سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
صراع إرادات ومصالح وأفكار في الجنوب العراقي ... والفيديرالية والموارد والمحاصصة الغام قابلة للتفجير . خريطة القوى تعطي الصدر الشارع والحكيم الحكومات المحلية ... والسلطة الحقيقية لإيران
تزداد المخاوف في مدن جنوبالعراق الشيعية من تحول الصراع الشيعي - الشيعي على السلطة والموارد هناك الى مواجهة مفتوحة تتجاوز وضع عبوات ناسفة لتفجير مواكب المحافظين الى تفجير الوضع الأمني برمته في غياب قوات الاحتلال او بقائها. وأعلنت الشرطة العراقية في السماوة أن عبوة ناسفة استهدفت، صباح الاثنين، موكب محافظ المثنى محمد الحساني لدى خروجه من مدينة الرميثة، أدت إلى مقتله واثنين من مرافقيه بعد نحو عشرة ايام فقط من مصرع خليل جليل حمزة محافظ الديوانية وبأسلوب مشابه. والمحافظان قريبان من المجلس الأعلى الاسلامي بزعامة عبدالعزيز الحكيم الذي يتزعم قائمة الائتلاف ويخوض صراعاً مع قوى شيعية اخرى لضمان مراكز النفوذ التي حاز عليها خلال السنوات الأربع الماضية. وتبدو الخريطة السياسية لمدن الجنوبالعراقي ملتبسة لجهة تداخل احزابها وتياراتها ووجود اكثر من مستوى للخلاف بينها على المستويات الفكرية والسياسية والاقتصادية. ويبدو غريباً للوهلة الاولى سيطرة المجلس الاعلى، وهو على صلة وثيقة مع ايران، على السلطة السياسية والامنية في سبع محافظات من تسع يطالب المجلس ان يتشكل منها اقليم الوسط والجنوب المثير للجدل في الاوساط الشيعية. وما عدا محافظة البصرة، التي يشغل منصب المحافظ فيها حزب الفضيلة الاسلامي والعمارة تيار الصدر، فإن محافظات الناصرية والكوت والسماوة والديوانية والنجف وبابل يتولى السلطة فيها محافظون ينتمون مباشرة الى المجلس الاعلى، فيما يقود محافظة كربلاء محافظ مستقل يقع عملياً تحت نفوذه. والخريطة تمتد الى ابعد من ذلك باستقرائها من جهة انتشار القوى الامنية ومرجعياتها الحزبية ليكمل المجلس الاعلى نطاق سيطرته بضمان تعيين قيادات القوى الامنية في جميع المحافظات التسع فيما يستحوذ على النسبة الأكبر من القيادات الثانوية وصولاً الى الجنود وعناصر الشرطة عبر دمج ميليشيا بدر وميليشيا حزب الله تنظيم العراق وكلاهما في تبعية المجلس الأعلى. تنازع السلطة ويُعتقد ان تنازع السلطة والسيطرة في معظم مدن الجنوب يتركز بين المجلس الاعلى، الذي غيّر مرجعيته بداية العام الحالي من المرشد الاعلى الايراني علي خامنئي الى المرجع الاكبر في النجف علي السيستاني، من جهة وتيار الزعيم الشيعي الشاب مقتدى الصدر الذي يستمد اساسيات منهجه الفكري والسياسي من مرجعية مؤسسه محمد صادق الصدر الذي اسس ما يسمى"الحوزة الناطقة"، في ما اعتبر ثورة صامتة على مرجعية النجف التقليدية ويعود في أموره الدينية اليوم الى مرجعية الحائري المقيم في ايران من جهة اخرى. يُشار الى ان عداء معلناً بين محمد الصدر داخل العراق ومحمد باقر الحكيم في ايران كان انطلق مع اعلان"الحوزة الناطقة"أواخر التسعينات من القرن الماضي وتبادل الرجلان اللذان اغتيلا لاحقاً، الاول على يد النظام السابق والثاني في عملية انتحارية العام 2003، الاتهامات حتى ان بعض المطلعين على تفاصيل اغتيال الصدر يؤكدون ان اجهزة الاستخبارات العراقية حاولت استثمار الخلاف بالقاء التهمة على المجلس الاعلى للثورة الاسلامية حينذاك. وأبعد من الصراع الفكري يطرح المسؤولون في تيار الصدر ما يعتبرونه"مظلومية"تعرضوا لها خلال سنوات ما بعد الاحتلال سمحت بتهميشهم من معادلة السلطة في الجنوب على رغم امتلاكهم القاعدة الشعبية الاكبر هناك وقدرتهم على قلب الاوضاع