يطرح عالم المعلوماتية والتقنيات الالكترونية وأدواتها أسئلة متجددة حول النفايات الناتجة من تصنيع هذه الأدوات وإمكانية التخلص منها لدى إنتهاء صلاحيتها، أو الحاجة إليها، أو عند تغييرها واستبدالها بما هو أحدث منها. وعموماً، يمكن وصف النفايات بأنها البقايا الناتجة من آلية تصنيع أو تحويل، ما يوجب التخلّص منها وتبديدها. توجد أنواع عدّة من النفايات، مثل المنزلية والمؤسساتية والتصنيعية، ما يعني أن جزءاً من النفايات يحمل من المخاطر على الصحة أكثر من غيره. مسؤولية النفايات الالكترونية من ضمن الأسئلة المطروحة لايجاد حلول لهذه الازمة، يبرز السؤال عمن سيأخذ على عاتقه معالجة هذا النوع وهذا الكم الهائل المتزايد دائماً من النفايات؟ في الدول المتطورة، ثمة من وجد طرقاً للحل، حتى ولو كانت جزئية حتى الآن. فماذا عن الدول غير المتطورة، وضمنها الدول العربية؟ هل يوجد فيها هيئات لمعالجة النفايات، وخصوصاً الالكترونية منها؟ وعموماً، إن وزارات البيئة في العالم العربي حديثة العهد، وتُركّز على جمع النفايات وانتقائها وتوزيعها. فماذا عن نفايات التكنولوجيا الرقمية، وخصوصاً أجهزة الحاسوب التي تنتج بالملايين؟ وأين التصادم بين البيئة والمعلوماتية؟ نجد في فرنسا مثلاً إن كل مواطن ينتج ما يعادل 14 كليوغراماً من النفايات التكنولوجية في السنة، لا يوضب منها في شكل صحيح سوى 4 كيلوغرامات. ومثلاً يتألف الحاسوب من هيكل مصنوع من البلاستيك، ومن دوائر الكترونية متشابكة في نقاط التواصل بخيوط من الذهب والفضة التي من الممكن أن تكون قابلة للتدوير والإسترجاع، كما يحتوي معادن ثقيلة من الباريوم والسترونيم وزوريكونيوم. ومن مخروط زجاجي ممزوج بالزئبق. إذاً ثمة كمية هائلة من المواد المضرّة غير القابلة للتحلّل في طبقات الأرض، ولكنها تتسرب تدريجاً لتختلط مع المياه الجوفية، وكذلك تعطي الكثير من الدخان عند إتلافها بواسطة الترميد. كل هذا يدفعنا إلى القول إن إتلاف هذه المواد يجب أن يتم في شكل صحيح. ومع إنخفاض دورة حياة الحواسيب والأدوات التكنولوجية، تزيد حدّة السؤال عن طرق التخلص من هذه الأدوات. ومن الصعب على المواطن وشركات الحواسيب تحمل المسؤولية الكاملة عن هذه النفايات التي يقتضي التخلص منها اتباع سياسة بيئية رشيدة. لقد أصبحت صناعة المعدات الإلكترونية تسير بمعدلات سريعة جداً. ففي العام 2004 انتج نحو 315 مليون حاسوب شخصي، وأنتج 850 مليون هاتف نقال في العام 2005. ويحترف البعض تجميع المواد الثمينة من الحواسيب، وهو تجميع يمثّل مهنة مربحة نسبياً نظراً لإحتواء هذه الحواسيب على كمية كبيرة من المعادن. ولكن الزمن تغيّر بالنسبة لهذا الأمر أيضاً. ولا تحتوي الحواسيب حالياً إلا على نسبة قليلة من هذه المعادن الثمينة، إذ يضم طن من الحواسيب عشرة غرامات من المعادن الثمينة، بينما كان يحتوي على 50 غراماً في السابق. سياسة بيئية لشركات المعلوماتية لقد بدأت بعض شركات تصنيع الالكترونيات تأخذ هذه المشكلة في الإعتبار من خلال برامج بيئية كبرنامج"تصميم من أجل البيئة"Design for environment الذي تتبعه شركة"كومباك"Compaq. ويتضمن البرنامج انتاج حواسيب سهلة التركيب والتفكيك، ما يؤدي إلى سهولة في عملية التحويل. ولا تستعمل شركة"سيمنز"Siemens مثلاً إلا 6 أنواع من البلاستيك حالياً بينما كانت تستعمل المئات في سنة 1990. وتوضع الكومبيوترات راهناً في صناديق قابلة لاعادة التدوير كلياً. وتهتم بعض المنظمات الإنسانية غير الحكومية بتجميع الحواسيب المستعملة في دول الشمال لترسلها إلى نظيراتها في الجنوب"وكذلك الأمر من الشركات الغنية إلى الأماكن التي تحتاجها. وتقوم هذه المنظمات بجمع المعدات الإلكترونية من البيوت أو الشركات مباشرة. ويمكن اعادة استعمال الكثير من الكومبيوترات لأن معظم استخداماتها يتمثّل في تحرير النصوص وتصفح الأنترنت. من الممكن لحاسوب عمره 10 سنوات أن يؤدي هذه الخدمات بكل سهولة وعلى أتم