في محاولة لإنقاذ هوية عمّان من براثن المارد الإسمنتي، أطلقت أمانة العاصمة الأردنية مشروعاً لإعادة إحياء شارع"الرينبو"وإخراجه بحلّة جديدة تحفظ ذاكرة المكان. فالفورة العمرانية التي تشهدها العاصمة تكاد تلتهم تاريخها المختزن في إرثها الحضاري والمعماري لتتركها مدينة بلا روح. بيد أن أمانة عمّان صاحبة الولاية على العاصمة تنبهت لذلك الخطر ووضعت خطة شاملة تحمي ذاكرتها المكانية. كبرت عمان كثيراً منذ كان شارع الرينبو، المعروف في وثائق الأمانة باسم شارع أبو بكر الصديق، معلماً في مدينة الجبال السبعة، حتى كادت تفقد بوصلتها. فلم يعد لها مركز بل صارت طاردة للمشاة والمصطافين إلى مناطق أكثر حداثة تنحصر في مثلث الثراء العماني ورؤوسه الشميساني وشارع المطار وعبدون. لكن الحنين إلى الأماكن البكر هز العمّانيين ودفع بهم إلى إعادة توطيد علاقة النشء الجديد بها من خلال إعادة رسم مشهد عمّاني متكامل يروي قصة دولة. وليس الحفاظ على وجه عمان الحضري وحده محرك الصحوة بل قلة الفراغات الترفيهية الخضراء التي تخفف من علل المدنية وضجيجها. سيما أنها ظلت غائبة عن ذهن مخططي المدينة عقوداً أعطوا إبانها الأولوية للسيارة والحجر. ومنذ مطلع الشهر الجاري أطلقت الأمانة المرحلة الأولى من مشروع إعادة تأهيل شارع أبو بكر الصديق"الرينبو"بكلفة إجمالية تقدر بنحو مليوني دولار ضمن خطة شاملة تجعل عمان مقصداً سياحياً يجمع بين العملية وجمالية المكان. وينشئ المشروع، الذي ينفذ على ثلاث مراحل للحيلولة دون إغلاق الشارع كلياً، أربع بؤر حضارية على امتداد الشارع"الأولى عند مدخله حيث ستستقبل الزائر لافتات كبيرة تحمل شعار الشارع فضلاً عن معلومات تاريخية حوله. والثانية بمحاذاة سينما الرينبو، التي استقى الشارع اسمه الدارج منها، وهناك سترفع شاشة عرض كبيرة فوق سطح مبنى السينما لعرض أفلام عن عقد الستينيات وما قبله. أما البؤرة الثالثة فكشك صغير قرب مدرسة أروى بنت الحارث تقتصر مبيعاته على الكتب والقرطاسية، وسيخفض السور لتتمتع عين الزائر بالفن المعماري للمدرسة التي أسست قبل نحو نصف قرن. وفي البؤرة الرابعة سيقام متحف على انحناءة نزول سرفيس جبل عمان وسط الأشجار في منزل استملكته الأمانة وتعرض فيه جداريات ولوحات تراثية إضافة إلى جلسات في المنزل ذاته تطل على وسط المدينة. وسيوفر المشروع، الذي يستغرق تنفيذه ثمانية أشهر، للعمانيين فرصة ذهبية لممارسة هواية المشي على أرصفة واسعة تحاذي شوارع مبلطة بحجارة بازلتية تخفف من سرعة المركبات الداخلة إليه بعد أن أعاقت صعوبة إيجاد"حلول مرورية ناجعة"جعله شارعاً للمشاة فقط فارتضت الأمانة جعله"شارعاً صديقاً للمشاة". وينطوي المشروع كذلك على إعادة تنظيم واجهات المحلات التجارية ووضع هرم هندسي يعكس ألوان قوس قزح في الحديقة العامة هناك. ولن تظل فوضى اللوحات الإعلانية مستشرية في شارع الرينبو الذي يبلغ طوله نحو كيلو متر واحد إذ ستعمل الأمانة على تنظيمها بطريقة تنسجم مع روح المكان وعراقته. وعلى رغم حداثة سن عمان مقارنة بمدن عريقة كدمشق والقدس بيد أنهاتحظى ببدايات تاريخية متنوعة للمدينة التي سكنها العمّانيون فكانت ملجأً لتجار يبحثون عن فرص جديدة ولثوار عرب أسسوا فيها نواة الإمارة. وسيحمي المشروع الخصوصية العمرانية لمباني الشارع وسيحول دون تشويهها بنماذج عمرانية دخيلة تؤرق انسجام مشهدية الشارع. فضلاً عن أنه سيحول دون إضافة مبان حديثة إليه. تماشياً مع قانون التراث العمراني الساري المفعول، الذي ينص على حماية المباني الأثرية من خلال عدم السماح بإجراء أي تغيير عليها إلا بموافقة لجان مختصة. ويبدو أن العمانيين ماضون في حماية ملامح عمان الأثرية حيث سيطال مشروع الترميم ثمانية فراغات منها ثلاثة مطلة مميزة تمزج بين الحياة في الشارع والإطلالة المميزة على جبلي اللويبدة والقلعة. ومن البؤر الحضرية قيد التطوير الإطلالة على جبل القلعة وفراغ مخصص للمشروبات والحلويات العربية التقليدية، وفراغ متحف بيت الملك طلال التاريخي للحرف والثقافة المحلية، نهاية بالفراغ الحضري لمنطقة شارع خرفان التراثي.