كتب نزار آغري تحت عنوان : "لماذا تستغل تركيا أوضاع تركمان العراق" الحياة 24/2/2007، قائلاً:"تمارس تركيا بحق أكرادها عنصرية قاسية ورثتها من مؤسس الدولة التركية الحديثة مصطفى كمال اتاتورك ... وصول حزب العدالة والتنمية الإسلامي لم يبدل في الذهنية التركية شيئاً. كذلك لم تفلح الضغوطات الأوروبية في دفع تركيا إلى تغيير سلوكها إزاء الأكراد. ثمة فوبيا حيال الاكراد تستوطن روح الحكومات التركية ... النزعة الاستعلائية والمواقف القومية الشوفينية للأوساط التركية الحاكمة". وكتب هو نفسه تحت عنوان:"الأكراد وحمل السلاح: أسطورة حان وقت تركها"الحياة 30/12/2007، منتقداً لا جدوى المقاومة الكرديَّة المسلحة عموماً، ولدى أكراد تركيا خصوصاً، مادحاً ومشيداً بعلمانيَّة وديموقراطيَّة تركيا:"تركيا دولة علمانية وديموقراطية، وحكومتها الحالية من أكثر الحكومات التركية تسامحاً مع الأكراد وهي تعمل على ترسيخ المزيد من الآليات الديموقراطية وتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان". فهل الرأيان لشخص واحد؟!. وكتب هو نفسه تحت عنوان:"لماذا يمتنع أكراد العراق عن الجهر بالرغبة في الانفصال؟"الحياة 30/5/2007، داعياً لإعلان الدولة القومية، منتقداً سلوك القادة الكرد في كردستان العراق، ناعتاً إيَّاه بالانفصام:"لا تمر مناسبة دون أن يعلن القادة الأكراد حق الشعب الكردي في تقرير مصيره بنفسه وضرورة أن يحقق الكرد حلمهم في إقامة دولة مستقلة. إن ما ينقص الأكراد في واقع الحال هو مجرد الإعلان عن هذه الدولة. مع كل هذا فإن القادة الكرد أنفسهم لا ينفكون يرددون في كل يوم أنه ليست لديهم رغبة في الانفصال عن العراق، وأنهم إنما يريدون البقاء ضمن عراق موحد. ما هو السبب الكامن وراء هذا الانفصام؟ ... كان الأكراد وجدوا في جهدهم القتالي ما يماثل جهود شعوب كثيرة أخرى عمدت إلى رفع السلاح من أجل الوصول إلى مطالبها القومية. أسوة بهذه الشعوب أطلقوا على مسعاهم اسم"حركة تحرر قومي". لكنهم، وبعكس سائر الحركات التحررية القومية، امتنعوا عن رفع شعار الاستقلال واكتفوا بمطلب واحد لم تتبدل سحنته تمثل في الاصرار على العيش داخل الكيان السياسي العراقي ... لماذا يمتنع الأكراد إذاً، من بين كل الشعوب، عن الجهر بالرغبة في الانفصال عن العراق؟". وكتب أيضاً تحت عنوان:"بين الأمة والدولة... الأكراد إذ يقلّدون العرب في القوميّة"الحياة 15/12/2007، منتقداً حلم الدولة القومية، والقوميين الأكراد الغارقين في أوهام هذه الدولة المفترضة:"هناك رغبة شبه صوفية لدى القوميين الكرد في تجاهل الوقائع على الأرض والقفز فوق التفاصيل سعياً وراء ذات منتفخة ورسم صورة وردية عن الكرد بوصفهم أمة واحدة ذات رسالة خالدة؟. فتنهض شعارات التجييش القومي ودق طبول"الجهاد المقدس"القومي. يتم الاستهزاء بالعيش اليومي والمصالح الاقتصادية والسيرورة الاجتماعية من أجل إيديولوجية شمولية تحلق في الهواء وتتحدث عن مطلقات بلاغية غالباً ما تكون مخادعة". إزاء هذه الآراء المتضاربة والمتضادة لشخص واحد، يكون المرء أمام احتمالاتٍ أربعة، لا خامس لها: إمَّا أن صاحبها يعاني من الانفصام وتعدد الشخصيات، فيحار المرء، أيُّ منها هو الحقيقي، كي يفتح قناة حوار معه؟! أو إن ثمَّة انقلاباً حقيقياً طرأ على البنية القيميَّة لهذا الشخص خلال هذه الشهور القليلة، ما دفعه لتغيير رأيه، بهذه الحديَّة!. أو أن السعة المعرفيَّة لدى صاحب هذه الآراء والمقدرة البلاغيَّة على تطويع اللغة التي يمتلكها، بلغت به أن يقنعنا بالفكرة وضدّها في آن؟ أو أنه كاتب تحت الطلب، يميل برأيه صوب إغواء الريح الكرديَّة"الخضراء"الآتية من كردستان العراق!. على ضوء رأي صاحبنا في عبثيَّة حمل الأكراد للسلاح على مرِّ تاريخهم، ينبغي أن يجري الأكراد محاكمة علنيَّة لكل زعامات الانتفاضات والثورات الكرديَّة: شيخ سعيد بيران، محمود الحفيد، سيد رضا، إحسان نوري باشا، قاضي محمد، مصطفى بارزاني، عبدالرحمن قاسملو، جلال طالباني، مسعود بارزاني، عبد الله أوجلان، على ما اقترفوه بحقِّ الأكراد من دمارٍ وفظائع، نتيجة حملهم للسلاح!