل في أداء عمله! وفي السياق عينه، يعمل النيكوتين على تضييق الأوعية الدموية وتصلبها، ما يزيد العبء على القلب أيضاً، بفعل ارتفاع ضغط الدم. ولهذه الأسباب، يصبح المدخن أكثر ميلاً للإصابة بأمراض شرايين القلب التاجية. وتظهر هذه المشكلة لدى المدخنين بصورة مبكرة، بالمقارنة مع غيرهم. مخاطر السرطان ويعتبر سرطان الرئة من أبرز المخاطر التي تهدد حياة المدخنين عموماً، بفعل ما تحتويه السجائر من مواد مُسرطِنة وأخرى مساعدة لها. وينطبق الوصف عينه على سرطانات الفم والحنجرة. ويزيد معدل الأخيرة عند المدخنين 70 ضعفاً عن سواهم. كما يزيد التدخين من معدلات الإصابة بسرطانات المريء والمعدة والمثانة. والتدخين مشكلة عامة، فالمدخن ربما يمكن أن يكون لديه الحق في الانتحار، لكن ليس له الحق في تسميم الذين يوجدون بالقرب منه، سواء أكانوا زملاءه في العمل أو رفاق طريقه أو زوجته وأولاده. ومع تهديد مخاطر التدخين للحامل، فإن الجنين يصبح مهدداً.