بعد ثماني سنوات من توحيد العملة، تختلف آراء الزعماء الأوروبيين اليوم حول الارتفاع المستمر لليورو، الذي سجل رقماً قياسياً أمام الدولار وصل إلى 1.3844 في الأسواق الأوروبية في تموز يوليو الماضي. وتوقع المحللون استمرار هذا الارتفاع لأن منطقة اليورو لا تزال تسجل نمواً عالياً ولأن المصرف الأوروبي المركزي أعلن زيادة جديدة في أسعار الفوائد. لكن المسؤولين الفرنسيين انفردوا في اعتراضهم وطالبوا بخفض اليورو بحجة أن المستوى الحالي للعملة لا يتناسب والنشاط الاقتصادي لأوروبا. وطالب سكرتير الدولة الفرنسية للشؤون الأوروبية، جان بيير جوييه،"بتزويد السلطة السياسية بالأدوات اللازمة للتأثير على نسبة الفوائد الأوروبية"، ما يمس باستقلالية المصرف المركزي الأوروبي. وتبين هذه التصريحات، المدعومة من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، عادة الفرنسيين في إدارة السياسة المالية بأنفسهم. في المقابل، يلتزم بقية القادة الأوروبيين الصمت، لكن استمرار ارتفاع اليورو قد يؤدي إلى تعميم حالة عدم الرضى الفرنسية على كل الدول الأخرى. وبحسب مجموعة آراء ساقتها الأسبوعية الفرنسية Courier international فإن ألمانيا وغيرها من دول أوروبا تتأثر بالعملة القوية في شكل أقل بعدما رفعت إنتاجيتها وقلّصت تكاليفها للمحافظة على المنافسة في التصدير. وارتفعت إنتاجية العمل في ألمانيا 2.2 في المئة السنة الماضية وفقاً لمنظمة التجارة والتنمية الاقتصادية. بينما سجلت فرنسا خفضاً يقدر بپ1.2 في المئة، ولم تتخط إيطاليا وإسبانيا الواحد في المئة. في ميونيخ، تستخف شركة"هاو"، صانعة مضخات وصمامات المنشآت المائية، بارتفاع اليورو المستمر. فالطلب العالمي على منتجاتها آخذٌ في الازدياد ومكننة الشركة خفضت التكاليف. وعلى رغم انها حضرت موازنتها لعام 2007 وفقاً لسعر صرف يعادل 1.34 دولار لليورو وان انخفاض العملة الخضراء قلل من قيمة أرباحها في التصدير إلى الولاياتالمتحدة لم يمنعها ذلك من الاتكال على أرباح مهمة مصدرها أميركي. وفي هذا الإطار، صرّح المدير العام للشركة، كارل هاوسغن، بأن"سعر صرف الدولار هو آخر اهتماماتنا. اليوم، تنحصر أولوياتنا بالالتزام بمواعيد التسليم والدقة في التسليم والإنتاجية". وتحافظ ألمانيا على حيويتها بسبب معدل التضخم المنخفض مقارنة به في منطقة اليورو ما يجعلها متمكنة من السيطرة على تكاليفها بعكس فرنساوإيطاليا حيث يدفع التضخم، الشركات إلى رفع أسعار صادراتها. كذلك وجه الكثير من الشركات الألمانية صناعته نحو قطاعات أقل تأثراً بتقلبات الأسعار، بينما لا يزال الكثير من دول جنوب أوروبا عالقاً في قطاعات كالنسيج، ما يدفع هذه الدول إلى التخلي عن حصصها في السوق العالمية لمصلحة منافسيها من الدول الصاعدة. ويواجه الإقتصاد الأوروبي مشاكل أخرى إذ تجد شركات أوروبية كثيرة أسواقاً لها في دول مزدهرة في أوروبا الشرقية. وعلى رغم معدل التصدير الأوروبي المرتفع إلى الولاياتالمتحدة معدات النقل والمنتجات الكيماوية لا تزال المملكة المتحدة الشريك التجاري الأول لها. وفي أيار مايو الماضي، سجلت دول الاتحاد الأوروبي الثلاث عشرة فائضاً تجارياً مقارنة بالعجز التجاري في الفترة ذاتها من السنة الماضية، ما يبرهن قدرة هذه الدول، في تكتلها الأوروبي، على تحمّل العملة القوية ويفسر أيضاً تفاؤل المسؤولين في المصرف المركزي الأوروبي. لكن بعض الشركات الفرنسية المهمة كپ"آرباص"وپ"لوريال"تأثر سلباً بهذه الحال ما دفع الرئيس الفرنسي ساركوزي إلى مطالبة القادة الأوروبيين بضرورة العمل على تقوية دورهم في السياسة المالية الأوروبية. وأعلنت"لوريال"الفرنسية أن مبيعاتها في الفصل الثاني من السنة بدأت بالتراجع بسبب ارتفاع اليورو، وأنها تقوم بتصنيع الكثير من منتجاتها في الخارج الهند من أجل تلبية الطلب المحلي، إلا أن معظم منتجاتها الفخمة تُصَنّع في أوروبا. وفي دول الجنوب، تعتمد الشركات على استيراد المنتجات الأقل كلفة، باليورو وتسجل أرباحاً عالية بسبب العملة القوية. وفي إيطاليا، تصنع شركة"إيكرو كوتنغز"طلاء صناعياً للخشب والأثاث والبلاستيك. ووصلت أرباحها إلى 45 مليون دولار السنة الماضية بسبب اعتمادها على مواد أولية بترولية تسعَّر بالعملة الأميركية ما يجعل ارتفاع اليورو لمصلحتها. وحتى اليوم، فقد الدولار 4.5 في المئة من قيمته مقابل اليورو و4 في المئة مقابل الجنيه الإسترليني. واحتمال تعرّض الاقتصاد الأميركي إلى ضربة بسبب أزمة سوق قروض العقارات يشدّ الخناق أكثر على العملة الخضراء. كذلك، تتجه الاقتصادات العالمية الرئيسة ? ما عدا الولاياتالمتحدة ? إلى رفع أسعار الفائدة ما يضرّ الدولار ويرفع إيرادات العملات المنافسة ويجعلها أكثر جاذبية.