لا يمكن عند التوقف امام الكلام الذي قاله المفكر والفيلسوف الايراني المقيم في كندا رامين جهانبكلو عن الدعوة الى اتباع خط ثالث في الفكر والفلسفة والسياسية يعتمد على النهج الغاندي أسلوب المقاومة الشعبية الذي اعتمدها المهاتما غاندي في الهند في حرب التحرير لاحداث التغيير في ايران، الا ان يراقب الكثير من المتغيرات التي تحدث في المجتمع الايراني. من هنا يمكن مقاربة اهداف وابعاد تأسيس الجمعية الايرانية لليوغا وأبعادها. واذا كان الكثيرون ينظرون الى "اليوغا" على انها نوع من انواع الرياضة الجسدية تقوم على زيادة حس التركيز في ذهن او حركات ممارسها، الا ان المسألة تختلف اذا ما نظرنا الى اليوغا في داخل المجتمع الايراني، الذي لا يعتبرها فقط مجرد رياضة، بل ارثاً ونمطاً ثقافياً غنياً يتضمن اساليب للتفكير والاعتقادات والتعاطي الفردي والاجتماعي. وهذه الرؤية تؤكد اهمية اختيار اليوغا ضمن شروط محافظة ومصلحية يمكن تحديدها بثلاث خصائص، تتوافق مع مختلف الثقافات ايضاً. 1 - الاصالة: أي التأكيد ان اليوغا هي انتاج مشترك بين الثقافتين الهنديةوالايرانية والشعوب الارية، واهمال ما لحقها من تأثيرات الثقافة الغربية. 2 - التطبيق: بمعنى انها اسلوب لتنمية الذهن والجسم من دون ان تؤثر في الاعتقادات الدينية والفلسفية وغيرها. 3 - العلمية: بعض مذاهب اليوغا القديمة اختلط بالخرافات والانحرافات، لذلك يجب اعتماد العلم في الالتزام بها، أي ما يفيد في تنمية الروح والذهن والجسد، من طريق هاتا يوغا - النظام الغذائي أو راجا يوغا - التمركز وتنمية الذهن. انطلاقاً من هذا، فإن القيمين على مدرسة اليوغا الايرانية، يعتبرون ان بالامكان انتاج مدرسة ايرانية خاصة في اليوغا بعيداً عن تلك المتأثرة بالمذاهب الهندوسية او الهندية، او التي تتعارض مع السنن والثقافة والاعتقادات والقوانين الدينية لدى الايرانيين. وهذا لا يساعد فقط على الوقوف بوجه الهجوم الثقافي، بل يساعد أيضاً على بلورة الاسلوب الايراني الخاص في اليوغا ليترك اثره في الشعوب الأخرى. ولتسويغ هذه المعتقدات، يسعى البعض من ممارسي اليوغا الى التأكيد ان هذه الفلسفة شرقية المنشأ تطمح الى تعليم الإنسان اساليب العيش السليم انطلاقاً من العرفانية او التصوف العميق والتطابق مع اسرار العالم والكون للوصول الى طريق السعادة. وهي الفلسفة التي تولى وضع اسسها ونشرها بين الناس واستمرارها لدى الاجيال، في الشرق وخصوصاً في الهندوايران، منذ آلاف السنوات متصوفة وعلماء كبار، وهنا يمكن الاشارة الى الاثر الكبير الذي تركته ابيات اوبانيشاد البالغة نحو 80.000 بيت وفي الفكر العرفاني والوصفي والمعتقدات المعنوية للمفكرين الآريين وكذلك في العرفان الايراني بعد الدخول في الاسلام من امثال جلال الدين الرومي وحافظ شيرازي والخيام والحلاج، كما يرى اتباع هذه الطائفة. ويقولون ان العرفان الاسلامي وتعاليمه امتزجت بالعرفان الشرقي ومذهب اليوغ وانتقل من طريق الحكم والمواعظ الى عامة الناس، وان ما جاء في كل من ال"بهاغوادكيتا واوبانيشاد ويوغاسوترا باتانجلي" موجود في آثار العرفاء الايرانيين. ويقوم اتباع مذهب "اليوغا" في