لا يخجل محمد تحسين 23 عاماً من الاعتراف بأنه يسكن احد "احياء التنك" في بغداد على رغم جميع الاقاويل والاشاعات التي تتردد حول سكانها. لكنه يصف طبيعة الحياة فيها بأنها تشبه الى حد كبير"حياة الصعاليك". محمد انتقل للعيش في الحي في منطقة السدة من بغداد بعدما تم تهجير عائلته من منطقة الغزالية غرب بغداد قبل تسعة شهور. ويقول ان عائلته، المؤلفة من والدته وشقيقه وشقيقاته الخمس خرجت من منزلها في منطقة الغزالية بالثياب التي ترتديها بعدما شفع لها الجيران عند احد شيوخ الجوامع للتدخل والسماح بمغادرة العائلة سالمة دون اذى يلحق بها. ويؤكد ان العائلة لا تملك شيئاً سوى بيتها الذي تم تهجيرها منه وكانت"ورثته عن الوالد الذي عمل ضابطاً في الجيش لسنوات طويلة". ويصف انتقاله للعيش في حي التنك بأنها صفعة مؤلمة وضعت عائلته في موقف حرج ودفعتها للسكن في هذا الحي البدائي، وكانت سبباً في انضمامه للعمل في احدى الميليشيات المسلحة"للحصول على الاموال اللازمة لسد نفقات عائلته اليومية"كما يقول. ويضيف:"ان غالبية سكان الحي يمتهنون التسول ويخرجون منذ الساعات الاولى للصباح الى مواقعهم التي يمارسون فيها هذا العمل فيما ينضم آخرون الى الميليشيات طمعاً في الحصول على مبالغ مالية لتغطية نفقات عائلاتهم، ويفضل آخرون تشكيل عصابات سلب صغيرة تقطع الطرق المجاورة للحي وتسلب ركاب السيارات. وعلى رغم كون غالبية سكان احياء التنك في بغداد من العائلات النازحة والمهجرة الا ان هذه الاحياء خضعت لمسألة التقسيم الطائفي حيث يحرص الوافدون من السكان للنزوح الى احياء تتماثل مذهبياً الامر الذي ولّد احياء صفيح شيعية واخرى سنية. وتؤكد ام سعد 35 عاماً، التي تسكن احد احياء التنك في منطقة الكرخ، انها لجأت الى الحي بعد نزوحها وعائلتها من حي العامل وبعدما علمت ان الحي مخصص للمهجرين السنة ما شجعها على السكن فيه. وتقول ان اولادها الثلاثة يعملون في بيع المشروبات الغازية عند تقاطعات الطرق القريبة من الحي لسد نفقات العائلة الى جانب عملها كمتسولة عند التقاطع ذاته الذي يعمل فيه اولادها. وتعترف بصعوبة التكيف مع الحياة هناك لكنها تؤكد ان البدائل تكاد تكون معدومة وان الوضع الذي تعيشه عائلتها هو جزء من الوضع العام السائد في البلاد بسبب الانفلات الامني. وتؤكد الاحصاءات الرسمية لوزارة الهجرة والمهجرين ان 60 في المئة من العائلات المهجرة لجأت الى السكن في احياء صغيرة مشيدة من الصفيح على اراض متروكة ومملوكة للدولة بسبب سوء الوضع الامني في المناطق التي تم تهجيرهم منها واضطرارهم الى الخروج من منازلهم دون بيعها او اصطحاب الاثاث معهم. ويقول ستار نوروز، الناطق الرسمي باسم وزارة الهجرة والمهجرين، ان هذه الاحياء تفتقر الى ابسط متطلبات الحياة الانسانية حيث تغيب عنها خدمات الماء والكهرباء ويستعيض الاهالي عن الكهرباء بالمصابيح النفطية الفانوس واللالة ويشترون الماء من صهاريج متنقلة، فيما يلجأ بعض السكان الى كسر انابيب الماء التابعة للاحياء السكنية المجاورة للحصول على ما يحتاجونه. ويؤكد ان جميع احياء التنك تفتقر الى المرافق الصحية حيث يقوم الاهالي بتشييد مرافق صحية متنقلة مصنوعة من القماش. ويعترف اللواء مهدي صبيح، قائد قوات حفظ الامن والنظام في وزارة الداخلية، ان سكان احياء التنك يمارسون اعمالاً بسيطة لا تكفي لسد نفقاتهم اليومية، فيما يلجأ آخرون الى التسول او العمل في اطار عصابات سلب صغيرة على الطرق المجاورة. مؤكدا ان سائقي المركبات يتحاشون المرور بالقرب من تلك الاحياء في ساعات الصباح الباكر او قبل غروب الشمس خوفاً من التعرض للسلب. ويرى ان انتشار احياء الصفيح بعد عمليات التهجير الجماعي التي شهدتها احياء ومناطق بغداد السنية والشيعية على حد سواء بات امرا واقعاً بعد نزوح اعداد كبيرة من العائلات من مناطق سكنها الاصلية بسبب العنف الطائفي، مبيناً ان معالجة هذه الظاهرة تقتضي تشييد منازل صغيرة وملائمة لسكان احياء الصفيح وتوفير الخدمات الضرورية لهم فضلاً عن توفير فرص العمل لابنائهم.