ككل الأصوات، يخضع صوت المغني إيهاب توفيق إلى تقويم متفاوت بين إيجابي وعادي في أقل الاحتمالات، لدى الجمهور العربي. ذلك ان هذا المغني ينتمي صوته إلى الفئة"الرقيقة"الحجم، يقدّم أحياناً أغاني تكشف إمكانات أدائية متميزة، وأحياناً أغاني تختفي خلف حجاب سميك من الإيقاع والرقص والحركة"الشبابية"، وفي الحالين يحرص على ان يكون أميناً على ما يستطيع أن يفعل لا على ما يدعي النجوم عادة انهم يستطيعون ان يفعلوا. وهذه نقطة تسجّل لمصلحته، إذ انه في الأغاني الخفيفة يمارس نوعاً من اللعب الأدائي اللطيف والمحبب، وفي الأغاني الرومانسية يمارس طقساً تعبيرياً هادئاً ومعبأ بالإحساس. وأكثر ما ينتبه الجمهور إليه في أغاني إيهاب توفيق هو أنها لا تكذب عليه، بل تقيم حواراً ودياً معه سواء في الأفكار العاطفية المطروحة فيها أو في الألحان المتطابقة مع تلك الأفكار. لكن كل ذلك يمكن ان يذهب هدراً عند جمهور كبير يميل إلى الأصوات القوية التي تُبقي الارتباط قائماً مع المنطق"القديم"الذي يرى الصوت في مساحته العريضة أو الواسعة لا في المساحة المحدودة ولو كانت مُنَظَّمة. هنا يحدث التفاوت بين نظرة ونظرة أخرى إلى تجربة إيهاب توفيق وصوته وأغانيه. يعرف إيهاب توفيق انه نتاج زمن آخر غير الزمن"القديم"الذي لا يزال بعض الجمهور متعلقاً به. ويعرف أن موهبته هي في اختيار الأغاني المناسبة له أدائياً والتي تستميل الإعجاب أكثر مما هي في الصوت القوي بحد ذاته، على رغم انه يتعامل مع صوته بكثير من الاهتمام والرعاية والدقة. ولعله بهذا التوجه يعمّق قدراته الأدائية ويمدّها بشحنات من الانفعال تغطي أحياناً على الانطباع بأنه صوت سريع العطب. وينجح توفيق في ذلك مستمداً من خبرته الفنية ومن ثقافته الأكاديمية عناصر الاستمرار والثبات. فإيهاب توفيق ليس أي مغن. انه دكتور بالمعنى العلمي، وأطروحته في الغناء العربي توسّع له مكاناً ليس بين أهل الغناء فقط، بل أيضاً بين المثقفين والمنظّرين لأساليب الغناء العربي. وقد حصل على الدكتوراه بعد اجتهاد طويل راجَع فيه وثائق فنية أدائية قديمة جداً، واطلع على نتاج المراحل المتعددة من تطور الغناء، ووضع يده على بعض الحقائق الفنية التي لم تكن شائعة. صورته العلمية هذه ? وهذا من غرائب الإعلام العربي ? غير معروفة إلاّ في حدود ضيّقة، لأن اكتفاء المقابلات التلفزيونية والإذاعية والصحافية من إيهاب توفيق بصوته وأغانيه وكليباته من دون أي إشارة إلى أطروحته الجامعية تلك، يحصر المشهد عبر حدّ واحد هو حدّ النجومية الغنائية، ويغفل الحد الآخر الذي هو المعرفة الفنية المكثفة والعميقة لدى هذا المغني الذي لم يكتفِ كغيره بأضواء من خارج، وانما اختار أضواء من داخل مكملاً صورة أرادها لنفسه يتفوق فيها على كل مجايليه وعلى غير مجايليه، خصوصاً ان تهمة الجيل الجديد في الغناء هي ابتعاده من المقاييس الفكرية في القياس، واعتماده مقاييس ارتجالية غالباً، ونادراً مقاييس حقيقية مفيدة ناتجة من خبرة ومعاناة. لذلك، فإن من يستمع إلى أغاني إيهاب توفيق، وإلى أحاديثه الإعلامية حول فنه، تبقى معلوماته حوله ناقصة نقصاناً بيّناً لأنها تركز على نصف الحقيقة الفنية والشخصية لإيهاب، اما النصف الآخر المبني على ما في عقل هذا المغني وذاكرته من الجماليات فمتروك. والحل هو بأن يطلب إيهاب من أصحاب البرامج التلفزيونية التي يحل فيها ضيفاً تخصيص جزء معين من الكلام لمناقشة أحوال الغناء العربي وتحولاته، وتنوع الأساليب الأدائية، فيكسب الجمهور بعضاً من الثقافة الفنية التي تمكّنه ربما من الحكم الصحيح أكثر فأكثر على ما يسمع بدلاً من ان تتكرر أمامه المواقف والأفكار المعروفة للنجوم. في إيهاب توفيق سرّ لم يعد سرّاً: انه الأذكى في اختيار الأغاني التي تُصيب في مشاعر الجمهور مطارح حميمة. فإذا رقّص محبيه، رقّصهم على خلفية كلام ولحن راقيين. وإذا دعاهم إلى التأمل العاطفي الرومانسي كانت الدعوة مقبولة على خلفية فكرة جميلة. هي معادلة النجوم الذين يدرسون المنطق ويأتمرون بأمره!