خلافاً للتخوف الفرنسي المتزايد والقلق الذي يظهره عدد غير قليل من رجال الأعمال الألمان من انعكاسات سلبية يفرزها ارتفاع سعر اليورو، تتعامل الحكومة الألمانية ومجموعة من الخبراء الماليين بهدوء أعصاب مع المسألة وتحذر من تضخيم المخاوف كما تعارض مطالبة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بممارسة الضغط على المصرف الأوروبي المركزي لتخفيض قيمة اليورو إزاء العملات الأخرى، خصوصاً الدولار. وفي هذا الإطار حذر اتحاد المصارف الخاصة الألمانية بشدة من استغلال التبدلات الحاصلة في أسعار العملات لممارسة ضغط مالي - سياسي على المصرف الأوروبي. وبقي سعر اليورو عالياً لفترة طويلة متراوحاً بين 1.37 و 1.39 دولار علماً أن المصرف كان سعّر اليورو يوم إطلاقه في عام 0002 ب 1.18 دولار، لكن اليورو سرعان ما انخفض إزاء الدولار على مدى سنتين إلى 0.70 قبل أن يعاود ارتفاعه قبل ثلاث سنوات ليتجاوز بسرعة السعر المحدد له. وبعد الهزة القوية التي شهدتها سوق الرهن العقاري في الولاياتالمتحدة الأسبوع الماضي وطاولت تأثيراتها أوروبا فأصابت بنوكاً ألمانية وفرنسية كبيرة تحديداً، وبعد ضخ مصارف مركزية عدة في العالم سيولة بمئات بلايين الدولار تراجع سعر اليورو أول من أمس إلى 1.36 للدولار، أي إلى ما كان عليه قبل أربعة أشهر. لكن الاقتصادي الألماني أنطون برنر قال أمس إنه لا يعتقد بأن اليورو سيفقد على المدى البعيد المزيد من قيمته وأن ترتفع قيمة الدولار في المقابل. وأضاف أنه يعتقد بأن سعر اليورو سيتراوح بين 1.325 و 1.37 للدولار حتى آخر السنة الحالية، أي قريباً من رقمه القياسي الذي سجله أخيراً وبلغ 1.3852 للدولار. وترفض الحكومة الألمانية بحزم التدخل في استقلالية عمل قيادة المصرف الأوروبي المركزي وترى أن على الدول المعنية العمل على تحسين أدائها الاقتصادي بدل اللجوء إلى أسلوب الضغط. وإضافة إلى المستشارة أنغيلا مركل التي رفضت بحزم تخفيض قيمة اليورو في رد غير مباشر على ساركوزي، وأكدت أنها لن تسمح بذلك علّق وزير المال الألماني بيير شتاينبروك على الأمر بالقول إن الاقتصاد الألماني"دعّم في السنوات الأخيرة بصورة ملموسة قدرته التنافسية، ما جعله يتأثر بصورة أقل من الماضي بالتبدلات التي تحصل في أسواق البورصة". وأضاف أن صادرات ألمانيا إلى أوروبا، خصوصاً إلى دول منطقة اليورو، تشكل ثلثي صادراتها إلى الخارج، ما يقلل من تأثرها بارتفاع سعره. وعلى رغم أن وزير الاقتصاد الألماني ميشائيل غلوز أعرب"عن القلق من بقاء اليورو مرتفعاً إلى هذا الحد إلى أمد غير معروف"أكد في المقابل أنه غير قلق حالياً ولفت إلى وجود وجهين لهذه العملة: فمن ناحية يسبب ارتفاع اليورو قلقاً لدى مسؤولي صناعة الطيران في البلاد على سبيل المثال، ومن ناحية أخرى تستفيد ألمانيا المستوردة للنفط والغاز من انخفاض سعر الدولار. وأعرب رئيس معهد البحوث الاقتصادية في برلين DIW كلاوس تسيمرمان عن عدم تخوفه من أي تأثيرات سلبية على انتعاش الاقتصاد الألماني بسبب غلاء سعر اليورو خارجياً، مؤكداً أنه"لن يسبب مشكلة للشركات الألمانية طالما أن ارتفاعه يترافق مع استمرار الانتعاش الاقتصادي القوي في العالم". ورأى أن الإيجابية هنا"تتمثل في أن الانتعاش العالمي يزيد الدخل ويرفع قدرة المستهلكين في الخارج على الشراء، ما يخفف من عبء ارتفاع سعر اليورو". ومع ذلك وضع خبراء واقتصاديون سقفاً يعتقدون بأن على اليورو ألا يتجاوزه. وصرح رئيس اتحاد الصناعيين الألمان يورغن ترومان أخيراً أن قلقه يبدأ عندما يصل سعر اليورو إلى 1.40 دولار أو يتجاوزه. وجاءت بيانات الصادرات الألمانية عن النصف الأول من السنة الحالية التي أعلنها المكتب الاتحادي للإحصاء في فيسبادن أول من أمس لتؤكد أن ارتفاع سعر اليورو لم يؤثر إطلاقاً بعد في حركة الاقتصاد الألماني. فقد زادت الصادرات بنسبة 11.2 في المئة عن النصف الأول من العام السابق وبقيمة مقدارها 478.5 بليون يورو فيما بلغت قيمة الواردات الألمانية 380.9 بليون يورو بزيادة 7.6 في المئة عن الفترة المماثلة من السنة الماضية. وبلغ الفائض التجاري 97.6 بليون يورو لمصلحة ألمانيا.