"لا حرب تستحق تغطيتها الموت". يقول إيسن جوردن، المدير السابق لشبكة "سي أن أن" الإخبارية، الذي تحوّل، بعد 23 سنة من عمله في المؤسسة، إلى مجال توعية الاعلاميين في ساحات المعارك، تخليداً لذكرى زملاء له قضوا هناك، او محاولة للتكفير عن أخطاء ارتكبتها مؤسسات وأفراد وحتى دول، وانتهت بطريقة مأسوية. وتنهمك وسائل الإعلام في تغطية الأوضاع في المناطق المشتعلة، من العراق إلى الأراضي الفلسطينية ولبنان، ومن أفغانستان إلى دارفور، في وقت يفتقر فيه الصحافيون إلى توعية في سبل المحافظة على سلامتهم. من هنا تأسيس جوردن مؤسسة"بريديكت"التي تعنى بتغطية اخبار الحروب، وبتوعية الصحافيين إلى الإجراءات اللازمة لسلامتهم، وتحديداً في العراق الذي يحتل مكانة خاصة في قلبه، والمكان الذي قضى فيه أكبر عدد من الصحافيين. قصد جوردن بيروت وحاضر في دورة تدريبية للمراسلين الحربيين، عنوانها"تغطية الحروب وسلامة الصحافي"، نظمتها مديرة برنامج التدريب الصحافي في الجامعة الاميركية في بيروت ماجدة ابو فاضل. يقول:"سلامة الصحافيين مسألة مهمة، في المرحلة الراهنة، التي يتحول فيها الصحافي إلى هدف لكل من يملك روزنامة تعارض المؤسسة التي يعمل لديها الصحافي أو حتى جهة سياسية أو دينية ينتمي إليها. وعلى الصحافيين التنبه وحماية انفسهم لدى تغطية الحروب، وان يدركوا خطورة مهمتهم". لكن مسؤولية حماية الصحافي لا تقع عليه وحده، بل تشاركه المؤسسة التي ينتمي إليها، يقول جوردن:"على القيمين على المؤسسات الاعلامية ألا يتحاذقوا على مراسليهم وأن يؤمنوا لهم كل وسائل الحماية اللازمة". عن أهداف مؤسسته، يقول انها"مساندة وإعداد برامج السلامة لكل العاملين في وسائل الإعلام على المستويين العالمي والمحلي، وتشجيع الاتفاقات في خصوص الصحة والسلامة بين اصحاب العمل والموظفين، ونشر المعلومات من خلال التدريب العملي والتقارير الاستشارية والنشرات، وتأسيس شبكة عالمية من المنظمات الملتزمة الحد من الأخطار". أثناء زيارته الأخيرة إلى العراق في آذار مارس الماضي، وضع جوردن ريسن تقويماًً لوضع المؤسسات الإعلامية هناك، خلص منه إلى أن"الأسوأ حالاً هم صحافيو قناة"الحرة"، وهم عراقيون يتعرضون للموت يومياً بسبب مهنتهم"، معتبراً بقاءهم أحياء في ظل اجراءات الحماية المحدودة"ضرباً من ضروب الحظ". ويؤكد جوردن أن محطة تموّلها الدولة الأميركية"يجب أن تحصل على أفضل الحماية، وأعلى موازنة لتوفير ذلك"، مشيراً إلى أن مهمته"ليست التهويل أو تخويف الصحافيين، وانما ارشادهم إلى تغطية الحروب بطريقة ذكية لا غرائزية، بتواضع وواقعية". ويعتبر أن أذكى القرارات في أي حال"هو قرار عدم تغطية الحرب". تجدر الاشارة الى ان جوردن درب الاعلاميين في"سي ان ان"قبل الحرب، وجاءت النتيجة انه"من اصل 300 صحافي تطوعوا لتغطية الحرب مئة بدلوا رأيهم. اظنهم كانوا الأذكى". من ساراييفو إلى العراق وكان جوردن تنبه لمسألة سلامة الاعلاميين لدى تغطيته حرب ساراييفو في العام 1994، حيث استهدفت زميلة له مصوّرة فقدت جزءاً من فكها لكنها بقيت حية تعمل في مهنتها. يقول:"خسرت زملاء، وأظن ان مآسي يمكن التعلم منها، وأن دروساً نستخلصها من حالات النجاح لتجنب مآس كبيرة". ولفت الصحافي المخضرم إلى أن"لكل حرب خصوصيتها، وما ينطبق في معركة، لا ينطبق