يبدو أن المجتمع الدولي نسي القارة الأفريقية وأزماتها الكثيرة . ففي كينيا، قضى، أخيراً، أكثر من 350 كينياً، ونزح نحو 100 ألف عن أرضهم. وفي الصومال، يتربص الموت ب 200 ألف لاجئ يعانون ظروفاً صعبة. وفي أوغادين تتهدد المجاعة مليون شخص. وفي كيفو الشمالية، وهي منطقة كبيرة في الكونغو، تسفك الدماء في نزاعات عنيفة. وفي دارفور تعثرت عملية انتشار قوات حفظ السلام الدولية. والى وقت قريب، تجاهل المجتمع الدولي موت مئتي ألف سوداني بدارفور ونزوح نحو 2،5 مليوني شخص. ولكن المجتمع الدولي نفسه اضطر الى الإفاقة من غيبوبته. فبحسب الأممالمتحدة، يعمل في دارفور نحو 130 ألف عامل إغاثة، وهم يقدمون المساعدات إلى معظم السكان في مناطق النزاعات. فإقليم دارفور يحظى، اليوم، باهتمام الديبلوماسية العالمية، على رغم ان المجتمع الدولي منقسم في الرأي حول سبل معالجة أزمة دارفور. ففريق يدعو الى التدخل عسكرياً لوضع حد لپ"جرائم الإبادة"، وفريق آخر الى تأمين مساعدات إنسانية لأهل دارفور. وفي الأثناء، لا تجد ملايين الأصوات الضعيفة آذاناً صاغية تسمع نداءات الاستغاثة والاستجارة. فالوضع الإنساني في الصومال هو"الأسوأ في أفريقيا"والعالم، بحسب المبعوث الخاص للأمم المتحدة، أحمدو ولد عبدالله. وحسب الصوماليون أنهم بلغوا قعر المأساة بعد حرب أهلية دامت 16 عاماً، وقسمت البلد، وأطاحت الدولة، وكرست سيطرة أمراء الحرب، وأن الأوضاع لن تسوء أكثر. ولكن الرياح لم تجرِ على ما اشتهى سكان العاصمة مقديشو. فهم ينزحون عن مدينتهم بعد دمارها من جديد. والقوات الاثيوبية دحرت، بدعم من واشنطن،"المحاكم الإسلامية"في العاصمة الصومالية. ولكن الحكومة الانتقالية الصومالية فشلت في بلوغ أهدافها، ولم تبسط نفوذها في نصف الصومال الجنوبي. فمنذ كانون الثاني يناير 2007، لم يصل أكثر من 1600 جندي أوغندي من قوة الاتحاد الأفريقي، الى الصومال، وهم يمكثون هناك على أهبّة الاستعداد. والحكومة الانتقالية هي حكومة صورية. ويوجّه تحالف فلول"المحاكم الإسلامية"والميليشيات المحلية، ضربات موجعة الى القوات الأثيوبية. والمواجهات العنيفة والعمياء بينهما توقع آلاف القتلى، وتدمّر المساكن والبلدات، وتفرّغ المناطق من سكانها. ورصدت منظمة"هيومن رايتس واتش"وقوع"جرائم حرب"في الصومال. وطالب البرلمان الأوروبي بإجراء"تحقيق مستقل"في هذه الجرائم. ودعا ولد عبدالله الى إحالة القضية على محكمة الجزاء الدولية. ولكن السلطات الأثيوبية ردت على التنديد الدولي، وأعلنت أن جنودها يحترمون حقوق الإنسان، ويرسون السلم والاستقرار بالصومال. ولا يرى الرئيس الصومالي، عبد الله يوسف، أن معاقبة سكان الأحياء الذين لا يبلغون عن وجود مسلحين مندسين في صفوفهم تنتهك حقوق الانسان. وفي ختام 2006، بلغ عدد سكان مقديشو أكثر من مليون نسمة. ومنذ مطلع 2007، نزح عن العاصمة الصومالية نحو 600 ألف صومالي على مرحلتين. فحركة النزوح تزامنت مع احتدام المعارك في أيار مايو المنصرم، وفي تشرين الثاني نوفمبر الماضي. ويحتاج نحو 1،5 مليون صومالي حاجة ماسة إلى مساعدات إنسانية طارئة. فأعمال الإغاثة تعجز عن تلبية حاجاتهم الهائلة. ويتّهم رئيس الوزراء الأثيوبي، ميليس زيناوي، وسائل الإعلام الأجنبية بالمبالغة في تصوير أزمة إنسانية بالصومال. ولا يسع الحكومة الانتقالية بسط نفوذها وسيادتها. فهي تفتقر الى تأييد شعبي، وتنخرها نزاعات داخلية. وفي ظل انكفاء الحكومة الانتقالية، يبسط أمراء الحرب سلطتهم على أحياء مقديشو، والقراصنة على مياهها الإقليمية. ففي الأشهر التسعة الأولى من 2007، شن القراصنة 26 هجوماً على سفن تنقل مواد الإغاثة الى الصومال. ويرى المراقبون أن الحل لا بد أن يأتي من الخارج. ولكن بان كي مون، أمين عام الأممالمتحدة، يرى