أسود أبيض لم تترك نادين غورديمر وطنها عندما التبست هويته بعد سقوط النظام الأبيض العنصري، ولا تزال أماكن القلب في جنوب أفريقيا. هو زمن آخر في مجموعتها القصصية الأخيرة"بيتهوفن كان أسود بنسبة واحد على ستة عشر في المئة"الصادرة عن دار بلومزبري، بريطانيا، على أن الأسئلة لا تزال نفسها. بعد خمسين سنة على امتهانها الكتابة، وست عشرة سنة على نيلها نوبل الأدب، تكتب غورديمر بالإلحاح والحيوية نفسيهما عن هوية حائرة مطعمة بالذنب أحياناً في جنوب أفريقيا القرن الواحد والعشرين. فردريك، بطل القصة التي أعطت المجموعة عنوانها، أستاذ جامعي في مادة علم الأحياء يسافر في عطلة الفصح الى شمال البلاد علّه يعثر على أنسبائه السود هناك. بياض فردريك ووحدته وتجاوزه وسط العمر عمق افتتانه باختلاطه العنصري، وفكر وهو ينظر الى المارة في كمبرلي في طلب عينات من الحمض النووي لكي يتعرف الى أقربائه بينهم. على أنه يفطن سريعاً الى لا جدوى مسعاه."في الماضي، كان سود لعينون مساكين يرغبون في الادعاء بأنهم بيض. هناك اليوم أبيض لعين مسكين يرغب في الادعاء بأنه أسود. انه السر نفسه". في قصة"المستفيدة"تركز امرأة فجأة على جذورها بعد وفاة والدتها المزعومة واكتشافها أهلها الحقيقيين. تقتنع بأنها ستشفى من الهاجس الجديد الثقيل عندما تلتقي والدها البيولوجي، وإذ تفعل تكتشف لا جدوى معرفتها في مفهومها لوجودها. تقول غورديمر في مقدمة ثلاثية عنوانها"نهايات بديلة"في المجموعة ان استمرارية الوجود يجب أن تقطع بالفن."هناك خيار في العجز عن التنبؤ بالبشر، وأشكال القص تعسفية. ثمة نهايات بديلة جربتها بنفسي هنا". تتحاشى الكاتبة الألعاب القصصية التي يعتمدها الكتّاب الشبان لجذب القراء العازفين عن القصة. وربما كانت أضعف قصص المجموعة تلك التي تتبنى فيها الأساليب الحديثة وتخرج معها خاسرة. على أن التجربة في الفن حق وحاجة، والتجديد لا يسيء الى مكانة غورديمر ولغتها المتينة الموجزة التي تتوقف عند لحظات قصيرة في حياة الفرد لتضيء ترديدات قوية لها في نفس الشخصية والقارئ. فصل آخر عندما كتب عن البؤس الإرلندي في 1996 وحّد بلاده ضده: الكنيسة، الإعلام والشعب. كان فرانك ماكورت من أول من يدعوهم"الناس العاديين"الذين كتبوا مذكرات، ومع أن النصال تكسرت على النصال إلا أنه لم يقل كل شيء."كنت أثرت الاشمئزاز لو قلت كل شيء". نال أول جزء في ثلاثية المذكرات"رماد أنجيلا"جائزة بوليتزر وحول فيلماً، وهو يستوحي والدته مجدداً في رواية الأطفال"أنجيلا والطفل يسوع"الصادرة في شكلين عادي ومصور عن"فورث استيت"وپ"هاربر كولينز". صورت"رماد أنجيلا"فقر أسرته الذليل وخروج طفل تلو الآخر من رحم الأم التي عجزت عن كبح رغبتها وصد زوجها، لكنها قرعت كل الأبواب لتطعم أطفالها وتكسوهم. بدأ الجزء الثاني من المذكرات"انها"بوصوله الى أميركا وهو في التاسعة عشرة، وسجل الجزء الثالث"المعلم"امتهانه التدريس الثانوي ثلاثين سنة في نيويورك. يعتبر نفسه نيويوركياً لا أميركياً، وإذ يعود الى بلاده وهو في السابعة والسبعين ينظر ولا يعرفها."إنها البلاد التي ربحت اليانصيب"بفضل مساعدات الاتحاد الأوروبي. ولئن بقي الكثير من أهلها غاضبين عليه يجد نفسه حراً من غضب الماضي بعدما حررته روايته، وثروته أيضاً، من جمره. يجد أيضاً القدرة على إعادة الجميل ويرصد جزءاً من ريع الرواية للمؤسسات الخيرية التي ساعدت أسرته. روت والدته أنجيلا لصغارها قصصاً من حياتها وباعت"رماد أنجيلا"أربعة ملايين نسخة. اختار والده صفحات من تاريخ إرلندا الوطني والخرافي لكنه تكتم على حياته الخاصة فأحس فرانك بأنه جهله."