عسكرياً عبر ميليشيا جيش المهدي التابعة للتيار. ولا يمكن بالضبط تحديد الوزن الشعبي للقوتين الكبريين في الجنوب بسبب دخولهما في قائمة انتخابية موحدة ابان الانتخابات الاخيرة سمحت بمنح كل منهما 30 مقعداً برلمانياً على رغم ان الصدريين في البرلمان يتهمون المجلس الاعلى بطرح اسماء نحو 20 عضواً على انهم مستقلون في قائمة الائتلاف ومعظمهم يتبع للمجلس بطريقة او اخرى. وقضية دخول الانتخابات عبر اسماء مستقلين مكنت المجلس الاعلى، حسب مطلعين، من حصد النسب الاكبر في انتخابات مجالس محافظاتالجنوب التي لم يشترك فيها تيار الصدر لكنه استفاد كما يبدو من التجربة وتمكن من نيل منصب محافظ العمارة على رغم عدم تمكنه من السيطرة على الملف الامني في المدينة الذي ظل بيد المجلس الاعلى عبر تنظيم"حزب الله العراق"الناشط بقوة هناك. حزب الفضيلة وتختلف المعادلة قليلاً في محافظة البصرةجنوباً ليحصد حزب الفضيلة الاسلامي 15 مقعداً في البرلمان منصب المحافظ مع تشارك اتباع الصدر واتباع الحكيم في تقاسم الاجهزة الامنية على رغم تغير الموازنات اخيراً لصالح المجلس الاعلى الذي تمكن من الضغط على المحافظ لإبداله، كما تعرضت مراكز نفوذ الصدريين في الأجهزة الأمنية الى حملة تصفية شملت الغاء مديريات للشرطة ترتبط بجيش المهدي وتسريح منتسبيها وضباطها. ويتهم حزب الفضيلة، الذي انسحب اخيراً من قائمة الائتلاف الشيعية نديه في البصرة بالولاء لإيران ومحاولة انهاء نفوذ الحزب، الذي يحمل حسب زعيمه الروحي الشيخ محمد اليعقوبي، مرجعية عربية وطنية تنتصر للعراقيين في الداخل على أولئك القادمين مع الاحتلال من الخارج خصوصاً من ايران. ويعترف الجميع على المستويات الشعبية والرسمية اليوم بوجود نفوذ ايراني كبير في مدن جنوبالعراق وان مراكز ادارة استخبارية تدير بشكل غير مباشر مفاتيح الامور هناك عبر مسؤولين سياسيين مرتبطين بمراكز قوى مختلفة في طهران. التبعية ويرجح بعض السياسيين ان النفوذ الايراني يمتد ليشمل الاطراف المتصارعة التي يقول بعض اهالي الجنوب ان كلاً منها يرتبط بجهاز ايراني متنفذ مثل"فيلق القدس"والاستخبارات والجيش والسلطة السياسية. لكن اطراف الصراع نفسها تنفي بشدة هذا الاتهام وتؤكد انها لن تنجر الى صراع شيعي - شيعي يتم ترويجه اميركياً وبعثياً، وان مشروعها وطني عراقي خالص. في الوقت نفسه تختلف الاطراف الشيعية المتنفذة حول مشروع فيديرالية الجنوب الذي يتبناه المجلس الاعلى كخيار استراتيجي ويعتقد تيار الصدر ان البيئة السياسية غير مُعدة لمناقشته فيما يرفضه حزب الفضيلة جملة وتفصيلا. ويبدو موقع حزب شيعي عريق هو"حزب الدعوة الاسلامي بشقيه"غامضاً لجهة عدم وجود قواعد شعبية كبيرة له على رغم انه كان على امتداد مرحلة حكم نظام صدام حسين الممثل الابرز للمعارضة الشيعية. ويتهم سياسيون في المجلس الاعلى في جلسات داخلية حزب الدعوة بأنه تحول الى حزب نخبوي وتخلى عن جماهيريته الواسعة لصالح تيار الصدر فيما يروي مطلعون تفاصيل غير مؤكدة عن صفقة سرية سمحت للدعوة بتولي رئاسة الحكومة مقابل تخليه عن منافسة المجلس الأعلى على حكومات الجنوب وصولاً الى اعلان اقليم جنوبي يترأسه عبدالعزيز الحكيم مشابه في امكاناته وحظوته السياسية ومنافذ استقلاليته لموقع اقليم كردستان شمالاً برئاسة مسعود بارزاني. على المستوى الاقتصادي يتخذ الصراع طابعاً اكثر تعقيداً فمن جهة لا يزال موضوع عائدات الموارد الدينية الشيعية معلقاً بين رأي يدعو الى استمرار المرجعية التقليدية في ادارة الاموال الشرعية للشيعة الخمس والتبرعات، ورأي آخر يطالب بحصول المرجعيات الاخرى ومنها الناطقة