يمكن استهلال النقاش عن موقع اللحن والموسيقى في"الفيديو كليب"العربي بصورة مباشرة، بإيراد ملاحظتين صغيرتين. تتلخص الأولى في أن موقع اللحن والموسيقى في أشرطة الغناء المُتلفز يختلف جذرياً عما كانه بالنسبة الى الغناء التقليدي. وتشير الثانية الى أن المقارنة مع التجربة الغربية تظهر أن اللحن العربي لم يتغير بما فيه الكفاية، مع الانتقال من الغناء المعتمد على الصوت إلى"الفيديو كليب". والارجح أن"الفيديو كليب"هو فن تلفزيوني بامتياز. فالمعلوم أن العنصر البصري يحتل المكانة الأبرز في الفرجة التلفزيونية. ومن الشائع ان حتى مشاهد النشرة الإخبارية التي تعتمد كثيراً على المحتوى الصوتي يعطي أكثر من 75 في المئة من انتباهه الى العناصر البصرية، مثل الملابس والأجساد وتعابير الوجه والمكياج والديكور والألوان"في تلك النشرة! فكيف يكون الحال عند مشاهدي مواد الترفيه البصري مثل"الفيديو كليب"؟ والأرجح أن اللحن لم يعد في المحل المكين الذي احتله تاريخياً في الغناء الصوتي"وأن موقعه في الغناء المتلفز هو أقرب الى مرافقة الكلمات والمشاهد والرقص والديكور واللون والمؤثرات البصرية والصوتية وغيرها من مكوّنات"الفيديو كليب". إنه تبدّل نوعي، ومن غير المجازفة وصفه بالجذري. وثمة نموذج واضح عن تعاطي أهل الموسيقى مع هذا التبدل الجذري. ففي حديث لإحدى الفضائيات العربية قبل أسابيع قليلة، أشار مُلحّن عربي شاب هو ابن لموسيقار مصري راحل إلى أن ألحان"الفيديو كليب"هجرت كلياً أحد المقامات الموسيقية العربية الأساسية وهي البيات والسيكا والنهاوند والصبا والحجاز والرست والجهاركا"كما عاب على تلك الألحان بأنها محصورة في عدد قليل من الجُمَل الموسيقية. لعله على حق. ومثلاً، فالأرجح إلا يغامر أحد بالشغل على مقام بيات، المتسم بالأُبهة والضخامة يمتاز التلفزيون بالميل الى الخفة والعادية، في أعمال يحتل الضحك والخفة والسخرية وتراقص الأجساد وأجسادها المحل الأبرز فيها. لكن هل تغيّر اللحن العربي بما يكفي لمواكبة زمن الترفيه البصري؟ الأرجح أن الجواب هو لا ولا قوية. فما زالت ألحان الأغاني المتلفزة أسيرة موسيقى الغناء العربي التقليدي، بما في ذلك طريقته في الاقتباس عن الموسيقى الغربية. وعلى سبيل المقارنة، يلاحظ أن صعود الكومبيوتر وثقافته البصرية في الغرب ترافق مع ظهور موسيقى"التكنو"، الآتية من الحاسوب وتقنياته. كما أن تصاعد موجة"الفيديو كليب"غرباً ترافق مع فنون لحنية هائلة الجدّة مثل الريف والراب والهيب-هوب وغيرها. ومن دون نية الوقوع في أسر"المركزية الغربية"، يمكن القول إن الغناء التلفزيوني العربي لم يبتكر نوعاً موسيقياً خاصاً به، وانحصر التجديد في تسريع الايقاع والتلاعب في"الميكس"والتوسع في استخدام المؤثرات الصوتية مع الموسيقى وغيرها. فمتى يصل"الفيديو كليب"الى ألحانه الخاصة به عربياً؟