ردّ البطريرك الماروني نصرالله صفير على الحملة التي تطاوله وبكركي من "مغرضين"، مشبهاً إياها بما حصل عام 1989 حين تعرضت بكركي للاعتداء وصفير للإهانة على يد أشخاص كانوا محسوبين على النائب ميشال عون، رئيس الحكومة العسكرية قائد الجيش آنذاك. وجاء رد صفير بعدما تصاعدت لهجة انتقاده من جانب مسيحيين في المعارضة، وبخاصة الوزير السابق سليمان فرنجية الذي اعتبر أن"صفير موظف لدى السفارتين الأميركية والفرنسية"، وقال في حديث تلفزيوني ليل أول من أمس:"كيف أسلم مصيري ومصير أولادي لشخص صفير عمره تسعون سنة ينسى ما يقوله بعد ساعة، وهذا ما يقوله لنا بعض الاكليروس، ويطلبون منا أن نصبر عليه". وقال فرنجية:"نحن لسنا أدوات لدى سورية، هذا كلام تقوله الموالاة، لذلك سيلقى البطريرك الرد منا، خصوصاً أنه يغطي مشروعاً فيه نهاية المسيحيين في لبنان والشرق"، معتبراً أن"البطريرك يستعمل غطاء لمشروع التوطين ولكيانية ذاتية للمسيحيين، وإلا لماذا كلامه الآن عن التدويل؟ لذلك لم يعد بوسعنا السكوت، وسنظل نواجهه. يجب على البطريرك ان يعترف من هم القادة الحقيقيون للمسيحيين، مثل العماد ميشال عون، بينما هو لا يقوم بأقل مهمة له وهي مصالحة المسيحيين وجمعهم، يئسنا من بعض رجال الاكليروس، ويجب ان يحصل التغيير في بكركي، ويرتاح البطريرك صفير، ليصار الى تصحيح الوضع في الكنيسة ويتوحد المسيحيون". لكن كلام فرنجية الذي جاء الأعنف ضد البطريرك بعد انتقادات في السياسة أطلقها عون ونوابه غير مرة، لم يمرّ مرور الكرام، فأمّت بكركي طوال أمس وفود شعبية ومن"القوات اللبنانية"وشخصيات سياسية، تضامناً مع صفير وإدانة لپ"التطاول عليه". وتلقت دوائر الصرح سيلاً من الاتصالات من اللبنانيين في بلدان الانتشار، منددة. وتحدث صفير غير مرة راداً على الحملة بعبارات قاسية وقوطع بالهتاف له مراراً أيضاً. وقال صفير أمام وفد من أبناء كسروان - الفتوح في"القوات اللبنانية"زاره صباحاً:"نأسف شديد الأسف لهذه الحملة التي يقوم بها بعض المغرضين وهذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها الصرح البطريركي لمثل هذه الحملة". وأضاف:"لا نزال نذكر، ربما بعضكم لا يذكرون، ما حدث في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات، ويظهر أننا لم نتعلم شيئاً. فالذي حدث في الماضي يحدث اليوم والمشهد عينه. إننا نسأل الله أن يغفر لهم، ونردد القول: إغفر لهم يا أبتاه لأنهم لا يعلمون ما يفعلون". وتابع صفير:"قديماً قيل إن العصفور الذي يكون واقفاً على الغصن لا ينشر الغصن الذي هو واقف عليه لأنه يهوي معه. ولكن الصرح البطريركي سيبقى كما هو وعلى ما هو"، داعياً جميع اللبنانيين إلى"الالتفاف، ليس فقط حول هذا الصرح بل حول الصروح الدينية التي تقوم في لبنان". وقال صفير أمام وفد من منطقة بعبدا في"القوات اللبنانية"إن"لا داعي الى التبسط في الحملة المنظمة علينا وفي أسبابها وفي الدوافع إليها، وهي أصبحت معروفة وهذا ليس بالشيء الجديد. لكن بكركي، بحمد الله، ليست باقية بما أن فيها بطريركاً إنما كانت باقية وستبقى لأن دائماً فيها بطريركاً، بكركي ليست للبطريرك الذي يكون قائماً في زمنه لكنها للموارنة وللبنانيين جميعاً، وتعاقب عليها بطاركة عديدون". ومساء تجمعت في باحة بكركي وفود شعبية من منطقة جبيل تضامناً مع صفير الذي خرج الى ملاقاتهم وقال:"أنتم تعرفون أن البطريركية المارونية ليست بنت أمس، بل مر عليها أكثر من 1500 سنة وستبقى، لكن المؤسف أن بعضاً من أبنائها يهاجمونها، لكن هذا الهجوم يرتد الى المهاجمين". وقال صفير:"لا نريد أن نؤذي أحداً أو أن نشهّر بأحد، والإنسان مأخوذ بكلامه، والإناء ينضح بما فيه. لكننا نريد ان ندعوكم الى رص الصفوف وشبك الأيدي. إن لبنان في خطر ما دام أبناؤه منقسمين بعضهم على بعض، والظروف تدعونا لكي نرص صفوفنا ونصفح بعضنا عن بعض وأن نكون دائماً في خدمة لبنان". وأضاف:"وصيتي إليكم أن تجمعوا صفوفكم، أن لا تتفرقوا وأن تكونوا واحداً في سبيل الحفاظ على وطنكم لبنان، ولبنان لن يحافظ عليه إلا أبناؤه والذين يتلقون الدروس من هنا وهناك يعرفون أنهم لن يحافظوا على لبنان لكنهم يحافظون على من لقنهم هذه الدروس". ثم ألقى صفير كلمة