الأماكن التي اعتاد أحمد الجمّال (26 سنة) قضاء عطلة نهاية الإسبوع فيها أصبحت من الماضي. فصخب المدينة واكتظاظ مقاهيها يشابهان الى حد ما أجواء العمل بدءاً من ضجيج رنين الهواتف الذي لا يهدأ وانتهاء بسيل الاستفسارات التي لا تنتهي إلا بإرضاء الزبائن. وما ان تقارب الساعة موعد انتهاء دوامه في أحد المصارف الخاصة في عمان، معلنة عطلة نهاية الأسبوع حتى يسارع أحمد لتوضيب حاجاته مودعاً ضجراً تملّكه طيلة أسبوع العمل. يستقل أحمد سيارته ويعرّج على رفاقة بعد أن يجري بضعة اتصالات هاتفية ثم يسلك الطرقات الخارجية باتجاه سفوح الجبال المحيطة بالعاصمة الأردنية. سكون الطبيعة والاستمتاع بمشهد الغروب والهدوء المسائي بدلاً من الصخب والتلوث، هي ما ينشده أحمد للخروج من روتين أيام العمل. يوقف سيارته جانباً، ويهمّ بالجلوس مقابل إطلالة مشرفة على مشهد بانورامي يبدأ مع ساعات الغروب ويستمر حتى بزوغ الفجر. ما يُعرف بالإطلالات وهي الامكنة المرتفعة والمطلة، أصبحت مقصداً للكثير من الشباب والعائلات في الأردن خصوصاً في أشهر الصيف. وتوفر تلك الاماكن فسحة بعيدة من المقاهي المزدحمة بنوع آخر من الشباب وهم الطلاب الجامعيون الذين يبحثون عن امتداد لصخب الحياة الجامعية ومقاهيها. وتتسابق السيارات الى احتلال مواقع مميزة على إطلالات باتت معروفة للجميع، ومنها إطلالة شارع الأردن وأخرى في منطقة عبدون ترتادها العائلات أو في بعض الأحيان الأزواج العشاق الباحثون عن بعض الخصوصية حيث لا متطفلين على أحاديثهم ولا نظرات تتلصص على جلساتهم. يقول رائد البسومي (30 عاماً) الذي يصطحب عائلته في نهاية الأسبوع الى إطلالة شارع الاردن: «استمتع بمشاهدة الشمس وهي تنحدر في الأفق، حتى تغيب». ويفترش البسومي وعائلته الأرض ويستمعون الى الموسيقى، ويشترون المشروبات الساخنة التي باتت توفرها الأكشاك المنتشرة على طول الطريق، علماً أنهم باتوا يحضرون معهم «مونة السهرة». وفي حسبة يجدها مجدية، يعتقد البسومي أن «ارتياد الإطلالات لا يحتاج الى اقتطاع جزء من الراتب، فغلاء المعيشة وارتفاع الأسعار في المطاعم السياحية جعلا الإطلالات ملاذاً لمن تواضع دخله الشهري». وفي وسط المدينة لا تختلف الإطلالة من شارع الرينبو كثيراً عن تلك التي تقع على الطرق الخا رجية، حيث تنكسر هناك رتابة العمارات الشاهقة وتختفي الحجارة البيضاء لتحل مكانها أخرى بازلتية سوداء استحدثتها أمانة عمان لتعيد الى الشارع عراقته. ويتحدث بلال مهيرات (22 عاماً) عن جمالية الشارع قائلاً: «في مطاعمه ومقاهيه نقضي أمسيتنا ونلتقي الاصدقاء، خصوصاً أن الشارع بات يجتذب السياح أيضاً». ويضيف: «بعد نحو سنة على تحديث الشارع أصبح الآن من أكثر الشوارع إثارة في العاصمة، وهو يمتد على مسافة 900 متر من الدوار الأول حتى تقاطع شارع خرفان، وأكثر ما يستهوي رواده الاطلالة الخلابة على وسط البلد وجبل القلعة واللويبدة». ويشير بلال الى أن «بعض رواد الشارع يكتفون بالسير في أزقته، فيما آخرون يعرجون على محال التحف التراثية أو يجلسون في المقاهي».