دخل لبنان عام 2007 مثقلاً بالأزمة التي رافقته منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وخرج منه بفراغ رئاسي وانقسام سياسي حاد بين فريقي الأكثرية والمعارضة. فاعتصام المعارضة الذي كان أتم شهره الأول في 1 كانون الثاني يناير 2007، تواصل من دون أن يحقق مطلبه، أي سقوط حكومة فؤاد السنيورة وقيام حكومة وحدة وطنية. وعلى رغم أنه تحول في منتصف العام إلى مخيم لعناصر انضباط حزبيين، إلا أن القائمين عليه لم يرفعوه في انتظار تحقيق مكاسب سياسية. مبادرات الحل العربية والدولية كما الاعتصام، لم تتوقف طوال العام المنصرم. وفي أحيان كثيرة كان يدخل على الخط نفسه أكثر من موفد، وأكثر من أزمة. إذ قلّما شهد عام العدد الذي شهده 2007 من مبادرات لحل أزمة سياسية، نسف معظمها حتى قبل أن يولد. في مستهل العام، وبعد فشل مساعي الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في إعادة اللبنانيين إلى طاولة الحوار أواخر 2006، علقت الآمال على رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي كان وعد بإطلاق مبادرة بعد الأعياد. المبادرة لم تطرح في العلن، إلا أنها كانت تقوم على تشكيل حكومة أقطاب من 10 وزراء يكون للأكثرية كما للمعارضة 3 وزراء والأربعة الباقون حياديون. أجهضت المبادرة وألقت المعارضة باللوم على النائب وليد جنبلاط، الذي كان وصفها بپ"البدعة"، مذكراً بصعوبة اختيار"الوزير الملك"في مبادرة موسى التي كانت تقوم على حكومة مؤلفة من 19 وزيراً للأكثرية و10 للمعارضة وپ"وزير ملك". غير أن مصادر الأكثرية أوحت بأن رئيس كتلة"المستقبل"النيابية سعد الحريري هو من رفض المبادرة. كان هجوم جنبلاط على"حزب الله"بلغ هنا مراحل متقدمة، إذ اتهم في 7 كانون الثاني يناير"عماد مغنية بأنه متورط في بعض الجرائم"، وأعلن أنه يرفض لقاء نصر الله، وأن بري"مخطوف وكأن مسدساً إيرانياً - سورياً في رأسه"، مستغرباً تعطيل المجلس النيابي. وعاش اللبنانيون فصلاً جديداً من فصول الأزمة تمثّل بالخلاف على الورقة الإصلاحية للحكومة إلى مؤتمر"باريس-3"، التي رفضتها قوى المعارضة، وأقرها مجلس الوزراء. الإشارات إلى نية المعارضة تصعيد تحركها في الشارع تكثفت بداية العام. وبعد اجتماع لها في منزل رئيس تكتل"التغيير والإصلاح"ميشال عون، تبنت المعارضة دعوة الاتحاد العمالي العام إلى التظاهر في اتجاه الوزارات والمرافق العامة احتجاجاً على سياسة الحكومة. غير أن المعارضة لم تحشد شعبياً للاعتصام الذي توقف أمام الوزارة الرابعة. وواصل السنيورة جولته على عدد من الدول العربية لتأمين الدعم لپ"باريس-3"، وحصل من الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس المصري حسني مبارك على تأكيدهما دعم لبنان والمؤتمر. بالتزامن مع التحركات على الأرض، كانت ملامح معركة انتخابية فرعية في المتن لملء المقعد الشاغر باستشهاد الوزير بيار الجميل ترتسم. كما كان الأمين العام الجديد للأمم المتحدة بان كي مون في نيويورك يؤكد الدعم الدولي للبنان. لم تخل المرحلة من محاولات لإيجاد منافذ للحل. فبرز تفاعل للدور السعودي. واستقبل الملك عبدالله وفداً من"حزب الله"، ووصف السفير