في وفد"قواتي"من المتن الشمالي هاتفاً له قائلاً:"لا تتعرضوا لأي اسم من الأسماء... وطننا يمر بأزمة منذ زمن بعيد إذا رجعنا الى السبعينات والثمانينات والتسعينات رأينا أن المشاهد عينها تتكرر اليوم لا بل بصورة أقسى وأبشع لأن ما حدث سابقاً يحدث اليوم، وهذا يجب ان نرفضه جميعاً". وأضاف:"علينا أن لا نكون مرتهنين لأحد الاّ لهذا الوطن. لبنان وطننا ويجب أن نعرف أن لا وطن لنا سواه، والذين يذهبون هنا أو هناك ليغلبوا مصالحهم الخاصة على مصالح وطنهم فإنهم باذن الله خاسرون". لقاءات ومواقف مضادة وزار بكركي تضامناً الرئيس السابق أمين الجميل ووفد كتائبي. وردد الجميل أمام البطريرك:"أن التاريخ يشهد لهذا الصرح ومواقفه ويا جبل ما يهزك ريح". واستنكر"أشد الاستنكار الكلام الذي سمعناه، ونأسف له، خصوصاً أنه صادر عن قيادات مارونية مطلوب منها أن تتضامن مع بكركي وتكون رأس الحربة للدفاع عنها". وأضاف:"لا يمكننا إلا أن نربط ما يحصل بمسلسل رهيب يتناول كل مؤسساتنا الوطنية، وليس صدفة تفريغ رئاسة الجمهورية في هذا الشكل، وليس من الصدفة إطلاقاً التعدي على قيادة الجيش واغتيال اللواء الركن فرنسوا الحاج. وكذلك الأمر هناك حملة تتناول أيضاً قائد الجيش العماد ميشال سليمان الذين رشحوه لمقام الرئاسة ثم بدأوا يتناولونه من وقت الى آخر". وتابع الجميل:"ان ما جرى بالأمس وكأنهم يدفعونه ثمناً، ولو متأخراً، لموقفه في نداء بكركي عام 2000 الذي أطلق شرارة مسيرة الاستقلال والسيادة وأدى الى انسحاب الجيش السوري. والأحداث التي تجري لا سيما التعدي على السفارة الأميركية، تدل على أن هناك مايسترو واحداً يوزع الأدوار وهي تنفذ بدقة". وأشار إلى أن"رسماً كاريكاتوريا لأحد المراجع الدينية الأمين العام لپ"حزب الله"السيد حسن نصرالله أقام الدنيا ولم يقعدها، فكيف نقبل النيل من هذه المرجعية الوطنية؟". ورأى النائب بطرس حرب، الذي زار بكركي مساء، أن ما صدر عن فرنجية"يتجاوز إبداء الرأي السياسي الى التحقير والقدح والذم بحق شخص سيد بكركي". وقال:"نظراً الى فداحة الإهانة لا يستطيع اي ماروني السكوت عنها او القبول بحصولها". وعقدت اجتماعات تضامناً مع صفير أبزرها اجتماع لنواب زغرتا - الزاوية الوزيرة نايلة معوض وسمير فرنجية وجواد بولس، الذين هددوا بتحرك اذا ما استمرت الحملة على صفير. ورأوا في بيان أن"حرب النظام السوري على لبنان دخلت مرحلة جديدة. وتستهدف المرجعيات الضامنة للبنانيين وعلى رأسها مرجعية البطريركية المارونية. ويستخدم النظام السوري في حربه هذه أدوات محلية". وسألوا:"كيف يمكن الجمع بين ادعاء الدفاع عن المسيحيين والتعرض للموقع الذي يرمز إلى الوجود المسيحي في لبنان والشرق، والعمل على إفراغ موقع رئاسة الجمهورية الضامن لمشاركتهم في السلطة، والهجوم على مؤسسة الجيش وقائدها العماد ميشال سليمان؟". وحمّلوا النائب عون من دون أن يسموه"مسؤولية الخطر الداهم على مستقبل اللبنانيين، والمسيحيين بخاصة". وأبدى وزير العدل شارل رزق أسفه الشديد لجعل بكركي"عرضة للتجريح والانتقاد". وسأل:"كيف نستطيع أن نجعل من بلدنا مركز حوار الحضارات ان لم يستطع أبناء الطائفة الواحدة ان يتحاوروا؟". واعتبر النائب روبير غانم أن"الحملة المؤلمة التي يشنها البعض على بكركي تشكّل مساً بجوهر وجود لبنان في عيشه المشترك". ورأى النائب عاطف مجدلاني ان"نظام الوصاية، بالتعاون مع حلفائه وأتباعه اللبنانيين، يحاول إسقاط المداميك التي يقف عليها وطن ثورة الأرز". وأسف النائب فؤاد السعد لما قاله فرنجية، وقال:"الله يرحم مين مات، مثل قبلان بك فرنجية القديم وحميد بك فرنجية والرئيس سليمان فرنجية". واكد النائب السابق نسيب لحود ان البطريرك"ما زال كبيراً وسيبقى". ولم يستغرب الحزب التقدمي الاشتراكي في بيان أن"تتطاول بعض الأصوات من صغار السياسيين على مقامات وطنية وروحية كبرى في منزلة البطريرك صفير الذي سطر طوال مسيرته إنجازات كبرى في مجال الحرية والسيادة والاستقلال والديموقراطية والطائف ومصالحة الجبل التاريخية والمحكمة الدولية". واعتبر حزب"الوطنيين الأحرار"أن"الاعتداء الآثم الذي يتعرض له سيد الموارنة والمسيحيين، ما هو إلا تكملة لمخطط تقويض لبنان واستقراره".