ايران بالتلفيق والمقارنة بين تعاليم اليوغا وأصولها وبعض المعاني والابعاد في العرفان الايراني، ويرون ان ال"غيانايوغا" الذي يعتبر احد الاصول الاربعة لليوغا ويعني الوصول الى الوحدة وهي تماثل وحدة الوجود التي دعا اليها المتصوف والفيلسوف محي الدين بن عربي من طريق العلم والمعرفة، عبر عنه القرآن الكريم في الاية "هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون". اما ال"اليوغاسوترا باتانجلي" فتقول ان "المعرفة الصافية هي التي تضيء ما في الروح" وهذا يتوافق مع حديث الرسول ص الذي قال "اطلبوا العلم ولو في الصين"، والصين في اعتبارهم هنا لا تعني المسافة بل ما في الصين من علم. في حين ان ال"بهاغوادغيتا" تعني الوصول الى الحقيقة واكتساب المعرفة وتقول بان المتيقظ هو الذي وصل الى مقام المعرفة. "اعرف انني لست هذا الجسد والبدن، انما حقيقتي هي معرفتي واعود اليها" وقد عبر عن هذا المعنى المتصوف الايراني المعروف ناصر خسرو عندما قال: "اذا حملت شجرتك ثمار العلم، فانك ستسيطر على الفلك الدوار". ويخلصون الى القول ان التوصل الى معرفة اسرار العالم والكون يمهد الطريق امام الوصول الى السعادة والتوفيق من طريق بناء الذات والارتقاء العلمي، وان اليوغا هي الطريق الى تحقيق ذلك. اليوغا في ايران تأسست جمعية اليوغا في ايران عام 1995 في طهران على يد سيدة هندية تدعى مايا ماجوه او "الاستاذة مايا"، واصبحت عضواً في جمعية تعليم اليوغا في ايران وكذلك عضواً في الاتحاد العام للرياضات الجمعية، وقامت بتشكيل مركزين لتعليم اليوغا، الاول هو النادي الدولي لليوغا - رسالة المحبة، والثاني هو نادي شيوا - البليغ، في العاصمة طهران، وقامت باصدار مجلة متخصصة باليوغا تحمل اسم "رسالة المحبة" وترأست تحريرها. ومايا ماجوه هندية الاصل من مدينة احمد آباد، ولدت عام 1961، ودرست العلوم الاجتماعية. والدها من اساتذة جامعة بومباي، اما والدتها فقد عملت في حقل المساعدات الاجتماعية كمرشدة، وهي تعتبر من الاساتذة المعروفين لطريقة ال مانترايوغا في مدينة "احمد آباد". كان جدها داتاتراي تيكله Datatray Tikle من المنجمين المعروفين لدى الحكام. تعلمت مايا اليوغا على والدتها الى جانب اساتذة اخرين في الهند. بعد زواجها عام 1983، انتقلت للعيش في ايران، وبسبب عدم توافر الظروف المناسبة في تلك الايام في ايران والموانع امام البدء في فتح دروس لتعليم اليوغا بشكل عام، قامت بفتح مستوصف للعلاج النفسي والصحة النفسية باسم مستوصف "فخر" في طهران، ومن خلاله بدأت تعليم البعض من مرضاها اليوغا، واصبحت محل اهتمام المحافل الطبية بسبب اساليب العلاج التي كانت تتبعها. تعتبر مايا من مؤسسي اسلوب "يوغا السيكليك". وترى مايا ان نمو طريقة او مذهب اليوغا في ايران لا يختلف كثيراً عما نشاهده اليوم في العالم من انتشاره واتساعه بين مختلف طبقات المجتمع. وتعتبر مايا ان السبب في هذه الزيادة يعود الى ان الكثيرين يسعون وراء التخلص من الضغط النفسي والاجتماعي الذي اوجدته انماط الحياة الجديدة، من اجل العودة الى الحياة الطبيعية والمليئة بالهدوء والمعنى. وتضيف مايا ان اليوغا لا