لا يذكر الصحافيون الإسرائيليون المخضرمون صيفاً "غريبا" كالصيف الحالي، فصناع القرار في العالم خرجوا في إجازاتهم السنوية ما يحوّل شهر آب أغسطس القائظ بارداً سياسياً، لكن الإعلام في إسرائيل يأبى إلا أن يزخر بعناوين صارخة مهوّلة أحياناً و"تحليلات مهنية"متواترة للأوضاع على الحدود مع لبنان وسورية بلغت مبلغ"التنجيم"بشأن احتمالات اندلاع حرب مع سورية على نحو يضع المتابع الإسرائيلي أمام"لغز"إزاء اللغط الحاصل. ويبدو أن التنافس بين وسائل الإعلام العبرية على السبق الصحافي أفقد بعض محرريها البوصلة. فإحدى أكبر الصحف تتجاهل تماماً"التطورات غير الحاصلة"على الحدود السورية وفي المقابل تضخّم من أي لقاء إسرائيلي ? فلسطيني رغم إدراكها أنه لن يحقق أي اختراق حقيقي، وترد عليها الصحيفة المنافسة بتهويل أي تدريب عسكري إسرائيلي أو سوري في الجولان أو الحديث عن صفقة أسلحة محتملة. وتقع الصحيفة الثالثة في حيرة فتختار أن تخوض في قضايا يومية ليست ذات شأن ما كانت لتحظى باهتمام خاص في أيام عادية. وهكذا تنجر البرامج الإذاعية الحوارية وراء المطبوعات فتخوض في موضوعات تثير سخرية مستمعين، كما فعلت الإذاعة العسكرية أمس حين كرست احد البرامج لاستقراء ما يحمله شهر تشرين الثاني نوفمبر المقبل من"حدث تاريخي"ليس اعتماداً على تطورات متوقعة إنما على"التاريخ الذي قد يعيد نفسه". إذ انتبه كاتب إسرائيلي مغمور إلى أنه في نوفمبر 1917 صدر"وعد بلفور"وفي نوفمبر 1947 بعد 30 عاماً صدر قرار تقسيم فلسطين وبعد ثلاثين عاماً بالضبط نوفمبر 1977 قام الرئيس المصري الراحل انور السادات بزيارته التاريخية إلى القدس. من هنا لا بد إذاً من السؤال ماذا سيحصل بعد 30 عاما، أي في نوفمبر 2007، وهو السؤال الذي وجهه المحاور لعدد من الساسة والمعلقين فردوا بسخرية لكنهم"ابدوا تفهمهم"لحقيقة انه في"موسم الكساد الصحافي"أو"موسم الخيار"بلغة المعلقين الرياضيين يجوز طرق المواضيع التافهة أيضاً. ولم يخف كبير المعلقين في"هآرتس"يوئيل ماركوس في مقاله أمس امتعاضه من مضامين الصحف الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة التي وصفها ب"بالونات ساخنة في الجو". وكتب متهكماً من الأخبار التي تتناول احتمالات الحرب مع سورية على غرار: تدريبات عسكرية مكثفة على طرفي الحدود بين سورية وإسرائيل.. في إسرائيل بحثوا احتمال توزيع كمامات واقية.. سورية تواصل التزود بصواريخ بعيدة المدى.. نصرالله يهدد إسرائيل"بأنواع من الأسلحة ستفاجئها".."مصادرنا العسكرية"التي لا تفوت فرصة لتخويف الجمهور تسرب بأن في حوزة حزب الله سلاحاً متطوراً.. وزير الشؤون الاستراتيجية افيغدور ليبرمان يهدد بأن تقوم إسرائيل في المواجهة المقبلة مع حزب الله بتدمير سورية"كي نحطم الرغبة لديهم في الحرب كما فعلت الولاياتالمتحدة بألمانيا". ويسخر المعلق من قدرات رئيس الحكومة ايهود اولمرت"الذي يجد نفسه في أسفل استطلاعات الرأي وفي ذروة تحقيقات بوليسية"على القيام بخطوات سياسية حقيقية واصفاً الأنباء عن سعي اولمرت للتوصل مع رئيس السلطة الفلسطينية إلى اتفاق مبادئ حول الحل الدائم للصراع بأن"لا أساس واقعياً له". ويضيف ان جل ما قام به اولمرت انحصر في نقل عائلتين لمستوطنين يهود من سوق الخليل، بصعوبة بالغة. ويتابع:"أما شريك اولمرت وزير الدفاع يهود باراك فلا يرى شريكاً فلسطينياً يمكن التوصل معه إلى اتفاق على الحل الدائم ويقر بأن ثمة حاجة لخمس سنوات على الأقل لإعداد الجيش الإسرائيلي من أجل الوقوف على قدميه". ويخلص المعلق إلى الاستنتاج ان"إسرائيل تعيش عهد انحطاط القيادة سواء من حيث المستوى أو من حيث الحوافز أو القدرة على وضع حد للاحتلال. وها هو شهر آب ينتهي من دون سلام ومن دون حرب، لكن مع بالونات ساخنة في الجو".