أنجيلا والطفل يسوع"تروي حدثاً في حياة الأم عندما كانت في التاسعة ورأت تمثال الطفل عارياً في الكنيسة. أشفقت عليه من البرد وأخذته الى بيتها لتكسوه لكنها وجدت الشرطة في انتظارها. كبّل الدين إرلندا، ولم يشفع عمر أنجيلا الطري وعطفها البريء بها من غضب الكنيسة. يدرك ماركوت أن الكثير من مواطنيه يعتقدون بأنه كتب في آخر عمره رواية دينية عذبة بلسان طفلة لكي ينقذ نفسه من لعنة"رماد انجيلا". لو كتب سيرة قديس، يقول بسخرية، كان ذلك شكّل ضمانة أفضل. على عتبة العالم يركز رودي دويل في روايته الصغيرة الأخيرة"برية"الصادرة عن دار سكولاستك على المراهقة مع تناوله العلاقات الصعبة في الصغر والكبر أيضاً. محور الرواية أسرة إرلندية عصرية من أب مطلق لديه ابنة مراهقة من زواجه الأول وزوجة أنجب منها طفلين. لا تطيق الابنة من حولها، وتعجز كسائر المراهقين على تحمل تقلبات عمرها، ولئن أدركت أنها تحب أباها تنفره منها وتجهل السبب. تضيف والدتها الى متاعبها عندما تقرر السفر من نيويورك الى دبلن لتراها للمرة الأولى منذ ثلاث عشرة سنة. والدتها الحقيقية البعيدة غريبة، وكذلك زوجة والدها القريبة، أما والدها فعاجز عن تقديم الحل إذا كان هذا ما تطلبه. تكمل الفتاة حصارها المادي والنفسي بإبعاد أخويها عن"منطقتها"ويقف الكاتب الإرلندي عندما يعتمل تحت السطح أكثر من تركيزه على الأحداث وهي قليلة. يبني دويل شخصيات حقيقية يحس القارئ أنه يعرفها ويعيش بينها. ثمة حياة تسير وتتوقف وتؤجل وتحسم وتشوش ولا تقف مع العبارة الأخيرة في الرواية. هذه الحياة يعيشها كثيرون في المجتمع الغربي، ومن الأحاسيس ما يختلج لدينا في وقت أو آخر من حياتنا. يصف دويل رحلة للأم والطفلين الى"لابلاند"تحفل بتفاصيل دقيقة يعرفها من حدق جيداً في كل ما رآه. كأنه كتب عن رحلة قام بها حقاً ولم يتكل على عالم الانترنت الذي قفز أمامه مع نقرة الإصبع. يتابع حياة الفتاة والولدين الداخلية، وحيوية الجسد على الثلج، والإحباط المراهق الذي يقفل الأبواب على العالم في الوقت الذي يريد فتحها. كلمة أخرى باكورة الكاتب الكندي نيل سميث نالت التصفيق على جانبي الأطلسي."بانغ كرانش"الصادرة في بريطانيا عن دار وايدنفلد ونكلسون صدرت بعد مزاد تنافست فيه دور النشر على شراء حقوق طبعها. سميث في الثالثة والأربعين ويأتي الى عالم الكلمة من الكلمة الأخرى. عمل طويلاً في الترجمة، وحلم وهو صغير بكتابة روايات فانتازية. مجموعته تنتمي الى فن المفهوم وتوسع مداها جامعة جرأة الموضوع بالجد والمرح والنضج والعطف واللغة المتينة. حضر سميث حصتين فقط من صف الكتابة الإبداعية، وقال أستاذه إنه لم يعرف حجم موهبته. دهش عندما قبلت قصصه ورشحت للجوائز، وبدا جاهلاً بقدرته على تنويع الموضوع والمقاربة. يصف في قصة الشعور بالذنب وحذر الجسد لدى شاب نجا من مجزرة ارتكبها طالب في الجامعة في حين تحاول صديقته الاهتمام بإصابته وهي لا تدرك تماماً ما به. قصة أخرى يرويها قفاز والقدم المقطوعة لرائد فضاء هاو تعارض بمرحها جدية الموضوع الأول. يروي سميث تشكيل شاب حلو المعشر مجموعة من المصابين بأورام غير خبيثة. أول من ينضم اليها فتاة غيّرت اسمها الى توتسي تيمناً بضحايا قبيلة الهوتو في رواندا. تحب فوتسي تغيير العالم بأفعال صغيرة وتوزع رقاق الحبوب والحلوى على العاهرات اللواتي بات اسمهن المؤدب"عاملات جنسيات". تحفل القصة بتفاصيل مرحة وحزينة إحداها عن العاملة الجنسية التي غيرت جنسها وباتت تمشي مثل حمامة مصابة بالشلل الارتعاشي. يغرم الكتاب المثليون بوصف الحب الذي يقع كالصاعقة على شخصيات مثلهم. سميث يصف تدرج الصداقة الى الحب بين لاعب كرة سلة مراهق وطالب ذكي يدرس علم الجينات. في قصة أخرى تراقب أم طفلتها المولودة قبل أوانها وتفكر أن جلدها الرقيق الوردي الرمادي بالكاد يغطي أعضاءها الداخلية تماماً كما يبقى القريدس ظاهراً تحت ورقة الرز في لفافة العجين. قصة العنوان عن طفلة نابغة تعاني من مرض الشيخوخة السريعة ثم تعود الى طفولتها الأولى. يكتب سميث بالمتانة نفسها سواء كان واقعياً أو مفهومياً، وعندها يتحدث عن جموح هورمونات المراهقة أو إدمان الأمهات على الكحول.