صدر قرار مجلس الأمن رقم 1770 بتاريخ 10 آب أغسطس 2006، متضمناً قيام الأممالمتحدة بدور أوسع في العراق المحتل، لدعم الاستقرار المنعدم في ذلك البلد، وكان المجلس نفسه أصدر قراره رقم 1500 بتاريخ 14 آب 2003 الذي تشكّلت بموجبه بعثة المنظمة الدولية، لكن تلك البعثة غادرت بلاد الرافدين المنكوبة بالاحتلال الظالم بعد تفجير مقر الأممالمتحدة في التاسع عشر من الشهر نفسه. وبعد صدور قرار مجلس الأمن الذي تزامن مع"المحنة"التي تواجهها حكومة المالكي المختارة أميركياً وجاء أداؤها محبطاً ومخيباً لآمال العراقيين، سارع السيد بوش في كلمته الأسبوعية الإذاعية ليبشر شعبه قائلاً إن"استراتيجيته في العراق تؤتي نتائج جيدة وقادتنا أبلغونا أخيراً أخباراً جيدة"! جاء إعلان الرجل في هذا الوقت العصيب الذي يواجهه، فهو يقع تحت وطأة ضغوط مستمرة من الديموقراطيين الذين يتمتعون بالغالبية في الكونغرس وخضع لضغوطهم - على ما يبدو -كبير مستشاري البيت الأبيض كارل روف مهندس العجلة الانتخابية التي جاءت ببوش إلى البيت الأبيض ويصفه الكثيرون بأنه"عقل"بوش، لكن رفيق العمر"روف"قرر مغادرة البيت الأبيض آخر هذا الشهر، وهو يرى الديموقراطيين وهم يتهيأون لزحزحة الجمهوريين من البيت الأبيض. بوش أعلن نجاح استراتيجيته وهو يعلم انه يناقض نفسه، ففي كلمته اعترف بأن ما يطلق عليه"العدو"لا يزال خطيراً، وأن التقدم السياسي أبطأ مما هو متوقع، واعترف بأن مهمة قواته ما زالت صعبة! وما يطلق عليه بوش"العدو"هم أصحاب الأرض و"العدو"بالتعريف القانوني المبسط هو المحتل، لكن"القوة"وتغليب قانون الغاب جعلا في هذه الحقبة الملتهبة من التاريخ"المدافع"عن أرضه"عدواً بل إرهابياً"و"الغازي"بالحديد والنار من"الأخيار"، لكنّ المدافع عن الحق، ناشداً العدل، منتصر طال الزمن أم قصر، ولذا فإن مصير استراتيجية بوش العسكرية هو الفشل وارتطام مغامرته بشدّه داخل النفق العراقي المظلم. السؤال المُلِحّ الذي يطرح نفسه: هل هذا القرار الأممي وغيره من القرارات السابقة ستنقذ رقبة العراق من الاحتلال البغيض الذي جاء ضد مبادئ الأممالمتحدة. وقرارات مجلسها والقانون الدولي والأعراف والشرعية الدولية...؟ الإجابة لا وألف لا... لأن الاحتلال صنعه بوش وزمرته من الشياطين المحافظين الجدد، أسبابه كما يدعي سيد البيت الأبيض الذي يكرر على الملأ أنه يتلقى رسائله من الرب!! امتلاك الرئيس الراحل صدام حسين لأسلحة دمار شامل وتعاونه مع"القاعدة"محتضناً الإرهاب وتهديده لجيرانه. لكن عناصر الإرهاب وأسلحة الدمار لسوء حظ الرجل كانت أسباباً لذر الرماد في العيون ثبت للعالم قبحها، وبقي البترول الذي أثار ويثير لعاب الطامعين السبب الرئيس لشن الحرب على ذلك البلد وقبله أفغانستان. كان النفط ولا يزال وسيبقى محرك الحروب والغزوات والصراعات والاحتلال، ومن اجله جاء الطامح والطامع بوش وجرّ معه بلير"الجامح"الذي أدرك حزبه مدى خطورته على مستقبله فنحاه بسبب اشتراكه في جريمة حروب أفغانستانوالعراق ليستبدله حزب العمال غوردون براون به. العراق اليوم صاحب ثالث احتياطي نفطي في العالم بعد السعودية الأولى عالمياًَ وإيران ثانياً أفقد أهله حتى الفتات من عائدات ثروة بلادهم، فالأجنبي نهب الثروة وبعض مقربي المحتل من أهله أتوا على الفتات فاجتمع الفاسدون ليأكلوا الأخضر واليابس في معركة النفط العراقي الذي هو أصلاً ملك الشعب، فتحول بقدرة قادر إلى ثروات طائلة تصب في جيوب الشركات النفطية التي اختارها المحتلون وسماسرة هيأوا أنفسهم لمساعدة من جاؤوا من بعيد لاحتلال الوطن. ومجلس الأمن الذي اصدر القرارين المذكورين آنفاً وشنت الإدارة الأميركية الحرب على رغم انفه هو المجلس نفسه الذي اصدر القرار رقم 1483 بتاريخ 22 أيار مايو 2003 