ترتبط بأي مذهب او اهداف خاصة، وان بامكان أي شخص من أي ايديولوجية كان ان يستفيد من دروس وتمرينات اليوغا ليصل الى الصحة الجسدية والروحية المعنوية. واذا كان تاريخ اليوغا في ايران يعود الىزردشت وتضاهي عراقتها عراقة اليوغا في الهند، غير ان الجمعيات المتخصصة في ايران لا تعود الى تاريخ قديم. بعد النقاش الطويل والطلبات الكثيرة من الايرانيين والتي وجهت الى منظمة التربية البدنية في الجمهورية الاسلامية الايرانية، وتوافقا مع توصيات المنظمة العالمية للصحة، التي تعتبر اليوغا من الاساليب المؤثرة في العلاج في بعديه الجسدي والروحي وذلك في العلاقات الاجتماعية، تم الاعتراف بجمعية اليوغا الايرانية كواحدة من الرياضات الجمعية، التي تأسست بتاريخ 12 تموز يوليو 1995 برئاسة مهرداد كوران. وقد اتسعت اعمال هذه الجمعية في كل انحاء ايران واصبح لها فروع في نحو 17 محافظة. وقبل هذا التاريخ، أي قبل الاعتراف الرسمي بجمعية اليوغا على انها رياضة، كانت فعاليات جمعيات اليوغا في المحافظاتالايرانية تتم بشكل فردي ومتفرق وبعيداً من الاضواء او بصورة محدودة، ويعود اكثرها الى بدايات عقد الثمانينات من القرن الماضي. اما الكتابات والكتب عن اليوغا، فلم يكن مسموحاً بطباعتها، ومع السماح بتشكيل الجمعية رسمياً، فان الاوضاع اختلفت واصبح بامكان الجميع الاطلاع على افكار اليوغا وتعاليمها ما ساعد في انتشارها بين الناس. ويقوم اسلوب العمل على الاتصال بجميع من لديه استعداد او علاقة باليوغا في ايران لأي جهة او فكر انتمى، وإشراكه بالانشطة التي تقوم بها الجمعية. وأوصل التواصل المستمر بين الافراد من انتماءات متعددة الى توليد نوع من التوحد في الرؤية والافكار بينهم خلال السنوات الستة الاخيرة، ما يعني ان انسجاماً فكرياً اصبح يحكم في العلاقات بين هؤلاء الافراد. وقد وضعت الجمعية شروطاً محددة يجب ان يتحلى بها أي استاذ في تعليم اليوغا وهي: العلم النظري/ المعرفة العملية/ الشخصية من ناحية السلامة الجسدية والروحية/ اسلوب التصرف والعلاقات/ القدرة والاستطاعة على الكلام وادارة الجلسات/ ان يكون صاحب خبرة في اليوغا لمدة سنة على الاقل. اضافة الى امتحانين واحد وعملي الى جانب مقابلة تدور حول محاور محددة، فضلاً عن المعلومات العامة، الى جانب امتحان عملي. بعدها يخوض الطالب دورة تعليمية عامة في الاساناهي جند _ العلم النظري لليوغا وتمارين النفس لمدة 60 ساعة. بعد هذه المرحلة يخضع لامتحان عملي في المواد العامة للتربية البدنية. وأسست الجمعية فروعاً لها للاهتمام بنشر اليوغا في اوساط الطلاب الجامعيين وطلاب المدارس. وتقول السيدة ماه بيغم مرادي التي تعتبر من اكبر ممارسي اليوغا في ايران في الزمن المعاصر والتي تخفي رغبتها في زيارة الهند لمقابلة الزعيم الروحي ساتي ناندا ونارين نجانا ان اليوغا تعتبر من التراث الثقافي للعرق الاري، أي الايرانيين والهنود واليونان، وان هذا التراث عاد مجدداً، لأن الكثير من العرفاء والعارفين الايرانيين كانوا يوغائيين، ولا تخفي دعوتها اساتذة اليوغا الى ان يوحدوا كلمتهم ورؤاهم وافكارهم، عندها يصبح باستطاعتهم ان يفرضوا تأثيرهم.