سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
شركات النفط الدولية والعراق: هموم الماضي والحاضر والمستقبل . كيف يتسنى للحكومة العراقية المستقبلية الحصول على سلطات كاملة تخولها اصدار القوانين وتعديلها؟ 2 من 2
مع اعلان العراق فتح قطاعاته الاقتصادية والمالية باستثناء المصادر الطبيعية أمام الاستثمار الدولي اقترب موعد الاستحقاق الكبير: تحديد مصير العشرات من العقود التي منحتها الحكومة العراقية السابقة لشركات نفط دولية وعربية. وتحظى هذه العقود بأهمية كبيرة اذ تُقدر قيمتها، حسب مصرف "دويتشه بنك" بنحو 38 بليون دولار وتصل طموحاتها الى 4.7 مليون برميل يومياً من الطاقات الانتاجية الجديدة، لكنها تثير من الجدل السياسي والقانوني ما يعد بجعلها واحدة من الأحداث الفريدة في تاريخ صناعة النفط، كما يتضح من الدراسة القانونية التي أعدها ل"الحياة" غراهام كوب * وشارك فيها هيك تريخمان ولوران غوافيه ** من شركة الاستشارات القانونية "دنتون وايلد سابت" Denton wilde Sapte في لندن. وبعدما أوضح خبراء القانون في القسم الأول من المقال المتخصص الذي نشرته "الحياة" أمس "الوضع القانوني الراهن والمستقبلي للعقود التي تم التوصل اليها مع أطراف عراقية في فترة ما قبل تغيير النظام" انتقلوا في القسم الثاني والأخير لمعاينة أسئلة أخرى تدفع باجابتهم عن السؤال الأول الى آفاق جديدة تغطي مستقبل أعمال الشركات الدولية في العراق، وأولها "ما الذي يجب أن يحدث كي يتسنى للحكومة العراقية المستقبلية الحصول على سلطات كاملة تخولها اصدار القوانين وتعديلها وتلزم العراق تجاه أطراف دولية؟" وثانيها "من الذي يملك سلطة اتخاذ القرارات المتعلقة بالعراق في الفترة الانتقالية؟". * غراهام كوب محام شريك في قسم الطاقة والبنية التحتية في شركة الاستشارات القانونية الدولية "دنتون وايلد سابت" Denton wilde Sapte ويتخذ مقره في لندنوباريس. وتشتمل مجالات خبرته على مشاريع رئيسية ومشاريع مشتركة وامدادات الغاز والكهرباء واتفاقات النقل والعبور واتفاقات اعادة اسالة الغاز ومسائل المنافسة واجراءات اعادة التنظيم في قطاع المصادر الطبيعية. وقدم خدمات استشارية لمشاريع نفط وبنية تحتية واتصالات في العراق ومشاريع توليد الطاقة الكهربائية المستقلة IPP وثنائية الطاقة CHP في الاتحاد الأوروبي. وقدم خدمات استشارية لمملكة البحرين في مجال تطوير احتياط النفط البحري ومثل المملكة في نزاعها السيادي الحدودي مع دولة قطر لدى محكمة العدل الدولية. وقدم كذلك خدمات استشارية لعدد من مؤسسات الكهرباء والغاز الأوروبية في شؤون المنافسة ومسائل مراجعة الأسعار والرسوم. [email protected] ** هيك تريخمان ولوران غوافيه، كاتبان مشاركان هما زميلان في شركة الاستشارات القانونية الدولية "دنتون وايلد سابت" Denton wilde Sapte في لندن ويشاركان بانتظام في تقديم الخدمات الاستشارية للمشاريع الدولية المتعلقة بالطاقة. سيرة ذاتية في ما يتعلق بالشروط الواجب توافرها كي يتسنى للحكومة العراقية المستقبلية الحصول على سلطات كاملة تخولها اصدار القوانين وتعديلها وتلزم العراق تجاه أطراف دولية، يثير هذا السؤال مسألة الاعتراف بالحكومات الأجنبية. ولا بد من التميز بين الاعتراف بالحكومات والاعتراف بالدول، والفارق واضح جلي اذ أن الدولة العراقية سواء أكانت بوضعها الراهن أو المستقبلي، أي بعد جلاء قوات الاحتلال، هي ذاتها وهي استمرار للدولة التي كانت