ونص على أن تكون"جميع صادرات العراق من مبيعات النفط والمنتجات النفطية والغاز عقب تاريخ اتخاذ هذا القرار متفقة مع أفضل ممارسات السوق الدولية السائدة على ان يتولى مراجعة حساباتها محاسبون عموميون مستقلون مسؤولون أمام المجلس الدولي". لكن صدور القرارات شيء والتنفيذ على أرض الواقع أمر آخر في ظل الاحتلال، فالقرارات الدولية التي صدرت من المجلس الذي يسيطر عليه الخمسة الكبار، اثنان منهم يحتلون بلد النفط، فأميركا تسيطر على حقول النفط في الشمال وبريطانيا تطبق على حقول الجنوب، فالقسمة ضيزى بين قطبي الاحتلال. مع هذا الاحتلال الأجنبي فإن القرارات الدولية تصبح حبراً على ورق بخاصة في ما يتعلق بالقرار سالف الذكر رقم 1483، إذ استقر في سلة المهملات، فالنفط العراقي منذ الاحتلال وصدور ذلك القرار تعرض لمؤامرة مخططة سلفاً لنهبه وسرقته جهاراً نهاراً بشكل مباشر وغير مباشر، ناهيك عن التهريب المدبر بخاصة عبر البصرة التي تعد المركز الرئيسي لتهريب النفط ضمن مخطط أميركي - بريطاني، حددت خطوطه العريضة قبل الغزو وبعد الاحتلال وتقسيم البلاد إلى أجزاء متناثرة ليعيثوا في الأرض فساداً. وأصبحت البصرة والموانئ الجنوبية للعراق التي يصدر من موانيها أكثر من 80 في المئة من الصادرات النفطية مركزاً رئيسياً للعبث في ثروات ذلك البلد، وامتدت اليد العبثية نفسها إلى حقول الشمال، وأمام هذا الإسراف في السطو المعلن على نفط العراق الذي يرقد على بحيرة نفطية تبلغ 115 بليون برميل شهدت بعض محافظات الجنوب السبت الماضي معارك عنيفة بين بعض الفصائل الشيعية، فسرها بعضهم بأنها تهدف إلى السيطرة على نفط الجنوب مع حديث المحتل البريطاني عن احتمال خفض قواته البالغ عددها 5 آلاف مقاتل، بل وربما الانسحاب. العراق قبل غزوه للكويت كان إنتاجه اليومي حوالي 3.5 مليون برميل يومياً، انخفض إلى متوسط ما بين 1.7 و 2 مليون برميل يومياً بعد الغزو وخرج من نظام الحصص منذ احتلال نفطه، ويصل إنتاج أعضاء"الأوبك"باستثناء العراق بعد أن خفضت المنظمة إنتاجها العام الماضي بواقع 1.2 مليون برميل يومياً حوالى 27 مليون برميل يومياً. أما العراق ومعه أنغولا التي انضمت أخيراً لعضوية المنظمة فهما خارج الحصص، فالعراق ينتج ويصدر خارج المنظمة"العتيدة"ومن دون رقيب أو حسيب، وإذا كان قرار مجلس الأمن السالف ذكره رقم 1483 نص على"ضمان الشفافية وإيداع جميع العائدات النفطية في صندوق التنمية للعراق"فإن ما حدث على أرض الواقع هو العكس تماماًَ. فالثروة النفطية العراقية أهدرت وسرقت فالسراق المحتلون ومعاونوهم قضوا على ماضي العراق التليد وحاضره ومستقبله ونهبوا ثروته الكبيرة الناضبة وقضوا على الوحدة العراقية التي يعد النفط عاملاً رئيسياً في توحيدها، وما يدور على الأرض تحت أعين المحتلين هو تقسيم للعراق الغني بالنفط والمياه والزراعة والعنصر البشري وإضعافه وأهله سياسياً واقتصادياً وتنموياً. وأصبحت الأمة العراقية اليوم وهي التي تملك تلك الثروات الهائلة، ونص الدستور الذي أشرف على صياغته المحتل في المادة 11 منه على أن"النفط والغاز ملك للشعب العراقي"، كالذي يتسوّل يطلب لقمة العيش، وينتظر الصدقة من المحتلين ورؤوس الفساد من العصابات الداعمة للغازيين، طمعاً في ثروة النفط التي أطبقوا عليها وحرموا أهل الثروة منها بقوة السلاح وداسوا على الديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان، من أجل رائحة النفط الذي يرقد عليه العراق المحتل وتحول من نعمة إلى نقمة. هذا، لأن المحتلين يتصرفون بكل مقدرات العراق وعوائده من النفط ويسيطرون على إنتاجه وتصديره وتهريبه، بل وبيعه بأبخس الأثمان، والنتيجة الحتمية ان ثلث سكان العراق اليوم يعيشون داخل وطنهم من دون أن تتوافر لهم