رحّل المغرب وجبهة "بوليساريو" خلافاتهما حول مستقبل الصحراء الغربية إلى جولة مقبلة من المفاوضات، يرجح أن تستضيفها عاصمة أوروبية نهاية العام الجاري. وأخفقت جهود الوسيط الدولي بيتر فان فالسوم في تقريب وجهات النظر المتباعدة إزاء مضمون قرار مجلس الأمن الرقم 1754 ومفاهيم السيادة وتمثيل السكان. واتهم الطرفان بعضهما بعضاً بعرقلة المفاوضات. واعتبر وزير الداخلية المغربي شكيب بن موسى الذي قاد وفد بلاده إلى مفاوضات منهاست في نيويورك التي انتهت أول من أمس، أن مواقف جبهة"بوليساريو"اتسمت بالجمود والتصلب والتشبث بمخططات واقتراحات"تبيّن عدم قابليتها للتطبيق"، في إشارة إلى تمسكها بإجراء استفتاء لتقرير المصير وفق خطة الوسيط الدولي السابق جيمس بيكر. وأسف ل"عدم انتهاز الطرف الآخر الفرصة التي أتاحتها هذه الجولة من أجل إحراز بعض التقدم في مسار البحث عن حل سياسي للنزاع". وعبر عن امتعاضه بسبب"خرق"وفد"بوليساريو"إجراءات الثقة التي شددت عليها الأممالمتحدة، موضحاً أن تصريحات أعضاء الوفد"قبل المفاوضات وخلالها تميزت بطابع القذف والاستفزاز في خرق سافر لما تم الاتفاق عليه مع المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة بيتر فان فالسوم". بيد أنه أعرب عن أمله في"أن تستوعب الجزائر وبوليساريو مع مرور الوقت عمق خطة الحكم الذاتي وأبعادها، وأن تنخرط في مفاوضات جادة ومسؤولة". وجدد استعداد بلاده ل"التعاون بحسن نية وإرادة صادقة مع المجموعة الدولية لطي هذا الملف نهائياً وتجنيب منطقة المغرب العربي كل أسباب التوتر والتفرقة والتعاون مع الأممالمتحدة بما يتطلبه ذلك من حكمة ومسؤولية لإنهاء معاناة اخواننا وأبنائنا في مخيمات تندوف". وأضاف أن المغرب"التزاماً منه بمواصلة الحوار وجهود المصالحة، أعطى موافقته المبدئية على عقد جولة ثالثة من المفاوضات"، موضحاً أن موعد هذه الجولة ومكانها لم يحددا بعد"خصوصاً أن المغرب على أبواب استحقاقات انتخابية ستتمخض عن تشكيل حكومة جديدة". وفي المقابل، نددت"بوليساريو"بموقف الوفد المغربي. ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية عن مستشار رئيس الجبهة الذي شارك في المفاوضات راضي بشير صغير، أن"المغاربة متشبثون بموقفهم. ولا يريدون التحدث سوى عن الحكم الذاتي، ليست لديهم أي مبادرة أخرى، ولا يريدون مبادرات". وأضاف أن المحادثات"كانت دون المستوى الذي كنا نتوقعه". وأشار إلى أن المفاوضين المغاربة"يكررون الخطاب ذاته بشأن الحكم الذاتي، ولا يريدون التطرق إلى المواضيع والملفات الأخرى، كالمسائل المتعلقة باللاجئين والمعتقلين والثروات الطبيعية واستغلالها، وكذلك التنقل الحر للأشخاص". غير أنه أكد استعداد الجبهة مواصلة المحادثات"قريباً للبحث عن حل سياسي يقبله الطرفان". واتهم المغرب بالسعي إلى"عرقلة المفاوضات بأي ثمن". وكانت المحادثات ركزت في جولتها الثانية على إجراءات الثقة، وتناولت تفاصيل الإدارة المحلية التي تضمنها اقتراح خطة الحكم الذاتي المغربي. وشددد بن موسى على أهمية مشاركة الجزائروموريتانيا في ايجاد حل نهائي للنزاع، ف"الجزائر معنية بالنزاع، كونها تؤوي مجموعات تندوف فوق أراضيها، ونحن نعرف التأثير الذي تمارسه على بوليساريو، فيما تقيم أعداد كبيرة من الصحراويين في موريتانيا ما يفسر روابطها بالقضية". وكان فان فالسوم قال عقب انتهاء الجولة الثانية من المفاوضات أول من أمس إن الطرفين أقرا بأن حال الجمود الحالية"غير مقبولة"، واتفقا على إجراء جولة جديدة من المفاوضات. وأكد أن الطرفين التزما"مواصلة هذه المفاوضات بحسن نية"، موضحاً أنه سيتم"إجراء المشاورات الملائمة حول موعد الجولة المقبلة ومكانها". وقال:"أنا سعيد لأننا تمكنا من إجراء مفاوضات معمقة تفاعل خلالها الطرفان مع بعضهما بعضا وقدما وجهات نظرهما"في ما يخص تطبيق قرار مجلس الأمن الرقم 1754. في غضون ذلك، دعا المغرب الأممالمتحدة إلى إجراء إحصاء دقيق وشامل للاجئين في مخيمات تندوف جنوب شرقي الجزائر، معرباً عن أسفه لعدم تمكن مفوضية اللاجئين من إحصاء سكان المخيمات"الذين يعيشون ظروفاً صعبة". وأبدى استعداده المشاركة في تعزيز إجراءات الثقة والبحث في سبل توسيعها لتشمل تدابير جديدة ذات بعد إنساني، في اشارة الى تبادل الزيارات بين العائلات الصحراوية. وبدا مدير الدراسات والمستندات الاستخبارات الخارجية المغربية محمد ياسين المنصوري متفائلاً إزاء مستقبل المفاوضات مع"بوليساريو". وقال:"على رغم التصريحات المتحاملة لأعضاء في وفد الجبهة، فإن هذه المحادثات كانت ايجابية". وأضاف:"شكلت الجولة الثانية مرحلة مهمة، وسجلت تطوراً ايجابياً ومكنت من بحث نقاط أساسية في صلب المبادرة. والمغرب عازم على السير قدماً بصبر ويد ممدودة، لأننا نريد أن تنجح مبادرة الحكم الذاتي".