في الوجود في عهد صدام حسين. اهلية الحكومة لكن الأمر الذي قد يثير الجدل، أو لا يثيره، اذ سيعتمد الأمر على طبيعة الوضع القائم آنذاك، هو ما اذ كانت أي حكومة مستقبلية تزعم ممارسة السلطة في العراق ستتمتع بالأهلية القانونية للقيام بهذه المهمة، وبعبارة أخرى، ما اذا كانت حكومة عراقية حقيقية. ومما يؤسف له أن القانون الدولي والممارسة العملية لا يقدمان حلاً واضحاً وثابتاً لمسألة الاعتراف. عندما تحصل حكومة ما على اعتراف الغالبية العظمى من أعضاء المجتمع الدولي فالمتفق عليه على نطاق واسع أن هذا الاعتراف يمنحها الشرعية، أقله بالنسبة للدول التي اعترفت بها. لكن الاعتراف يمكن أن يأخذ أشكالا عدة اذ أن بعض الدول يعترف اعترافاً صريحاً بحكومات الدول الأخرى حالما يكون ذلك موائماً، بينما يقرر البعض الآخر طبيعة تعامله مع النظام الجديد في ضوء الظروف القائمة. الاعتراف الصريح وانتهجت الحكومة البريطانية مسلك "الاعتراف الصريح" حتى عام 1980 ولم تعترف منذئذ اعترافاً صريحاً بأي من الحكومات الجديدة. كذلك يمكن أن يستند الاعتراف الى اعتبارات أخرى. فبالنسبة لبعض الحكومات والكتاب تتركز المسألة في ما اذا كانت الحكومة الجديدة تسيطر سيطرة فاعلة على الدولة من دون مساعدة من قوات أجنبية وما اذا كانت تبدو قادرة على الاستمرار في السيطرة عل مقاليد الأمور بعد جلاء هذه القوات مبدأ السيطرة الفعلية والاعتراف بالوضع القائم. وبالنسبة لحكومات أخرى فان حكومة جاءت الى السلطة من طريق غير دستورية يتوجب ألا تنال الاعتراف الا بعد أن تصبح مقبولة لدى الشعب ما يعرف بمبدأ الشرعية أو الاعتراف الشرعي. ويتسم قرار مجلس الأمن رقم 1483 بالشح في ما يقدمه من التفاصيل ونصت فقرته التاسعة على أن المجلس: "يؤيد تشكيل، بواسطة الشعب العراقي وبمساعدة السلطة أي قوات الاحتلال البريطانية - الأميركية وبالتعاون مع المبعوث الخاص، ادارة عراقية موقتة تكون بمثابة ادارة انتقالية يديرها عراقيون الى حين اقامة، بواسطة الشعب العراقي، حكومة تمثيلية معترف بها دولياً وتسلمها مسؤوليات سلطة الاحتلال". ويبدو أن الفقرة المشار اليها تتحدث عن مسار من ثلاث خطوات. في المرحلة الأولى ومباشرة عقب سقوط النظام السابق تم حكم العراق من قبل السلطة أي قوات الاحتلال بقوة الأمر الواقع الا أن سلطات هذه السلطة، وكما سنرى لاحقا، محدودة بموجب القانون الدولي. وفي المرحلة الأخيرة ستدير شؤون العراق "حكومة تمثيلية معترف بها دوليا" وستتملك هذه الحكومة السلطات السيادية الكاملة التي تمارسها حكومة أي دولة ذات سيادة. وبين المرحلة الأولى والأخيرة تشير الفقرة التاسعة الى "ادارة عراقية موقتة" تكون "ادارة انتقالية يديرها عراقيون". يُشار الى أن الفقرة التاسعة لا تقرر وجوب أن تكون هذه الادارة المؤقتة منتخبة من قبل عراقيين. وعلى ذلك يبدو أن القرار رقم 1483 يُقر باحتمال قيام ادارة موقتة تعينها السلطة اما بتصرف أحادي أو عبر عملية استشارية لا ترقى الى مستوى الانتخابات الكاملة. كذلك يبدو أن سلطات الادارة الموقتة ستكون وسطى بين السلطات المحدودة للسلطة وبين السلطات السيادية الكاملة للحكومة التمثيلية التي ستأتي في نهاية المطاف. ويتماشى هذا الرأي مع الفقرة 16 ب في القرار رقم 1483 التي يطلب المجلس مجلس الأمن بموجبها الى الأمين العام تأجيل البت في عقود برنامج النفط مقابل الغذاء التي يشك في فائدتها وذلك الى "حين تتخذ حكومة تمثيلية معترف بها