بالضرورة في أخرى. ويضيف:"أعمل عن كثب مع وسائل الاعلام ومع صحافيين يريدون النجاة من الخطر، احاول ان ابقي الناس آمنين. هذا أحد مشاريعي، لكنه الأقرب إليّ، لانني أقدمه حتى انسى موت زملاء وأخلد ذكراهم". وفي هذا الاطار، يقول:"خسرت في العراق زميلين في العام 2004 وآخر في العام 2005، ثم في الصومال خسرت اربعة موظفين في العام 2004"، ليحصي 10 قتلى من الزملاء في"سي أن أن"وحدها في عهده. وجوردن الذي أثار في 11 نيسان أبريل 2003 زوبعة عندما اعتبر أن"سي أن أن"علمت بانتهاكات حقوق الانسان في العراق في التسعينات، وقدمت هدايا لعائلة صدام حسين، في مقالة نشرتها له"نيويورك تايمز"، هو نفسه الذي أسيئت ترجمة تصريحاته عندما تحدث أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في كانون الثاني يناير 2005، عندما سئل ما اذا كان الجيش الأميركي استهدف"الجزيرة"عمداً. وجوردن هو من دخل في جدال مع الجزيرة، عندما أخذت المؤسسة القطرية أسئلة منه لمقابلة مشتركة مع أسامة بن لادن أجراها في حينه الصحافي المعتقل في إسبانيا تيسير علوني، ولم تبصر النور. إذ عمدت"الجزيرة"، بحسب تأكيد جوردن، إلى إخفاء الشريط ونفي حصول المقابلة في خطوة ردها الصحافي الأميركي إلى"تطرق بن لادن الى الحكم في قطر"، وانتهت باستعادة"سي أن أن"الشريط وعرضه"عبر قنوات غير رسمية". يقول:"تركت العمل في"سي ان ان"لاسباب عدة وبعد جدل كبير، والآن أنسق مع عسكريين لتحقيق هدف مشترك، وهو الابقاء على سلامة الاعلاميين". لكن وسائل إعلام كثيرة لا تتقبل النقد الذي يوجهه إليها جوردن عبر موقعه الالكتروني. يقول:"تنتقدهم لإصلاح خلل ما. بعضهم يتقبل الأمر يمرون وكثيرون يأخذون الانتقاد على نحو شخصي، فينتقدونك ولا يتقبلون النصح". ويذكر في هذا الإطار زيارة المذيعة الاعلى أجراً لدى محطة"سي بي اس"، كاتي كوريك العراق،"وهي أرملة وأم لطفلين ليس هناك من يعيلهما في حال أصابها سوء، ظهرت بملابس غير واقية فعلياً ومع عناصر من الجيش الأميركي بدوا أكثر تجهيزاً منها. أضف إلى ذلك افتقارها إلى أي خبرة في تغطية الحروب". ثمة نصائح عدة يقدمها جوردن للصحافيين في مناطق الحروب أبرزها:"لا تستخدم لغة عدائية واستفزازية في منطقة تزورها، بغض النظر عن رأيك الشخصي، خذ معك اينما ذهبت بطاقة هوية لنقاط العبور، دوّن فئة دمك في مكان ما في حال حصل طارئ، لا تلتقط صوراً لتسهيلات وقواعد عسكرية، ارتد دائماً سترة واقية وكلمة صحافة بارزة عليها، لا تذهب وحدك إلى مناطق تجهلها، وكن دائماً ضمن مجموعة او برفقة زملاء محليين"، لافتاً إلى أن"ما من قصة في العالم تستحق ان يموت صحافي من أجلها". ويضيف:"احتفظ دوماً بهاتف خليوي، شاحن، وبالمال وبأرقام، ارقام للاتصال بها في حال الطوارئ، عنوان الاتصال بسفارة بلادك، بطارية اضاءة، الخ"، كذلك"استمع الى الاذاعة المحلية، تأكد من ان المؤسسة التي تعمل بها واصدقاءك يعلمون بمكان وجودك". ولا بد للصحافي عندما يقصد ارض المعركة، من ان يتهيأ للسيناريو الأسوأ، ويضع في الحسبان أنه قد يمكث هناك طويلاً. يقول:"عليك ان تفكر في غيرك، في من تعيل إذا حصل سوء". يقول:"التأمين على الحياة والتأمين الصحي مهمان جداً، ولا بد من ان تكون العلاوة للصحافي لدى السفر الى اماكن الخطر أضعاف ما يقدم في الحالات العادية".