نزاع الصحراء في طريقه إلى أن يصبح متجاوزاً. أقله أن مفاوضات مانهاست بين المغرب و "بوليساريو"، من غير استثناء الجزائر وموريتانيا كطرفين مراقبين، تعني أن الخطوة الأصعب في الألف ميل بدأت. وعندما تقول"بوليساريو"إن اقتراح الرباط حول الحكم الذاتي ليس الوحيد، فإنها تطمح في استبعاده كأرضية مفاوضات، لكنها لا تقدم بديلاً يكون أقرب إلى مفهوم الحل السياسي الذي تتبناه الأممالمتحدة، كونه يقطع مع كل الاقتراحات والتصورات السابقة التي قادت إلى المأزق الراهن. ومصدر التباين في الموقف أن واقع"بوليساريو"يناقض طلبها تقرير المصير، لأنها في الوقت الذي تطرح المبدأ وسيلة لإنهاء النزاع عبر الاستفتاء أو غيره تكون خرقته من خلال إعلانها قيام"الجمهورية الصحراوية"من طرف واحد ومن دون أي استشارة ديموقراطية. بيد أنها حين تشير إلى اعتبار الحكم الذاتي واحداً من خيارات عدة تكون تقدمت خطوة إلى الأمام لناحية عدم الرهان على خيار الاستقلال، وإن كان الأرجح أن الاستفتاء لا يقود بالضرورة الى الاستقلال، تماماً كما أن تنازل الرباط عن مفهوم الدمج الكامل يشكل تحولاً جلب دعم عواصم القرار الدولي، ففي النهاية يبقى نزاع الصحراء أقل حدة، لكنه أكثر إثارة للمخاوف جراء تحوله إلى استنزاف وعدم استقرار يفسح في المجال أمام المجهول. وقد لا يكون مصدر الدعم الأميركي الواضح للرباط انحيازاً لها على حساب آخرين، ولكنه محاولة لجمع جهود المنطقة لمواجهة تحديات أكبر، ليس الإرهاب والفلتان الأمني وشبح"البلقنة"أقلها خطورة. ومع أن الأجندة الأميركية لا توافق طموحات المنطقة المغاربية كلياً، فإنها تضفي على الواقع الراهن بعداً سياسياً، لجهة عدم حدوث تغيير في الخرائط والحدود، ما يجعلها تلتقي ومنطق الاتحاد الأوروبي الذي أبرم والمغرب شراكة سياسية واقتصادية في حدوده التي تشمل المحافظات الصحراوية، كما في اتفاق الصيد الساحلي ذي البعد الاستراتيجي. تختلف مفاوضات مانهاست عن تجارب سابقة، كونها تضم الجزائر وموريتانيا إلى جانب المغرب و"بوليساريو". وسبق أن تمنى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على دول المنطقة، وتحديداً الجزائر وموريتانيا، المساعدة في الحل، ما يعني أن المسؤوليات مشتركة بين الأطراف كافة كي لا يتذرع أحد بأنه ليس طرفاً معنياً. ذلك أن الحل الوفاقي المطلوب لا يقتصر على التزامات المغرب و"بوليساريو"في التعاون وبناء الثقة والتخلص من الأفكار والشروط المسبقة، ولكنه يشمل الجوار الإقليمي، من منطلق أنه لولا وجود خلافات وتناقضات سياسية في المواقف بين المغرب والجزائر مثلاً لما تأتى لنزاع الصحراء أن يدوم أكثر من ثلاثة عقود. ولا يفترض أن تسقط الجزائر التي تدعم المنتسبين إلى"بوليساريو"في نزاعهم مع المغرب من حساباتها أن هناك متحدرين من أصول صحراوية يوالون المغرب، وفي إمكان هؤلاء وأشقائهم أن يهتدوا إلى أفضل صيغة وفاقية في جمع الشمل. وفي الوقت الذي تنعقد فيه مفاوضات مانهاست تتم لقاءات بين العائلات الصحراوية الآتية من مخيمات تيندوف والذاهبة من المحافظات الصحراوية في مبادرة انسانية ترعاها مفوضية اللاجئين لجمع الشمل وبناء الثقة. ولو ترك لجميع المتحدرين من أصول صحراوية أن يختاروا منهجية تقرير المصير، لكان الرهان على وحدة الأسر الصحراوية في إطار الحرية والكرامة والمشاركة الديموقراطية أفضل خيار. ما هو إيجابي في مفاوضات"لا غالب ولا مغلوب"انها تلتئم برعاية الأممالمتحدة، فالقرار باعتمادها وسيلة للتوصل إلى حل وفاقي أصدره مجلس الأمن، وهو ملزم بقدر ما تبدي الأطراف من جدية وصدقية في الامتثال والتعاون. وبصرف النظر عن حظوظ ونوازع الاخفاق أو النجاح في مفاوضات كهذه، فإن ما ترعاه وتضمنه الأممالمتحدة يمكن أن يكون أكثر قابلية للاستمرار والوفاء بالتعهدات. وكما قال الأميركيون، فإن الحكم الذاتي يشكل أحسن قاعدة للمفاوضات وثبت في السياسة الواقعية أن التغيير عبر آليات الدمج والمشاركة الديموقراطية أفضل من الرفض من الخارج. وما يجب أن يوضع في الاعتبار ليس خلفيات وأبعاد استمرار نزاع الصحراء فقط، ولكنها الأوضاع المأسوية للاجئين في تيندوف التي تقول"بوليساريو"نفسها إنها تجاوزت حافة الكارثة الإنسانية.