دوليا موضعها وتبت في مصير مثل هذه العقود". ويسجل التاريخ الحديث سوابق لعملية الانتقال الى حكومات تامة معترف بها عبر اتفاقات دولية ومن ضمنها اتفاقات باريس في شأن كمبوديا لعام 1991 واتفاقات دايتون للسلام الخاصة بالبوسنة والهرسك 1995. ومن الغرابة بمكان أن القرار رقم 1483 لا يساعد كثيراً في التثبت مما اذا كانت حكومة عراقية شرعية خرجت فعلياً الى الوجود ومتى حدث ذلك، لكنه يفرض في ما يبدو التزامات يفترض أن تطبيقها سيقع على عاتق حكومة ستأتي في المستقبل. اذ بمقتضى الفقرة 21 يُقرر المجلس واعتباراً من تاريخ اصدار القرار رقم 1483 وجوب ايداع 5 في المئة من عائدات مبيعات النفط والمشتقات النفطية والغاز في صندوق التعويضات المقام بموجب القرار رقم 687 لعام 1991 وان "هذا المطلب سيكون ملزما لحكومة عراقية مقامة حسب الأصول ومعترف بها دوليا وتمثيلية وأي حكومة لاحقة". من يملك سلطة اتخاذ القرارات في الفترة الانتقالية؟ ان الاحتلال لا يعطي القوات المحتلة سلطات سيادية على الأراضي المحتلة وهذا مبدأ أساسي في القانون الدولي. ويعتبر الاحتلال مرحلة انتقالية يتوجب على القوة المحتلة ابانها احترام حقوق المواطنين الى حين تتم عودة السلطة الرسمية. ويتوجب على قوات الاحتلال مراعاة مصالح السكان وكذلك الاحتياجات العسكرية وعدم استخدام سلطتها في استغلال السكان أو المصادر الطبيعية المحلية لمنفعة مواطنيها وأراضيها. وفي ما يتعلق بسلطات قوات الاحتلال، تتمتع بنود معاهدة لاهاي لعام 1907 المتعلقة بقوانين الاحتلال بقبول واسع. وتقضي المادة 53 بأنه: "يمكن لجيش احتلال أن يضع يده فقط على النقد والصناديق المالية و... الأوراق المالية والمتاجر والامدادات وبشكل عام كل الممتلكات المنقولة التابعة للدولة المحتلة التي يمكن استخدامها لأغراض العمليات العسكرية". وبموجب البند 55: "تعتبر دولة الاحتلال فقط مديراً ومنتفعاً ب… العقارات والغابات والمزارع المملوكة للدولة المعادية وتقع ضمن حدودها. ويتوجب على دولة الاحتلال الحفاظ على أصول هذه الممتلكات وادارتها طبقا لقوانين الانتفاع". ان القاعدة الأساسية اذاً هي أن الاحتلال يمكن أن يتصرف بالممتلكات المنقولة شرط أن يتم استخدامها للأغراض العسكرية لكن ذلك لا ينطبق على الممتلكات غير المنقولة. وبالنسبة للنفط الذي تم استخراجه من باطن الأرض، يمكن بالتأكيد اقامة الحجة على أنه يقع في التصنيف الأول. وسبق للعراق أن استخدم الحرائق النفطية والآبار لأغراض عسكرية. الا أن النفط غير المستخرج من مكامنه تحت الأرض يُعتبر مسألة شديدة التعقيد. ويمكن القول ان أي قوة احتلال تسعى لانتاج النفط من آبار الدولة المحتلة وبيعه انما تعرض نفسها لمخاطر تجاوز دورها المسموح به كمدير للممتلكات غير المنقولة وتنتهك مسؤوليتها في الحفاظ على أصول الدولة المحتلة أو ادارتها وفقا لقوانين الانتفاع. المثال الالماني وهناك بالطبع وجهات نظر أخرى، في حال ألمانيا في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية يبدو أن السياسة التي انتهجتها السلطات البريطانية والأميركية قامت على معاملة النفط الخام معاملة مادة حربية يمكن استخراجها من باطن الأرض ونقلها للاستخدام خارج الأراضي المحتلة. وتم التوصل الى استنتاج مماثل في ما يتعلق باحتياط مناجم الفحم في الدول التي احتلها الحلفاء. وحتى أن بعض الكتاب رأى أن معاهدة لاهاي لا تسري على وضع نجم عن ازالة نظام استبدادي. واستشهاداً بما