إثر إبادة قوم التوتسي برواندا، هرب أكثر من مليون شخص من قوم الهوتو، المشاركين في الإبادة، من نظام بول كاغامي وحزبه الحاكم، «الجبهة الوطنية الرواندية»، ولجأوا الى جمهورية الكونغو الديموقراطية، وتكدّسوا في معسكرات لاجئين على طول الحدود مع رواندا. ونزلوا في معسكرات كانت، الى وقت قريب، قاعدة الجزارين الهوتو الخلفية. وبدأ نظام كاغامي حملة لتدمير المعسكرات هذه. وشن هجوماً عسكرياً تقنّع بقناع «تحالف القوى الديموقراطية لتحرير الكونغو». وأبصر «التحالف» النور في كيغالي، في تشرين الاول (أكتوبر) 1996. وعلى رأسه لوران - ديزيري كابيلا الذي نجح في إطاحة الماريشال موبوتو، بعد 7 أشهر. وبحسب تقرير مفوضية الأممالمتحدة الحقوق الإنسان، مدّت رواندا «التحالف» بالمال والسلاح، ودربته. فالهجمات على الهوتو كانت «مبرمجة، ومنتظمة، ومتعمدة... وامتدت الى مناطق واسعة». و «دامت ملاحقة الهوتو أشهراً، وقُطعت عنهم المساعدات (الغذائية) في المنطقة الشرقية، وحُرموا وسائل البقاء»، على ما يقول التقرير. وتوسل القتلة بالأسلحة البيضاء، وخصوصاً المطرقة والسكاكين. وقُتل الناجون من المعارك في معسكرات اللجوء قتلاً مبرمجاً لم تنجُ منه النساء ولا نجا الأطفال والمرضى والكبار في السن. وهؤلاء هم شطر راجح من الضحايا. وعلى رغم أن كيغالي سمحت لآلاف الهوتو بالعودة الى رواندا، لا يسع التقرير استبعاد نية نظام كيغالي إبادة الهوتو. وليست رواندا المتهم الوحيد بإبادة الهوتو. فبين 1998 و2003، ضلعت 8 جيوش نظامية على الأقل و21 ميليشيا في حرب جمهورية الكونغو الديموقراطية الثانية. وأصابع الاتهام توجه الى القوات المسلحة الأنغولية باستغلال انتشارها في كينشاسا، في 1997، لتضييق الخناق على قوم كابيندا (من أنغولا) اللاجئين إلى إقليم با – كونغو. وفي العام التالي، أحرقت القوات معسكرات اللاجئين، وقتلت كل من شكت في تعامله مع أعدائها. واغتصبت النساء، ونهبت البيوت. وصرفت المؤسسة العسكرية الأنغولية النظر عن هذه الأعمال. واعترضت أنغولا وأوغندا اعتراضاً خفراً على الاتهامات. ولكن الاعتراض الأبرز والأعنف جاء على لسان بول كاغامي. ففي مدريد، في تموز (يوليو) الماضي، هدد كاغامي أمين عام الأممالمتحدة، بان كي مون، بسحب الجنود الروانديين من قوات حفظ السلام الأممية. وحصلت صحيفة «لوموند» على نسخة من رسالة وجهتها وزيرة خارجية رواندا، لويز موشيكيو أبو، الى أمين عام الأممالمتحدة. ولوحت بالعودة عن التزامات رواندا تجاه الأممالمتحدة، إذا نُشر التقرير الذي يتهمها بالتورط بالمجازر، أو سُرِّب الى وسائل الإعلام. ولا تستخف الأممالمتحدة بهذه التهديدات. فرواندا هي أكبر المساهمين الأفارقة في قوات القبعات الزرق. وهي نشرت 3300 جندي من جنودها الأكفاء والمدربين في دارفور. وبحسب مصادرنا، حمل عرض العضلات الرواندي بان كي مون على الطلب من رئيس مفوضية حقوق الإنسان، نافانتيم بيلاي، ألا يصف جرائم الجيش الرواندي بال «إبادة»، في النسخة الأخيرة من التقرير المفترض نشرها في أيلول (سبتمبر) الجاري. وتأخذ كيغالي، العاصمة الرواندية، على الأممالمتحدة وقوفها موقف المتفرج أمام إبادة 800 ألف شخص من التوتسي، في 1994. وتصف تهمة جيشها بأعمال الإبادة بالعبثية. وأمام عشرات آلاف الضحايا، تقترح السلطات الرواندية على الأممالمتحدة التحقيق مع جنود القبعات الزرق «الغارقين في وحول بغاء الأطفال». ويخلو تقرير مفوضية الاممالمتحدة من أسماء المسؤولين عن المجازر. فبموجب تكليفها ليست المفوضية مخولة جمع أدلة تقدم في المحاكم، بل جمع معلومات تمهد لوضع فرضيات التحقيق الأولية. وأسماء المسؤولين بقيت في بنك معلومات، ولم ترفع عنها السرية. ولكن أية محاكم مخولة النظر في جرائم هذا العقد الدموي والقاتل في جمهورية الكونغو الديموقراطية؟ وهل هي المحكمة الجنائية الدولية؟ فمعظم الجرائم ارتكب قبل إنشاء هذه المحكمة، في الأول من تموز 2002. وعليه، ليس النظر في أعمال الإبادة الرواندية من صلاحياتها. ولكن هل يسع القضاء الأنغولي النظر في الجرائم المرتكبة على الأراضي الأنغولية؟ ولكن كينشاسا لن تحرك ساكناً لتقصي هذه الجرائم ومقاضاة المجرمين، على ما ينبهنا مسؤول كونغولي رفض الكشف عن اسمه. فالمسؤولون عن المجازر لا يزالون في السلطة. وفي آب (أغسطس) 2002، أعلنت «هيومن رايت واتش» أنها جمعت قرائن تكفي لملاحقة الجنرال الكونغولي غاريي اميسي امام القضاء بتهمة ارتكاب جرائم حرب في كيسانغامي. وأميسي هو اليوم رئيس أركان القوات البرية الكونغولية المقرب من جوزيف كابيلا، رئيس جمهورية الكونغو الديموقراطية. * تباعاً، مراسل وباحث، عن «لوموند» الفرنسية، 27/8/2010، إعداد منال نحاس