السعودي لدى لبنان عبدالعزيز خوجة لاحقاً اللقاء بأنه"كان طيباً"، وأكد أن"ليس هناك مبادرة سعودية، بل مبادرة موسى". ولعب خوجة بعدها دوراً في محاولة تقريب وجهات النظر. عودة وفد الحزب من المملكة لم تشهد بداية الحل، بل تطبيقاً جزئياً لنصيحة الملك للوفد بالانفتاح على السنيورة والحريري بمساعدة خوجة. وجرت اجتماعات لخوجة أفرزت صيغة إقرار المحكمة عبر فريق عمل يدرس ملاحظات المعارضة على مشروع المحكمة على أن يتم إقراره في حكومة 19+ 10+ 1 يعين باتفاق الطرفين. اعترضت كتلة النائب ميشال عون النيابية على"التسويات الإقليمية". في الوقت نفسه كان أمين سر مجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني يزور السعودية، ويعلن منها استعداده لزيارة بيروت لتسويق الحل، في حين كانت معلومات تصل بأن دمشق التي زارها لاريجاني يسبقه إليها وفد"حزب الله"غير راضية عن المسودة، فذهبت الأخيرة أدراج الرياح، وبدأ تصعيد المعارضة. دماء جديدة في 23 كانون الثاني نفذت المعارضة إضراباً عاماً، بعد أيام من خطاب متلفز لنصر الله وعد فيه بالتصعيد، وأضافت إلى مطالبها:"قانون انتخاب جديد"وپ"انتخابات نيابية مبكرة". وأحرق المضربون الإطارات في الشوارع وقطعوا أوصال الطرق، ونصبت في بعض المناطق حواجز الهوية وظهر السلاح في الأيدي. بعد يومين من الإضراب اندلعت أحداث في الجامعة العربية، سقط على أثرها أربعة قتلى برصاص القناصة. وسادت صفحة مشوبة بالقلق من فلتان أمني محتمل وعودة الحرب. مع اقتراب الذكرى الثانية لاغتيال الحريري منتصف شباط فبراير عادت المخاوف من اندلاع أحداث أمنية. فأفتى نصر الله بتحريم التورط في أي حرب أهلية. ووجهت زوجة الرئيس الراحل نازك الحريري إلى نصر الله رسالة لجعل ذكرى زوجها موعداً للمحبة. بعد نحو أربعة أيام من الذكرى عادت بارقة أمل تظهر في الأفق، إذ سلم بري السفير خوجة مشروع المعارضة للحل على قاعدة التلازم بين المحكمة وتشكيل حكومة الوحدة. وتوجه الحريري ووزير الإعلام غازي العريضي إلى الرياض، في حين كان الأسد في إيران التي كانت تحاول أن تنتزع موافقته على صيغة الحل المقترحة، في انتظار جولة المشاورات الجديدة بين الرياض وطهران. وما هي إلا أيام قليلة حتى رفضت الأكثرية إعطاء 11 وزيراً للمعارضة خوفاً من أن تستخدمها في الانتخابات الرئاسية المقبلة. واتهم"حزب الله"من يتلقى"إشارات من الأميركيين بتعطيل المساعي السعودية والإيرانية والروسية". وعادت لقاءات بري - الحريري من دون أن ينتج منها أي تسوية، كما عاد تلويح المعارضة باللجوء إلى العصيان المدني، على رغم مواصلة البطريرك الماروني نصر الله صفير مطالبته بإنهاء الاعتصام. فراغ في المجلس في هذه الفترة برزت مشكلة جديدة هي عدم عقد جلسات المجلس النيابي، وأعلن"حزب الله"أنه لن تعقد"جلسة للبرلمان في العقد العادي يبدأ في 15 آذار من دون حكومة دستورية". في 30 آذار مارس نشأ سجال بين بري والسنيورة على خلفية ارسال السنيورة مشروع المحكمة الى المجلس يوم زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لبنان. وقال بري إن المجلس لا يتسلم مشاريع إلا إذا كانت مرسلة من رئيس الجمهورية. كما