يبدو أن قيادة حزب الله لا تزال تعيش أجواء تفاهم نيسان 1996 حيث التفهم الدولي لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي والغطاء العربي والإقليمي لحزب الله ووجود شخصية كالرئيس الحريري الذي وظف علاقاته الدولية في خدمة تحقيق هذا التفاهم، دون أن تلحظ التغيرات التي طرأت منذ ذلك الوقت فاليوم تغيب كل هذه العوامل عن ساحة الصراع الدائر في منطقتنا، لا بل على العكس تماماً فهي لن تسمح لحزب الله أن يهدد أو حتى يقلق الإسرائيليين، وعليه أن يعيد حساباته السياسية والإستراتيجية لا بل حتى الأيديولوجية في استخدام لبنان كمنصة إنطلاق لمساندة ومساعدة أخوته الفلسطينيين والسوريين في تحرير أراضيهم، كما تملي عليه إيديولوجيته وواجباته الدينية والأخلاقية. أما ارتباطه بإيران فهو ذو شقين ارتباط روحي بمرجعياته الدينية وهو لا يفرق كثيراً عن ارتباط المسيحيين الكاثوليك بالكرسي البابوي، لا يسيء لانتمائهم الوطني، لكن يمكن أن يكون عاملاً سلبياً أحياناً وإيجابياً أحياناً أخرى تبعاً لطبيعة الشخص المرجع ونوع التدخل مثال بولندا ونقابات التضامن. أما الشق الآخر الذي يتم اتهامه بالعمالة عليه هو ارتباطه المادي مع النظام مصدر دعمه اللوجستي عبر سورية ولذلك هو لا يستطيع فك ارتباطه وتحالفه مع النظامين لأن هذا التحالف استراتيجي بالنسبة له وفق سياساته الحالية. لكن على قيادته أن تعي وتعيد قراءة خريطة المتغيرات الدولية والإقليمية المحيطة به سريعاً حتى يتجاوز المطبات السياسية القاتلة. فهو في ممانعته وقدرته التنظيمية والتعبوية والعسكرية قد رفع سعر رأسه في بورصة المواجهات الحالية ليقبض غيره الثمن الذي ربما يكون بخساً بينما عليه أن يرفع سعر أسهمه في بورصة السياسة الوطنية. ففي ذلك مصلحة له ولوطنه وجيرانه، لأن أي صفقة قد تتم سوف يدفع ثمنها جميع اللبنانيين بلا استثناء. أما حليفه الجنرال الذي يصبّحنا ويمسّينا بتصريحاته النارية الغيورة على الوطن ورفضه التدخل الخارجي الآتي من الغرب فقط، وكأن ذاكرته مثقوبة، فقد نسي أنه وقف هو نفسه منذ بضع سنوات فقط خطيباً في الكونغرس الأميركي طالباً توقيع قانون محاسبة سورية وتحرير لبنان، وكأن التدخل كان مطلوباً فقط ليعود هو إلى الوطن لينصب رئيساً عتيداً عليه ولا تفسير لحاله إلا أنه يعاني من حالة"شيزوفرينيا"سياسية. والأنكى من ذلك أنه لا يفتأ يتباهى أنه أول من رفض الوجود السوري في لبنان وحاربه مادحاً نفسه بشجاعته وإقدامه فإذا كان حينها معذوراً لقلة خبرته السياسية. فهو لا زال يؤكد أنه لم يتعلم بعد كل هذه السنين التي مرت عليه شيئاً. ذاك أن ما أقدم ولا زال يقدم عليه يعتبر تهوراً في عالم السياسة حيث لا دعم إقليمي ولا غطاء دولي له. فكأنه يركب سيارة ثقيلة بدون مكابح. وربما كان على مستشاريه السياسيين تنبيهه وخاصة أن له تمثيلاً شعبياً لا بأس به يعتبره أنه أول من حارب التحكم السوري بلبنان ولم يخض مستنقع الفساد المستشري في لبنان والمنطقة بشكل عام. لقد آن الأوان لكي يحول نضاله من أجل استلام كرسي الرئاسة من قضية شخصية إلى مصلحة وطنية جامعة وأن يوظف هذا الرأسمال حتى لا يخسره في مصلحة كل لبنان. وعلى قوى 14 آذار الانتباه وهي تستظل بمظلة دولية لتحقيق مشروع بناء دولة المؤسسات، أن خطواتها يجب أن ترتكز إلى أرضية ثابتة وقوية. فعلى خطابها السياسي أن يكون هادئاً ومستوعباً للآخر الشريك في الوطن، لا اتهامه بالخيانة والعمالة، لأن خطاباً كهذا ليس صحيحاً ويوّتر الأجواء ويزيد من الاحتقانات. فهي أخطأت بداية في معاداتها لحزب الله واستعجالها التركيز على سلاحه ودولته دون النظر إلى الأسباب الإيديولوجية والوطنية الموجبة الكامنة وراءها ولم تتفهم سياساته وتحركاته، فاستبدلت أجواء الثقة والحوار والاحترام بأجواء الريبة والشك والانتقام بمحاصرته وحشره في الزاوية دون أن تترك له مجالاً للنفاذ نحو الداخل، وأخطأت كثيراً بفض تحالفها معه وكان يمكن أن يكون الشريك الجيد بدل المناكف العنيد. وكثيراً ما يكون الخضوع لأجندات خارجية، قد تكون غبية، أو الاستعجال خطأ سياسياً قاتلاً ومدمراً، لذلك على هذه القوى أن تعيد حساباتها وتبني خطواتها على أساس جديد ربما يفيد أكثر. * كاتب سوري.