منذ عقود طويلة ونحن نسمع عن انطلاق لعبة كونية اسمها: سباق التسلح. انتهت كل السباقات والماراثونات، وعرف الجميع من الفائز ومن الخاسر، إلا أن سباق التسلح وحده لم يبلغ خط النهاية بعد، ولم نعرف من الفائز ومن الخاسر فيه! هل كُتب على البشر المساكين أن يكون سباق التسلح هو اللعبة الأبدية الوحيدة التي لا تحكمها قوانين ولا معايير، وأن لا أحد من جمهور المشاهدين يمكن أن يحدد تماماً خط بداية ذلك السباق بين مجموعة من الخطوط المتقاطعة! أما خط النهاية فلا صعوبة في تحديده لأنه لم يُرسم بعد! الحديث عن التسلح تتداخل فيه ثلاث نزعات: عسكرية وتجارية وإيديولوجية. الطموح العسكري يطارد الجنود المهووسين بالانتصار، والطموح الايديولوجي يطارد الشعوب المهووسة بالهوية، أما الطموح التجاري فهو مبتغى من سوى العسكر والشعب من تجار الحروب والسلاح. وذلك عبر ضمان استمرارية اندلاع الحروب، فالسلام هو العدو الأول لتجار السلاح وشركات تصنيع الأسلحة ووسطائها، إذ بالسلام سيكسب جميع أعضاء الكون وسيخسر تجار الأسلحة. نشرت منظمة العفو الدولية منتصف عام 2006 في تقرير لها بعنوان"سلاح بلا حدود"، أنه في عام 2006 ستصل المصروفات العالمية على السلاح الى حوالي 1058.9 مليار دولار، وهي أكثر ب15 مرة من مصروفات المساعدات الإنسانية في العالم، أي كأننا كلما أنقذنا إنساناً واحداً بموازنة الإغاثة، قتلنا في الوقت نفسه 15 إنساناً بموازنة التسلح! وبقراءة أخرى للأرقام - من مصدر مشاكس آخر- فإن مقابل كل دولار ينفق على مساعدات التنمية، تنفق 10 دولارات على الموازنات العسكرية. المضحك - أو المبكي في آن - عند الحديث عن سباق التسلح في هذا العالم المسلّح أن 88في المئة من تجارة السلاح في العالم تصدر من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن - أكرر: مجلس الأمن! - أميركا وروسيا وبريطانيا والصين وفرنسا. أفلا يحق لنا بعد ذلك أن ننساق وراء الجموع الشعبية التي تسمي مجلس الأمن: مجلس الخوف؟! وما دام أننا قد انسقنا إلى الحديث الشعبي فمن المناسب الإشارة هنا إلى مقارنة نشرت في أحد منتديات الانترنت بين نوعين من التجار على وجه الأرض، يقومان بمهمة واحدة هي تدمير الحياة الإنسانية، إنهما: تجار المخدرات وتجار السلاح. تتم مقارنة طريفة هنا بين التعامل مع التاجرين، فتجار المخدرات تلاحقهم سلطات الدول وكل أجهزة الشرطة والأمن ويقتادون إلى السجون وإلى الإعدام أحياناً، هذا بعد التشهير بهم وتصنيفهم في حضيض المجتمع الإنساني. بالمقابل فإن تجار الأسلحة تستقبلهم أعلى السلطات في الدول، وتحتفي بهم على أعلى المستويات طمعا في تيسير التفاوض معهم لتحقيق الصفقة المأمولة. وفي ختام المقارنة الطريفة يتساءل التقرير سؤالا مشروعاً: كم عدد ضحايا عصابات المخدرات، وكم عدد ضحايا عصابات الأسلحة؟ الذي لم يشر إليه التقرير الآنف الذكر في مقارنته تلك هو أن ضحايا المخدرات قد غرّر بهم بالفعل، لكنهم في النهاية قتلوا أنفسهم بأيديهم. أما قتلى الأسلحة فهم ضحايا تقبع في مساكنها مع أسرها في هدوء واستسلام حتى تنزل عليهم قذيفة تدمر حياتهم من دون أن تقول لهم لماذا ماتوا! السؤال الأسخف في حديث التسلح هذا هو هل أعضاء مجلس"الأمن"الخمسة الدائمون يبيعون 88 في المئة من سلاح العالم من أجل إخماد الحروب أم من أجل إشعالها؟ عندما وقّعت باريس مع إحدى العواصم العربية عقودا كبيرة بملايين اليورو لبيع أسلحة ولوازمها، تساءل الرئيس ساركوزي في وجه منتقديه:"ماذا ستأخذون عليّ؟ انني أجد عملا للشركات الفرنسية"! ويعلق على حديث ساركوزي الكاتب الفرنسي موريس لوموان في"لوموند ديبلوماتيك"في ايلول سبتمبر 2007: إنها تجارة الموت إذن. إذ ستبيع فرنسا للخارج أسلحة بأكثر من ستة مليارات يورو في عام 2007، مقابل 3.38 مليار يورو عام 2003، بحسب تصريح أدلى به الناطق باسم البعثة العامة للتسلح في فرنسا. الولاياتالمتحدة الأميركية من جانبها توزع بسخاء - غير مجاني- مختلف أنواع الأسلحة على دول الشرق الأوسط. هي لا تتوانى أبدا أو تتخاذل أو تتأخر في بيع السلاح لكل من يرغبه من دول المنطقة الأكثر اشتعالا في العالم، لكن الولاياتالمتحدة نفسها لا تنسى أبداً وهي تقدم السلاح بيد إلى دولة عربية أن تقدم سلاحاً مضاداً له باليد الأخرى لإسرائيل. الأسلحة الأميركية المكافئة تصل إسرائيل قبل أن يتم تصدير الأسلحة الأميركية المتعاقد عليها إلى الدول العربية. إنها تسلح الدول العربية صباحاً ضد دولة تم تسليحها ليلاً. إنها تجارة الموت حقا! بوسعنا إيراد حكايات مأسوية وانتهازية أخرى مخيفة من سجل دول"الأمن"الأخرى: روسيا والصين وبريطانيا، تبرهن أيّ نوع من الأمن للبشرية تقدمه الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، من خلال لعبة سباق التسلح. التساؤل الأكثر تعقيدا في هذه الجدلية: من هو طاقم التحكيم في سباق التسلح هذا؟ هل هم العسكر أم الساسة؟ أم التجار؟ إنه السباق الوحيد الذي خط نهايته: الموت. * كاتب سعودي