صعد"حزب الله"لهجته، فحمل نائب الأمين العام لپ"حزب الله"الشيخ نعيم قاسم مجلس الأمن مسؤولية إقرار المحكمة تحت الفصل السابع... وبرزت حركة موفدين جدد. في 10 أيار مايو استقبل الرئيسان الفرنسيان، المنتخب نيكولا ساركوزي وجاك شيراك الحريري وأعلنا تمسكهما بتشكيل المحكمة. وبعد أيام أعلن الحريري أنه"مستعد للقاء أقطاب المعارضة للتفاهم على المرحلة المقبلة بعد انجاز موضوع المحكمة". بعد شهر من عودة الحريري وقبل ثلاثة أيام من اغتيال النائب وليد عيدو، وصل الموفد الفرنسي جان كلود كوسران إلى بيروت، في حين كان وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل يلتقي نظيره الفرنسي برنار كوشنير في باريس، ويؤكدان أهمية تشكيل حكومة وحدة وطنية إعداداً للانتخابات الرئاسية. وفي حزيران يونيو أقر مجلس الأمن المحكمة الدولية. وفي 5 تموز يوليو عاد كوسران مرة جديدة إلى بيروت ليسلم الدعوات إلى مؤتمر لاسيل سان كلو في 14 منه الذي جمع زعماء الصف الثاني في باريس، في ظل دعم دولي وإقليمي للمبادرة الفرنسية التي تهدف إلى إقامة الحوار الداخلي بين اللبنانيين. وبعد فشل المؤتمر عاد كوسران في 18 تموز من سورية، للإعداد للجزء الثاني من الحوار في لبنان، في ظل معلومات عن أن دمشق وعدته بالتشاور مع حلفائها في بيروت من دون الضغط عليهم، وغادر بيروت من دون نتيجة. في 23 تموز رجع كوسران ليومين وطغت على لقاءاته معركة الانتخاب الفرعي في المتن الشمالي، في ظل سجال بين عون والرئيس السابق أمين الجميل الذي اتهمه بپ"تحريك السكين في الجرح". وكانت مساعي صفير لتجنيب المتن معركة انتخابية تقابل برفض عون، يفوز مرشح مدعوم من عون في 5 آب اغسطس بمقعد المتن، في حين ستمر انتخابات بيروت على مقعد النائب الشهيد وليد عيدو بشبه تزكية لپ"تيار المستقبل". في 27 تموز وصل كوشنير إلى بيروت للمرة الثانية بعدما فشل في تحقيق تقدم في زيارته الأولى، محاولاً دفع الأمور إلى الأمام لأن"هناك صراعات ومحاور وألعاباً شبيهة بالبوكر، لكنها قاتلة في لبنان". وتمكن من جمع مسؤولي الصف الأول إلى مائدة السفير برنار ايمييه في قصر الصنوبر، باستثناء بري والسنيورة ونصر الله الذين تمثلوا بمندوبين عنهم. وفي 29 تموز غادر كوشنير إلى القاهرة، عازياً فشله إلى"انعدام الثقة بين الأطراف اللبنانيين"، مع انطباع أكيد:"نعلم ان جزءاً كبيراً من مصير لبنان يتم تقريره في الدول المجاورة، لا سيما سورية وإيران". وتزامنت مغادرة كوشنير مع وصول وزير الخارجية الإسبانية ميغيل انخيل موراتينوس بعد محادثات مع نظيره السعودي في جدة. وعلى الوقع نفسه كانت تتسارع التطورات... في 11 آب خرج بري عن صمته ليعلن ان إقفال المجلس كان لمنع تمرير قوانين غير موقعة من رئيس الجمهورية. ودعا الحريري إلى"تغيير خططه لأنه قريباً لن يكون على وفاق مع السنيورة"، كما أكد انه لن يسمح بأن يتعطل الاستحقاق. وشدد لاحقاً، على أن"تكون حكومة الوحدة بداية حقيقية لإيجاد رئاسة الجمهورية وإيجاد توافق حتى قبل أن يتسلم الرئيس الحكم". وغادر السفير السعودي إلى الرياض لإطلاع المسؤولين على نتائج مساعيه. وفي 14 آب أعلن نصر الله أنه مع تسوية مدخلها