أن رعاية الأممالمتحدة عملية سلام بالصومال هو اقتراح غير واقعي لن تكتب له الحياة. وهو دعا، على رغم يقينه أن أحداً لن يسارع الى الدخول إلى وكر الدبابير، دول العالم إلى المبادرة وإرسال قوات كبيرة الى الصومال. ويعود الفضل في تسليط الضوء على المأساة الصومالية الى الصحافة العالمية والمحلية. ويتابع الصحافيون الصوماليون عملهم في ظروف صعبة، ويلقون حتفهم في أثناء ممارسة مهنتهم. ففي العام الماضي، اغتيل ثمانية صحافيين الصومال. وعلى خلاف الصومال، تعاني أوغادين، وهي مقاطعة أثيوبية، التعتيم الإعلامي. ففي نيسان أبريل 2007، هاجمت"الجبهة الوطنية لتحرير أوغادين"حقلاً نفطياً وقتلت 74شخصاً، تسعة منهم صينيون. وفي منتصف حزيران يونيو ردت أديس أبابا على هذا الهجوم، وحاصرت وسط منطقة أوغادين، ومنعت دخول المؤن الى المنطقة. فارتفعت أسعار المواد الغذائية الأولية بأوغادين، وانهارت أسعار المواشي. وفقد الاوغاديون مورد رزقهم. فهم درجوا على بيع المواشي وشراء الحبوب. ولم يعرف مآل الأمور بأوغادين منذ حصار القوات الحكومية لها. فالأجانب والصحافيون أخلوها قسراً، وحظر على المنظمات الإنسانية و"الصليب الأحمر الدولي"و"أطباء بلا حدود"دخول المنطقة. ويحمل كل نازح أو ناجٍ خبراً جديداً عما يحصل في أوغادين. وينقل هؤلاء أخباراً عن قتل المواشي، وتحريق الحقول والقرى، وعمليات قتل جماعي واغتصاب يرتكبها الجنود، وتجنيد المدنيين في القتال من دون تدريب. وهذه الأخبار ترسم صورة حملة منهجية تتوسل القتل والترويع والتجويع لطرد السكان من الأرياف. وينفي الرئيس الأثيوبي انتهاك جنوده حقوق الإنسان، ويقول إن العمليات ضد المسلحين ليست نزهة. ويزعم أن أخبار الأزمة الإنسانية مفبركة. ويخالف مسؤول عمليات الإغاثة في الأممالمتحدة، جون هولمز، الرئيس. فأزمة إنسانية كبيرة تتهدد مليون أوغادني. وتشير المسوح الميدانية إلى ارتفاع معدلات سوء تغذية هناك، وبلوغها عتبة لم تبلغنا في دارفور والصومال. وفي كونغو كينشاسا، توقع المراقبون أن تطوي الانتخابات الأخيرة صفحة الحرب الدامية التي اندلعت بين 1996 و2003، وحصدت نحو أربعة ملايين ضحية. ولكن التغيرات السياسية لم تستأصل بذور الشر. فشرارة الحرب انطلقت من مقاطعة كيفو. وأسهم في بعث النزاع تداعيات أعمال الإبادة الرواندية في 1994، بين الهوتو والتوتسي، وأطماع الدولة والبلدان المجاورة في الثروات الكونغولية. وترفض ميليشيا الهوتو، وهي خليفة مرتكبي الإبادة برواندا، تسليم السلاح، شأن جيش التوتسي. فهذا الجيش يزعم الدفاع عن أقلية مهددة بالإبادة على أيدي أعدائها من الهوتو. والطرفان مسؤولان عن أعمال عنف. ففي الشهور العشرة الأولى من اندلاع الحرب، في كيفو الشمالية، ارتكبت 2700 عملية اغتصاب. وإثر نجاح الجيش الكونغولي في هجوم شنه للقضاء على جيش التوتسي، انصرف عناصره إلى السرقة والاغتصاب، عوض إرساء الأمن. وفرّ السكان من الأهوال والمحن هذه. وبلغ عدد النازحين 800 ألف، معظمهم نزل على مخيمات حول العاصمة، غوما. ولكن النازحين لم ينجوا من براثن وباء الكوليرا بعد تفشيه في المخيمات. وعلى خلاف أوغادين والصومال، تحظى الكونغو باهتمام دولي. فالأممالمتحدة نشرت 19 ألفاً من قوات فرض النظام. وتناولت وزيرة الخارجية الأميركية، كوندوليزا رايس، القضية الكونغولية، في زيارة سريعة الى أفريقيا. فهذا البلد يملك 10 في المئة من احتياطي النحاس في العالم، و30 في المئة من احتياطي الكوبالت، وكمية كبيرة من الماس والمانغنيز واليورانيوم والكولتان. وتجمع سمات مشتركة بين الأزمات الإنسانية في أوغادين والصومال وشرق الكونغو. ففي هذه البلدان ملايين من البشر أرهقتهم المجاعات والحروب. عن رينيه لوفور،"لو موند"الفرنسية، 10-16/1/2008