تنطلق موسيقى هادئة. تسكن النساء. عشرة منهن احتللن أرض الغرفة. هدوء. تنساب أيديهن في الفضاء بعيداً من أجسادهن، وعيونهن شاخصة في السقف... قليلاً، ويرحلن في الشرود. هي نزهة تأمّل قصيرة، لكنها تجلب السكينة إلى النفس والانسجام مع ما يحيط بالإنسان، بنحو ساعة من الزمن. وهي أيضاً رياضة معروفة منذ آلاف السنين، رياضة"اليوغا"منتشرة في العالم، وأخذت تشكل جزءاً من برامج المراكز الرياضية في القاهرة. ولا مجال في هذه العجالة لشرح تقنياتها البسيطة التي تنتشل ممارسها من الإجهاد وتعيد التوازن في عصر السرعة والتوتر والهموم. وليد، مدرّب يوغا في أحد النوادي، يلفت إلى تزايد الوعي بأهمية هذه الرياضة في مصر ومنافعها،"ولم تكن في السابق تثير اهتماماً عاماً". لكن ممارسيها الجدد في مصر يتلمّسون نتائجها، الرشاقة الجسدية والراحة النفسية، أكثر مما يغوصون في أعماق"فلسفتها". مها 43 سنة أم لثلاثة أبناء، و"يوغيّة"مواظبة، تفضّل اليوغا على الأروبيكس ورياضات أخرى، لأنها تصل إلى الراحة التي تبتغيها من غير طريق العنف،"وأشعر بأنها تحسّن أسلوب عيشي اليومي". وتثني عليها صديقتها سوسن التي تعود إلى بيتها بعد جلسة اليوغا، محملة بجرعات جديدة من الطاقة والنشاط،"تخلّصني من منغّصات النهار وسمومه". وتعترف الصديقتان، من دون حرج أو خجل، بجهلهما باليوغا ومنشئها. سمعتا عن هذه الرياضة من"الشلة"فالتحقتا بصفوفها. وتبرران جهلهما بأنه أمر طبيعي،"لأن اليوغا شيء جديد في مصر وليست منتشرة بكثرة". ومثلهما ياسمين 21 سنة، طالبة جامعية، سمعت كثيراً عن اليوغا، وعلى رغم عدم اقتناعها تماماً بها، أصبحت مواظبة ومثابرة، بعد أن رأت فائدتها ولمست نتائجها، إذ اكتسبت قواماً جميلاً. جلسة يوغا واحدة تستهلك طاقة تساوي ما يستهلكه لاعب في مباراة كرة قدم، كما تقول غير دراسة في هذا المجال. وتجمع الدراسات ذاتها على ان هذه الرياضة تحمي من زيادة الوزن، وتمارينها تساعد على استرخاء العضلات وصفاء العقل، وبفضل عملية تنفّس بطيئة وعميقة، يحصل الدم على المزيد من الأوكسجين، ما يبعث الحيوية في خلايا الجسم. واللافت أن معظم ممارسي اليوغا في مصر من الإناث، بل تكاد هذه الرياضة ان تقتصر عليهن، من دون الذكور، ربما لاهتمامهن المفرط بالرشاقة والجمال. ويعزو مدرب اليوغا، وليد طه، الذي درسها في الصين واليابان والتحق بدورات في تايلاند، السبب إلى أن الشبّان يفضلون رياضة القوة والسرعة، كالأثقال والركض، على الرياضة الناعمة والهادئة التي لا"تنفخ"عضلاتهم مثلما تفعل الأولى. فالعضلات هي رمز الرجولة بالنسبة إلى أيمن 25 سنة مندوب مبيعات، الذي يمارس رياضات مختلفة منذ سنوات. وهو لا يبدي أي اهتمام باليوغا، التي يعتبرها حركات بهلوانية لا طائل منها،"تلائم السيدات فقط"، كما يقول. ورأي أيمن يمثّل آراء شبّان كثيرين في رياضة التأمل. ويخالفهم خالد 22 سنة الذي يمارس اليوغا. ويقرّ بأنه كان يخجل في البداية من حضور صف اليوغا، لاعتقاده بأنها للسيدات. ولكنه غيّر رأيه حين واظب على ممارستها، ووجدها مختلفة ومفيدة:"في نهاية كل تمرين أشعر كأني أولد من جديد". وهو الأمر الذي يؤكده المدرّب طه، فاليوغا"تتميز عن سائر أنواع الرياضة بأنها تمد الجسد بالطاقة والتجدد لأنها تعتمد على إقامة التوازن بين الجهد العقلي والجهد الجسدي، على عكس الرياضات الأخرى التي تشعر بعد دقائق من ممارستها بالتعب لأنها تتطلب مجهوداً جسدياً فقط". وبين التوازن واللاتوازن يبقى التناقض عالقاً بين سادة المجتمع المصري الرياضيين التقليديين، وسيداته"اليوغيّات"اللواتي يفرّغن شحنات الغضب ويبحثن عن الهدوء والصفاء عبر رياضة"التأمّل"التي تعتبرها كثيرات"صرعة"جديدة في مصر، تساعدهن على التباهي.