حكومة الشراكة بعيداً من كل التفسيرات الخاطئة، مشيراً إلى مساع توفيقية يقوم بها بري. وفي ضوء إصرار المجتمع الدولي على ضرورة إجراء الاستحقاق الرئاسي في موعده، تفاقم احتدام المواقف بين المعارضة التي ظلت متمسكة بموقفها والأكثرية التي شهرت سلاح النصف زائداً واحداً، في حين أعلن البطريرك صفير أنه مع نصاب الثلثين. وهنا بدت إشارات الانفتاح الفرنسي على سورية واضحة، وأبدت دمشق ارتياحها إلى خطاب ساركوزي وفي 2 تشرين الثاني نوفمبر يحصل أرفع لقاء سوري - فرنسي منذ اغتيال الحريري، فيلتقي كوشنير نظيره السوري وليد المعلم في قبرص. وفي بداية أيلول سبتمبر طرح بري مبادرة من نقطتين تقضي الأولى بتخلي المعارضة عن حكومة الوحدة وتخلي الأكثرية عن نية الانتخاب بالنصف +1، والثانية بإطلاق بري حواراً مع البطريركية المارونية وأقطاب مؤتمر الحوار متعهداً التوصل إلى اتفاق. وبعد أيام أعلنت قوى 14 آذار رفضها المبادرة. ومع الانسداد في الأفق، اشتدت الأزمة وتلقى السفير السعودي تهديدات أمنية غادر إثرها في إجازة إلى الرياض، كان يقطعها كل فترة لاستئناف مساعيه. كما برزت سلسلة زيارات لم تفض إلى اتفاق منها لمساعدة وزيرة الخارجية الأميركية اليزابيث ديبل، ثم كوشنير ثم مساعد وزير الخارجية الروسي الكسندر سلطانوف وموفدين إسبانيين، ثم في وقت لاحق قبل انتهاء المهلة الدستورية وفد وزراء خارجية اسبانيا ميغيل انخيل موراتينوس وايطاليا ماسيمو داليما وكوشنير زاروا لبنان مرتين خلال أقل من شهرين، من دون إغفال الزيارات المتكررة لموسى والتي لم تؤد إلى إنهاء الأزمة. وكانت المهلة الدستورية بدأت في 25 أيلول بعد ستة أيام على اغتيال النائب انطوان غانم تاريخ الجلسة الأولى للمجلس بناء على دعوة بري، والتي لم تعقد بسبب عدم تأمين النصاب. وتأجلت الجلسات تباعاً 11 مرة خلال عام 2007، إذ حدد بري الجلسة الرقم 12 في 12 كانون الثاني 2008. وفي 11 تشرين الثاني أعاد خطاب نصر الله الأمور الى البداية، إذ تضمن خريطة طريق لاختيار الرئيس"تتجاوز مسألة المجاملات والتعارف وتبويس اللحى"، إلى"تحديد المسار السياسي العام في البلد والاتفاق عليه، بدءاً بتحديد مواصفات الرئيس والحكومة الجديدة وبيانها الوزاري بأبرز عناوينه والتعيينات من قائد الجيش وقادة جدد للمسؤوليات المركزية في المؤسسة العسكرية". وعاد كوشنير إلى بيروت بعد سورية، لتنفيذ آلية وضع صفير لائحة بمرشحين توافقيين يتم اختيار واحد منهم في المجلس، منتقداً الكلام التهديدي لنصر الله من دون أن يسميه. ووضع صفير لائحة بأسماء مرشحين تضم عون وبطرس حرب ونسيب لحود وميشال الخوري وميشال اده وروبير غانم، لم يتم الاتفاق على أي منهم. وفي 19 منه أعلن كوشنير في زيارته السابعة للبنان انسداد أفق الوصول إلى حل. عند انتصاف ليل 23/24 تشرين الثاني غادر لحود قصر بعبدا. وبعد نحو أسبوعين من الفراغ وبعد مؤتمر انابوليس في 27 تشرين الثاني بدأت الإشارات. أعلنت الأكثرية ترشيحها قائد الجيش العماد سليمان. إلا أن الخلاف عاد للبحث في آلية تعديل الدستور ولا يزال البحث جارياً وجلسات الانتخاب مؤجلة من أسبوع الى آخر ... وسدة فارغة تنتظر من يشغلها.