إذا كان التهذيب صفة يمكن ان تضاف الى الموهبة الغنائية فإن الفنان ماجد المهندس يكاد يكون المغني الأكثر تهذيباً في العالم العربي، و«موهبته» في التهذيب توازي موهبته في الغناء، الى درجة يصعب معها مثلاً تصديق مسألة طلاقه من زوجته على المعايير التي تحكم، منذ قديم زواج الفنانين، بأن الأجواء و «الأوساط» الفنية تودي بالشروط اللازمة لبناء عائلة. ماجد المهندس مطلق، ولديه ولد اسمه محمد، وقد أنشد له في ألبومه الأخير «اذكريني» أغنية خاصة بعنوان «حمودي». ومع ذلك لم يخسر اللقب او الصفة التي تسبق اسمه أو تليه، «الفنان المهذب»، لدى معظم وسائل الإعلام والعارفين... من دون الدخول في حيثيات الحياة الخاصة لهذا الفنان العراقي المعذب... جملة وتفصيلاً قبل احتلاله موقعه الراهن في الأغنية العربية المعاصرة، فللبيوت حرمات وأسرار. لنا من ماجد المهندس ما يقدم من الأغاني، وما يقول من الآراء في الفن والفنانين. آخر نتاجه الفني ألبوم «اذكريني» الذي أُطلق في احتفال كبير في بيروت، وفيه مجموعة من الأغاني بلهجات متعددة: العراقية والمصرية وغيرها، المتعددة الألوان: الكلاسيكي والفولوكلوري و«الطربي»، المتعددة الأهداف: الوصول الى فئات الجمهور كافة إذا استطاع المهندس الى ذلك سبيلاً: جمهور النخبة وجمهور الرقص، جمهور الأذن وجمهور القلب. وعلى رغم صعوبة مبدأ الحصول على إعجاب «أكثر» الجمهور، فإن تفتق صوت المهندس عن طاقات مخبوءة، و تعميقه للطاقات المعروفة عنده، وبحثه عن أفضل ما يمكن من نوعية الأغاني كما يبدو في هذا الألبوم ... كلها عناصر جعلت من «اذكريني» موعداً متميزاً للمهندس مع الناس، بل مع صوته، وهذا هو الأهم. لعل أفضل ما يفعله ماجد المهندس في أغانيه هو انه يغنيها تعبيراً عن عشق لها، يضاف الى كونه يغنيها تعبيراً عن اعجاب بكلماتها وألحانها. العشق الأدائي قيمة مضافة في المرتبة الأولى و يتساوى مع الإعجاب بها، فالصوت في هذه الحال، يجعل الأغاني فيضاً من الموج العاطفي المتدفق. من النادر ان لم يكن من المستحيل ان تستمع الى أغنية من المهندس لا يحبها، أو يحبها ولا يحبها في آن واحد. بعض أهل الغناء يضمون الى ألبوماتهم أغاني قد تكون «تكملة عدد» بحسب تعبير النجوم أنفسهم. ماجد المهندس لا يرتكب هذا الفعل الخاطئ... أو على الأقل هذا ما نستخلصه من درجة الانسجام بين صوته وأغانيه. تدخل الكلمات والألحان في نسيج الصوت الذي يكاد يذوب رقة وعذوبةً إذا كانت الأغنية رائقة هادئة، وحبوراً وحركةً اذا كانت الأغنية راقصة أو إيقاعية. وإذا كان الجمع بين ألوان غنائية عدة، بينها الفولوكلوري العراقي، أمراً يحتاج مهارة وإتقاناً و طواعية حقيقية، فإن في صوت المهندس ما يدل على انه يحمل تلك الخبرة المضيئة. على ان بعض الأغاني في البوم «اذكريني»، على قلتها، لا يقول كلامها جديداً في الفكرة، ولا يقول لحنها معنى يستحق العناء. صحيح أن المهندس يؤدي هذه الأغاني بصدق وشفافية وعمق، لكنه صدق الصوت وشفافيته أكثر مما هو صدق الكلمات والألحان و شفافيتها، وعمق الصوت أكثر مما هو عمقها هي. وبسهولة يمكن التفريق بين هذه الأغاني «العابرة»، وتلك الأغاني «المقيمة»: تلك عابرة لأن الاستماع اليها لا يتكرر كثيراً، اما المقيمة فتقيم في الذاكرة وتحفظ وتضاف الى مسيرة هذا المغني العراقي الذي لم يصل الى النجومية إلّا بعد طول أناة وعناد ومقارعة اليأس في عقر داره. تردد ان تكاليف إطلاق البوم «اذكريني» بلغت مئتي ألف دولار، وأن المهندس دفعها بنفسه، في مقابل أخبار قالت إن المبلغ صحيح لكن من دفعه هو «روتانا». في الحالين... يستحق ماجد المهندس.