حتى الضروريات الأساسية من ماء وكهرباء ومعيشة، ناهيك ان حوالي أربعة ملايين عراقي شردوا من ديارهم إلى دول مجاورة وغيرها مهاجرون. ومشهد السيدة العراقية الذي نقلته الBBC بتاريخ 30 الشهر الماضي يبكي كل ضمير حي، وهي تنعى حالها اليوم وتتحسر على عهد الرئيس الراحل صدام حسين، فتلك السيدة تبكي حالها تحت الاحتلال ولم تتردد قائلة إنها في عهد صدام كانت مطمئنة في منزلها واليوم أصبحت وعشرة من أفراد أسرتها مشردين يعيشون تحت سقف غرفة واحدة. هذا صحيح، لأن المحتلين والفاسدين أتوا على كل شيء، وهذا هو ديدن كل احتلال على مر عصور التاريخ ولا يخرج احتلال العراق كاستثناء، فمنذ أيام الاحتلال الأولى - وقبله - وضعت الخطط، وقسمت الغنائم ففازت شركات النفط الأميركية وتليها البريطانية بمعظم الامتيازات البترولية لحقول النفط العراقية، فسيطرت الشركات الأميركية ومعها البريطانية على صناعة النفط في العراق، ففي كردستان وحدها أبرمت عقود مجحفة بحق الشعب العراقي مع 40 شركة أجنبية، على رغم أن البرلمان العراقي لم يصادق بعد على قانون النفط والغاز الذي جاءت صياغته كالدستور العراقي في ظل الاحتلال، وهذا معناه هيمنة تلك الشركات على الثروات الوطنية للدولة المحتلة وخسارة العراق وشعبه لعائدات نفطه الكبيرة. والتكييف القانوني وفق قواعد القانون الدولي وميثاق الأممالمتحدة، بل والعرف الدولي، أن ما أقدم عليه المحتلون يعتبر مخالفاً لتلك القواعد والمبادئ الدولية، فالمحتلون أقاموا أنفسهم أوصياء على ثروة أمة بالقوة وليس من حق القوة المحتلة أن تقيم من نفسها حاكماً لرسم سياسات أو إدارة ثروة بلد محتل، فهذا تكريس لإدارة القوة المحتلة في مواجهة مبادئ العدل والسلام التي أقرها المجتمع الدولي في تأسيسه لمنظمته الدولية. ومع ارتفاع أسعار النفط التاريخية منذ حط المحتل رحاله على ارض العراق حتى كسرت الأسعار حاجز 79 دولاراً للبرميل، وهي اليوم في مساحة بين 72 و76 دولاراً وبالتحديد في أوائل آب الجاري كسر سعر الخام الأميركي حاجز ال78 دولاراً قبل أن يعاود النزول ليبلغ سعره فوق 76 دولاراً، بينما كان سعر خام برنت فوق معدل 75 دولاراً وتخطى سعر سلة أوبك 73 دولاراًَ قبل ان تبدأ الأسعار مرحلة النزول التدريجي. إن هذه الأسعار المرتفعة منذ الاحتلال للعراق ونفطه هبت رياحها بسبب احتلال المحيط النفطي العراقي، ولذا بلغت عائدات منظمة الأوبك من النفط والغاز لعام 2006 حوالي 650 بليون دولاراً، ولا شك أن الدول المصدرة لهذه السلعة السحرية استفادت من ارتفاع أسعار نفوطها على رغم تدهور سعر صرف الدولار"المريض"بشكل غير مسبوق في تاريخ هذه العملة"الرديئة"التي تفرضها الإدارة الأميركية مثلما تفرض توجهاتها على قرارات مجلس الأمن والمنظمة الدولية. وإذا كان قدر العراق المنكوب ان يقع تحت وطأة الاحتلال مع هذا الارتفاع الكبير في الأسعار والمرشح لبلوغ مئة دولار إذا ساءت الظروف وركب سيد البيت الأبيض صهوة اجتهاداته للعمل على الإخلال بالعدل والسلم الدوليين، بل إن هذا السعر قد يقفز إلى الهواء ليبلغ 150 دولاراً إذا هبت رياح حرب بين العدوين أو"الصديقين"إيران وأميركا على ضفات المحيط النفطي الخليجي الذي يبلغ احتياطيه حوالي 730 بليون برميل. لكن النفط الذي نص الدستور على أنه ملك لشعب العراق وأكد القرار الأممي رقم 1483 على إيداع عائداته في صندوق التنمية للعراق على رغم ارتفاع عائداته بشكل غير مسبوق، بسبب الارتفاع التاريخي للأسعار، حرم شعب العراق حتى من النزر اليسير من عائداته عاثت به أيدي المحتل الأجنبي والسماسرة والفاسدين نهباً وسرقةً وفساداً، ولم يطبق نص دستور أو قرار مجلس الأمن ولا يحزنون. * مفكر سعودي - رئيس مركز الخليج العربي للطاقة والدراسات الاستراتيجية