على حصة في تلك الموارد. في الوقت نفسه يتصاعد الخلاف بين اطراف صراع مختلفة في الجنوب للسيطرة على موارد تهريب النفط والمخدرات من جهة وتفاصيل صرف الاموال المخصصة من الدولة للمحافظات. وفيما تتخذ القضية الاولى طابع حرب عصابات مكشوفة تسهل اشتراك مهربين ورجال عشائر في تغذية عمليات تهريب واسعة برعاية احزاب تحصل على حصص من واردات التهريب تراوح القضية الثانية في حدود الجدل والاتهامات بين الاطراف خصوصاً ما يتعلق بتوزيع قطع الاراضي وتسهيلات البناء وبناء المشاريع والاحياء المستفيدة في ضوء محاصصة على مستوى الاحياء والمؤسسات تبعا لانتشار هذه القوة او تلك. وتكاد التيارات الإسلامية في الجنوب والوسط ان تكون متشابهة تقريباً في الرؤى والطروحات فكلها تشعر بأنها كانت المظلومة الوحيدة من قبل نظام صدام حسين، وهذا الشعور أورثها حقاً في السيطرة لا تريد أن تمنحه لغيرها، وترى كل فئة ان لها الحق وحدها في التمسك بالسلطة والاستئثار بها من دون غيرها على رغم اجتماع الجميع على مذهب واحد وربما مرجعية واحدة. اسماء مختلفة وولاء واحد لإيران فحزب الدعوة وحزب الدعوة تنظيم العراق والمجلس الأعلى وسيد الشهداء وثار الله وحزب الله مسميات تختلف لكنها تتشابه في درجة الولاء والقرب من ايران، فممثلية عبدالعزيز الحكيم، التي يقودها عبدالكريم الجزائري في البصرة، ترى أن ايران الدولة النموذج الوحيدة في المنطقة التي يجب أن تحظى بعلاقة خاصة من قبل الحكومة العراقية، فيما تتستر أحزاب مثل سيد الشهداء وثار الله وحزب الله خلف ستار سميك لا تقول معه بذلك على رغم أن ارتباطها بحرس الثورة الإيرانية أكبر من ان تستره السحب هذه. ويرى حزب الفضيلة، الخارج من الائتلاف الشيعي، أن الاستقلالية والنأي عن ايران هو الطريق الصحيح لبناء البلاد، ويقول النائب في"الفضيلة"جابر خليفة جابر عن ارتباطات وثيقة بينه وبين قائمة التوافق السنية التي يرى أن الكثير من أعضائها اشرف من خالد العطية شيعي نائب رئيس المجلس. ويبقى التيار الصدري الخارج من قائمة البصرة الإسلامية وغير الممثل في مجلس المحافظة يناور ويختلف مع الجميع بدرجات مختلفة، وقد ظهر ارتباطه مع ايران بعدما كان يقول بقوة إنه ضد المشروع الإيراني في العراق، وصارت أفواج المسلحين لديه تتدرب هناك علنا، وهي حديث الناس في البصرة. وينطبق الكلام نفسه في كثير منه على محافظات كالناصرية والعمارة على رغم ضعف تيار الفضيلة هناك بالقياس إلى البصرة، التي تنفرد بتمثيل كبير للفضيلة فيها فضلاً عن وجود أحزاب غير إسلامية أخرى كحركة الوفاق والشيوعي والحركة الاشتراكية العربية والقاسميين وغيرهم. ويرى سكان الناصرية أن منتسبي الجيش العراقي فيها هم من خارج الكتل الإسلامية، ويتمتع الجيش بحيادية ممتازة خلافاً عن الأجهزة الأمنية الاخرى التي تنقسم ولاءاتها بين القوائم التي يتكون منها المجلس فضلا عن التيار الصدري الذي عرف بمعارضته للعملية السياسية في المحافظات هذه. ويدير التشكيل الموالي لعبدالعزيز الحكيم غالبية المؤسسات المدنية والإدارية في المدينة، لكن يبقى التيار الصدري صداعاً مزمناً له، فهو يملك الشجاعة في ضرب المدينة ليلاً، إذ غالبا ما تشهد تفجيرات ضد عناصر شيعية من داخل مجلس المحافظة. وتهيمن تيارات مثل فيلق بدر على مقاليد السلطة في مدينة السماوة، بينما يسيطر الصدريون على مدينة العمارة ويقومون بإدارة المدينة من خارجها، ولهم النفوذ الكبير في جر العمليات العسكرية ضد من يريدون، فالشارع لهم على رغم وجود كتلة المجلس الأعلى والدعوة وحزب الله الذي يرأسه عبدالكريم المحمداوي النائب السابق في البرلمان.