، ما يعني أن المجازر التي اقترفها النظم التركي والإيراني والعراقي السابق، صاحب"الأنفال"بحق الأكراد، لم تكن لتحصل، لولا حمل الأكراد للسلاح، والتجاؤهم للجبال، وتبنِّيهم للمقاومة المسلحة!. والحال هذه، لا يحقُّ للكردي الشكوى من الظلم والقتل والتشريد اللاحق به من قبل هذه النظم، لأنَّها دافعت عن نفسها في مواجهة السلاح الكردي!. والغريب، إان صاحبنا هنا، يتبنَّى حالياً وجهة نظر أوجلان، في بعض الجزئيات، أثناء انتقاد أوجلان لانتفاضة الشيخ سعيد بيران سنة 1925 على الدولة التركيَّة، والطابع القبلي والديني والمشيخي لها، وان هذه الانتفاضة لم تكن تنطوي على عمق قومي!. في ما مضى، تنطَّع صاحبنا مراراً للدفاع عن التاريخ الكردي، محاولاً"رسم صورة وردية عن الكرد بوصفهم أمة واحدة ذات رسالة خالدة؟"، شانَّاً هجوماً عنيفاً على أوجلان، بداعي أنه تطاول على التاريخ الكردي، وطعن في ثوراته، وأن أوجلان كان ينبغي أن يحتذي بالشيخ سعيد، ولا يستسلم للأتراك، ولا يعتذر من أسر القتلى والجرحى الذين سقطوا من الأكراد والأتراك في الصراع المسلح بين الطرفين، وإن أوجلان"فاشل ومهزوز ومستسلم"!. ماذا لو لم يغز صدام حسين الكويت، ولم تحدث حرب الخليج الثانية، ولم تحدث الانتفاضة الكرديَّة في كردستان العراق في آذار مارس 1991، ولم يسحقها صدام بالكيماوي، ولم تنشأ منطقة الملاذ الآمن، بمعيَّة الأميركيين، هل كان أكراد العراق سيلقون سلاحهم مجاناً، ودون شروط، كي يحصلوا على المكاسب التي بحوزتهم حالياً، عن طريق الحوار والتفاوض مع صدَّام الذي لم يكن ينظر للأكراد إلا كحشرات، لا مناص من إبادتها!؟. حين يتعلَّق الأمر بتعدِّيات وتدخلات تركيا في الشأن العراقي والكردي، وتعطيل المادة 140 من الدستور، والتحجج بورقة التركمان، حينئذ، تكون تركيا، عنصريَّة، شوفينيَّة، تسيطر عليها"فوبيا كرديَّة"...الخ، وحين يتعلَّق الأمر بأكراد تركيا، وما يتعرضون له من قمع وسحق وتهجير وتدمير على يد الجيش التركي، بمعيَّة حكومة العدالة والتنمية، حينئذ، تصبح تركيا دولة ديموقراطيَّة، وعلمانيَّة، والأكراد يجهلون كيفيَّة وآليَّة التفاهم معها، وعليهم الاستسلام لها، وترك السلاح، دون ضمانات أو تعهُّدات بحل القضيَّة الكرديَّة. هنا، حَمَلَة السلاح من الأكراد دفاعاً عن النفس في تركيا، هم ثلَّة من الجهلة والحمقى، شغلهم الشاغل هو القتل والدمار، لأنهم من هواة رؤية الدماء المسفوكة. أمَّا الجنرالات الأتراك الوديعون الودودون، والحكومة التركيَّة المسكينة،"يا حرام"، أنها مضطرَّة لإرسال أكثر من 50 طائرة لقصف القرى الكرديَّة، وقتل الأبرياء، والمضي في منطق الحرب في كردستان تركياوالعراق، دفاعاً عن علمانيتها وإسلاميتها واعتدالها وديموقراطيتها، التي يهدد الثوار الأكراد في الجبال!. وقتئذ، يغدو الاستمرار على حمل السلاح كرديَّاً،"تسميماً"للعلاقات"الوديَّة"بين تركيا وكردستان العراق!. حين يتخلََّى أكراد تركيا عن شعار الدولة القوميَّة، ويتبنُّون الدولة الديموقراطيَّة الوطنيَّة، فهذا خيانة للدماء، وتصفية للقضية الكرديَّة، واستسلام وتهوُّر وتفريط في الحقوق، برأي كاتبنا. وحين يسعى أكراد العراق بعيداً عن الانفصال، فهذه قمَّة العقلانيَّة والموضوعيَّة، والارتكان لمعطيات الواقع، حفاظاً على المكتسبات والنهضة التي منحها لهم النظام العراقي السابق،"نتيجة نزولهم من الجبال وإلقائهم للسلاح"، أيضاً حسب رأيه!. فعلى من تقرأ مزاميرك يا داوود؟!. إذاً، هي ليست الصحوة الكاذبة من آثام وآلام الكفاح الكردي المسلح، ومن أوهام الدولة القوميَّة، بل ثمَّة هذا السلوك السخافي الثقافوي المعطوب، المرتدي لمعطف هنري ثورو أو المتدثِّر برداء غاندي، حيناً، وارتداء بزَّة ديغول أو اعتمار قبعَّة تشرشل أحياناً!، وفق مقتضيات الحاجة القوميَّة والوطنيَّة، وتماشياً وقوانين العرض والطلب القومي والوطني!. ويا ليته قارب النقد المنصف والجاد، دون مواربة أو انتقائية وزئبقيَّة معهودة. * كاتب كردي.