وجه. تجدر الإشارة الى أن الحواسيب تؤثر على البيئة في نهاية عمرها، وكذلك عند صناعتها. فصناعة حاسوب بزنة 24 كيلوغراماً يلزمه 240كيلوغراماً من مادة حارقة و22 كيلوغراماً من المواد الكيماوية المختلفة و 1،5 طن من الماء. يخضع جزء بسيط من الحواسيب الشخصية لعمليات التدوير وإعادة الاستخدام والتجديد والإصلاح. ويجري التخلص من الباقي عبر النفايات المنزلية أو حرقها في الخلاء، ما يؤدي إلى تلوث التربة والهواء والماء. ويتم في كثير من البلدان النامية استرجاع النحاس من خلال حرق هذه النفايات في فضاءات مفتوحة. وكذلك تعالج ألواح الدوائر في حمامات الأحماض المفتوحة بالقرب من مجاري المياه لإستخلاص النحاس والمعادن الثمينة. كما ان هناك نقصاً في البيانات العلمية عن التأثيرات الصحية والبيئية لهذه المواد الخطيرة في النفايات الإلكترونية. زد على ذلك انه لا يوجد أي معلومات عن مسار عمليات إعادة التدوير غير المنظمة. وفي العام 2006، قُدّم اقتراح للاجتماع الثامن من"مؤتمر أطراف في اتفاقية بازل في شأن التحكّم في نقل النفايات الخطيرة والتخلص منها". وبحسب تقرير إحدى منظمات الأممالمتحدة، تعتبر تلك الاتفاقية الصك العالمي الوحيد الساري الذي يراقب عمليات نقل النفايات الإلكترونية والكهربائية الخطرة عبر الحدود"كما توفر قاعدة عالمية لإدارة هذه النفايات بطريقة تحمي البشر والبيئة. وتهدف اتفاقية"بازل"إلى تعزيز نظام رصد للتجارة بالنفايات الإلكترونية الخطرة. ويُعتقد بأن التنفيذ الفعّال لهذه الإتفاقية يوفر آلية لمنع الإتجار غير المشروع بالنفايات الإلكترونية والكهربائية ومكافحته. ومن المشاكل التي حاول الاقتراح حلها مراقبة الزيادة الكبيرة في إنتقال المعدات عبر الحدود الدولية بين الدول المتطورة من جهة، وتلك التي تحاول استخلاص بعض المعادن من الأدوات الإلكترونية. وتضمن ضوابط لطرق التخلص المقبولة، ولسبل التعامل مع المكونات الخطرة في النفايات متل الكاديوم والرصاص والبيرليوم ومركبات الكربون الكلورو فلوريه والزئبق والنيكل وغيرها. ويشير اقتراح بازل الى الصعوبة التي تواجه الدول النامية من ناحية إدارة النفايات الإلكترونية والكهربائية، وكذلك تلافي آثارها المضرة. فلا يوجد في تلك البلدان نظام لهذه المعالجات ولا وحدات مؤهلة للمعالجة، كما تعاني نقصاً في البنية التحتية لهذه الإدارة. وتؤدي تلك العوامل الى دفن هذه النفايات في الخلاء أو إغراقها في مياه الصرف الصحي والأنهار أو على الأرض"ما يؤثر في صحة البشر. وبحسب تلك المصادر الدولية عينها، فإن تحسين هذا الوضع من الممكن أن يتم عبر إستحداث الشركات الإستراتيجية للأغراض الآتية: - تحسين عمليات جمع النفايات الخطرة وفرزها. - تحسين استخدام الطاقة للحد من انبعاث غازات التلوث المرتبطة بظاهرة الاحتباس الحراري. - تحسين فرص الحصول على التقنيات السليمة لمعالجة النفايات من خلال الاسترجاع السليم للمواد القابلة للتدوير. - شفافية التجارة لهذه المنتجات والمعدات المستعملة والهالكة. ومن المهم أيضاً أن تأخذ الشركات المصنعة للأدوات الإلكترونية على عاتقها التخلص من هذه النفايات، جزئياً أو كلياً، لتسير في طريق التحوّل الى صناعة خضراء. وماذا عن النفايات الافتراضية؟ إذا أخذنا في الاعتبار أن الحواسيب تحتوي في أكثر الأحيان على معلومات شخصية سرية"نستنتج أنه يجب معرفة كيفية التخلص من هذه المعلومات لأنها قابلة للاسترجاع. وأخيراً، تشير الإحصاءات إلى وجود بليون حاسوب عالمياً، 200 مليون منها في الولاياتالمتحدة الأميركية، وإذا كانت مدة عمل الحاسوب من 3 سنوات إلى 5 سنوات، فإن 30 مليون حاسوب سترسل إلى"سلة المهملات"في أميركا. وفي العام 2010، سيتوافر ثلاثة بلايين قطعة إلكترونية مضرة بالصحة والبيئة في الطبيعة، بحسب"المنظمة العالمية للتدوير الإلكتروني". ويعطي الرقم فكرة عن مدى الجهد المطلوب للتخلص من هذه الآفة البيئية... قبل فوات الأوان. * استاذ جامعي لبناني