يقوله واحد من الكتاب المحترمين: "تسعى قوانين الاحتلال العسكري لحل وسط بين الضرورات العسكرية وبين مصالح السكان. وتسيطر على هذه القوانين فكرة أن السكان ليسوا محاربين وأن القوات الغازية يتوجب عليها وباستطاعتها حصر تدخلها في أسلوب معيشتهم في أضيق الحدود الممكنة. لكن هذه القوانين بعيدة كل البعد عن مناخ الدولة الاستبدادية التي تجبر الأطفال بقدر ما تجبر الشيوخ على الانضواء في خدمتها. وتتوقع هذه القوانين من الطرفين مستوى من السلوك يغدو غير عملي بينما كل عمل من أعمال الدولة المحتلة يعبر عن مبدأ تشكل ازالته الهدف الرئيسي للحرب". وصدر هذا الرأي قبل خمسين عاماً في شأن ألمانيا في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية لكن لا شك أن محاولات ستُبذل لإقامة الحجة على أنه ينطبق أيضا على العراق. ومن جديد تجنب القرار رقم 1483 بحذر معالجة المسألة مباشرة لكنه في ما يبدو أخذ الحقائق العملية في الحسبان اذ تنص الفقرة 20 على ان المجلس: "قرر أنه اعتباراً من تاريخ تبني هذا القرار يتوجب أن تتوافق كل صادرات النفط والمشتقات والغاز الطبيعي العراقية مع أفضل الشروط القائمة في الأسواق الدولية وأن يتولى محاسبون عامون مستقلون تدقيقها ورفع تقاريرهم في شأنها الى مجلس الاستشارة والمراقبة الدولي لضمان الشفافية. وقرر أيضا أن... كل عوائد هذه المبيعات يتوجب ايداعها لدى صندوق تنمية العراق الى حين تشكيل حكومة عراقية تمثيلية معترف بها دولياً وتسلمها مقاليد الحكم حسب الأصول المرعية". وهكذا فان مجلس الأمن ومع عدم منح قوات الاحتلال موافقته الرسمية على المبيعات النفطية الا أنه يتعامل مع نتائج هذه المبيعات ويُقر ضمنيا باحتمال حدوثها. ويختلف الأمر بالنسبة لعقود اعادة البناء والتنمية اذ خول القرار رقم 1483 قوات الاحتلال صراحة صلاحية انفاق عائدات مبيعات النفط العراقي الفقرة 14 بأسلوب شفاف "لتلبية الاحتياجات الانسانية للشعب العراقي واعادة الاعمار الاقتصادي واصلاح البنية التحتية العراقية واستمرار عملية ازالة الاسلحة العراقية ونفقات الادارة المدنية العراقية وأغراض أخرى تفيد شعب العراق". وتعكس الفقرة المشار اليها، وحسب ما هو معلوم تماماً، واقعاً قائماً بالفعل حيث بدأت أميركا بارساء عقود اعادة الاعمار في العراق. لكنه يحتمل ان تُثار تساؤلات، أقله في المستقبل، في شأن ما اذا كانت عملية ارساء العقود على الشركات الأميركية حصراً تلبي متطلبات شرط الشفافية في ما يتعلق بصندوق التنمية. وتلخيصا لما سبق لا يوجد لأي من الأسئلة التي عُولجت جواباً بسيطاً. وسعت الأممالمتحدة، ربما بدافع اعادة تأكيد سلطتها في أوضاع دولية تزداد تعقيدا باطراد، لتقديم أجوبة بسيطة لبعض، وبالتأكيد ليس لكل، المسائل المثارة. ويبدو الآن أن هناك اقراراً عاماً بان القرار رقم 1483 لا يقدم اجابات شافية للمسائل القانونية المتعلقة باعادة اعمار العراق ويعد مجلس الأمن بالتالي لاصدار قرار آخر على رغم أن بنود هذا القرار لا تزال موضع جدال حاد. وعلى أي حال، وكما رأينا آنفا، لا الأممالمتحدة ولا أي مؤسسة دولية أخرى تحتكر عملية اصدار أحكام القانون الدولي وفي المحصلة النهائية تظل كل دولة سيدة الموقف على أراضيها. وأحد الاستنتاجات التي يمكن الخروج بها بدرجة معقولة من اليقين هي أنه يتوجب على الشركات الدولية أن تنشد أفضل مشورة قبل الزام نفسها في العراق وأن تسأل نفسها: "من صاحب القرار في العراق". انتهى