الخوف من الدخلاء والعصابات والمسلحين أسباب دفعت أم هيفاء إلى مغادرة مخيم خصص للعائلات المهجرة في منطقة الكاظمية، بعد ان لجأت اليه وبناتها الخمس، تاركة منزلها في الدورة جنوببغداد في اعقاب انذارها ب"وجوب المغادرة وإلا!"، لتسكن مع اقرباء لها في مدينة الصدر في غرفة صغيرة"أكثر اماناً للنساء والفتيات". فغياب الحراسة عن المخيم يجعله عرضة لتسكع بعض ضعاف النفوس، وساحة لاستعراض مغامرات العصابات المسلحة التي غالباً ما تهاجم المخيمات لتسرق. يقول أبو علي، الذي اجبرته الجماعات المسلحة على مغادرة منزله في ابي غريب، غرب بغداد ل"الحياة":"لا يكاد يمر مساء من دون سماع العيارات النارية التي تطلق عشوائياً لإثارة الرعب والهلع في النفوس، وأحياناً كثيرة تهاجمنا تلك العصابات لتسرق مدخراتنا". وتروي أم حسن معاناتها وزوجها الذي تجاوز السبعين فتقول:"اجبرتنا الجماعات المسلحة على مغادرة منزلنا في حي العدل، ما حرم زوجي الرعاية الصحية فهو مصاب بمرض القلب المزمن وفوّت عليه فرصة اجراء عملية القسطرة في أحد المستشفيات الحكومية مجاناً"، مشيرة الى انه الآن"يعاني وضعاً صحياً سيئاً يلامس حدود الخطر، في بعض الاحيان في ظل درجات الحرارة العالية واستمرار انقطاع التيار الكهربائي اضافة الى غياب الخدمات". وتشكو نهاد، التي تزوجت حديثاً، من عدم ممارستها حياتها الطبيعية، لأن"التهجير صادر منها حق التمتع بشهر العسل"، وتعيش الآن في مخيم يفتقر إلى أبسط مستلزمات المعيشة، وتضيف:"كنت أحلم بقضاء شهر العسل في أحد فنادق بغداد الكبيرة، بينما الآن أعيش مع زوجي وعائلته المكونة من 7 أشخاص في خيمة واحدة، ويعاني معظم الشباب من العائلات المهجرة من البطالة بعدما فقدوا أعمالهم". أما أكرم المتخرج، حديثاً في كلية العلوم في بغداد، فيندب حظه كون التهجير أفقده فرصته الذهبية في الحصول على عمل في احدى الشركات العالمية التي اشترطت عليه تطوير لغته الانكليزية، وتقوضت احلامه بعدما اجبرته جماعة مسلحة وعائلته على ترك منزلهم في بغداد والنزوح الى الناصرية 40 كلم جنوببغدادمسقط رأس والديه. غالبية العائلات التي نزحت من مناطقها شيدت منازلها بطرق بدائية باعتماد مادة القصب لقلة كلفتها وسرعة انشائها، ما ساهم في صناعة القصب والبردي بين العائلات المهجرة حتى بات بعضها يصمم المنزل المراد وفق طلبات الزبون وعدد أفراد عائلته. لا تتوقف مشاكل ومعاناة العائلات المهجرة عند هذا الحد، بل تتعداه الى تفشي الأمراض لا سيما الأطفال، خصوصاً أن غالبية المخيمات أو المجمعات شيدت خارج مراكز المدن، ما يعني ابتعادها عن الاسواق والمستشفيات ومراكز الخدمات البلدية. حي الخضراء والفلوجة والشعلة مناطق غرب بغداد، تصدرت قائمة المناطق التي شهدت نزوحاً كبيراً للعائلات التي تقطنها، تلتها مناطق الاعظمية والتاجي والطارمية شمال بغداد ثم الدورة والمحمودية واليوسفية جنوببغداد، فيما احتلت كركوك 260 كلم شمال بغداد المرتبة الأخيرة من حيث عدد العائلات النازحة 281 عائلة.