لم تنتشر، خلال موسم الصيف في الجزائر، جملة يتناقلها الشباب والصبايا في ما بينهم كجملة "ابك على الصحة يا الجايحة". ووجد التعبير الرائج انتشاراً غريباً تخطى حدود العاصمة خصوصاً أنه استخدم وسيلة تواصل وتبادل هي الهاتف الخلوي الذي لا يشترط أكثر من توفر تقنية"البلوتوث"أو"الأنفرا روج". وباختلاف المواسم تختلف الجمل المكررة في أوساط الشلل الشبابية، فتشيع مصطلحات وتسميات تفرغ الغضب حيناً وتعبر عما يجول في خاطرهم حيناً آخر. وقد تفضح جملهم العبث بالمطلق، وقد تعني قمة الغضب الذي يتربعون عليه، كما قد يخترعون كلمات تعني تبرمهم من كثير من أشياء تحيط بهم أو أن يشيروا إلى مشكلة أساسية تتربص بهم أو الى موضة راجت. وكانت"إبك على الصحة يا الجايحة"الجملة التي بقيت كالعلكة بين أفواه الشباب يتداولونها لأكثر من سبب ولأكثر من معنى. "لا شيء يستحق أن تبكي عليه في هذا العالم عدا الصحة"هذا هو، بالمختصر، ما تعنيه الجملة التي صارت موضة الموسم الصيفي هذه السنة. تجدها كردّ شبابي سريع على مواقف كثيرة ومختلفة، لا تمت بصلة لمعنى الجملة أحياناً لكنهم يقذفون بها لمجرد أنها تبعد عنهم الكثير من الحرج وتقربهم من هامش السهولة في التعامل مع الآخرين. فهي جملة تختصر الشرح والتفسير. فكثيراً ما يكرر الشباب في الجزائر أن الأمور معهم تسير على خير ما يرام فقط ليتجنبوا الخوض في تفاصيل أوضاعهم السيئة والمحبطة. لكن تلك الجملة قد تعني أيضاً في مرات أخرى أن الشخص لا يريد أن يكمل معك الحديث لأن لا شيء أهم من الصحة! "ابك على الصحة..."ليست جملة مستقلة وجدت من العدم، وإنما هي زبدة ما تمّ انتقاؤه من تسجيل كامل لمكالمة هاتفية دارت بين عثمان ولبنى. ففي تسجيل مفتعل تتصل الفتاة لتسأل إن كان المتحدث معها جمال. فيقول"ما نيش أنا بصح ما عليش"أي"لست هو ولكن لا بأس بي أيضاً". وهكذا تستمر المحادثة بين فتاة من المدينة وشاب يبدو من لهجته أنه ريفي إلى أن يرمي في خضم حديثه جملته الشهيرة. فهي حين تسأله مستغربة كيف تمنحني بطاقات تعبئة هاتفية مجاناً من دون سابق معرفة بيننا يرد عليها:"الدراهم حنا نجيبوهم ولا هما يجيبونا؟"أي نحن من يوفر المال قبل أن يصرخ أكثر قائلاً:"ياو ابك عالصحة يا الجايحة"! ياء النداء التي ترتبط بالكلمة"يا الجايحة"تكون أكثر من ضرورية للفت الانتباه، وتعني يا جاهلة أو يا غافلة! أما"جيل النورمال"فهي تسمية تعني جيل الشباب الجزائري. انتشرت منذ فترة غير قريبة لكنها لا تزال رائجة ومستعملة وتلاقي نجاحاً متواصلاً لأنها ببساطة تعبر عن واقع حال الشباب."نورمال"أو عادي بالفرنسية تعني أن الجيل الجديد لا يستغرب أمراً وكل شيء بالنسبة إليه"عادي". فالشباب يتقبلون أي تصرف مهما بدا غريباً، ضاربين عرض الحائط بكل القيم والسلوكيات السائدة. "عادي"هي الإجابة التي يجابهك بها أي شاب تتحدث معه عن موضوع قد يبدو لك أو لجيل سابق"خطيراً". يرد ببرود بكلمته الجافة ليوصل لك فكرة أن لا شيء مستغرباً في وقتنا الراهن. فقد صارت هذه الموجة البشرية الجديدة تمضي وفق ذهنية خاصة لا تعير كبير اهتمام للأمور، من منطلق أن المنظار الذي ترى من خلاله الأشياء صار يقزّم التفاصيل وبات كل شيء متوقعاً وممكن الحدوث. وهي الذهنية التي تجلب الهم لمن هم أكبر سنّاً، الخائفين من انتشار ظاهرة الاستهتار وانعدام حس المسؤولية وردود الفعل السلبية تجاه كل التصرفات. وهو الأمر الذي يجعل الطرف الثاني يرد ببرود مستفحل:"ياو ابك على الصحة يا..."!. إنه عَوْد على بدء فهل تكون تلك الجملة صرخة وعي بين الجزائريين بعد أن كان كل شيء عادياً ومقبولاً بالنسبة إليهم؟ وهل يعني اهتمامهم بالصحة درجة جديدة في سلم أولوياتهم المتناقضة أم أن الأمر لا يعدو في محصلته أن يكون مجرد تعليق عابر؟ بين الافتراضين القائمين ستبقى مثل هذه الجمل الرائجة المتنفس الوحيد ربما لضغوط مكبوتة وما أكثر مسبباتها في الجزائر.