شكا توني بلير من أن الصحافة تخلط الخبر بالرأي News, Views، وقال ان الصحافيين يتصرفون كوحوش كاسرة. عندي ألف اعتراض على سياسة رئيس وزراء بريطانيا السابق، الا ان خلط الرأي بالخبر ليس بينها، فالتفريق بينهما أحد أول دروس الصحافة العصرية. وأحاول جهدي في هذه الزاوية أن أعرض ما عندي من معلومات لأخلص منها الى رأي بنيته على أساسها، سواء في أحداث أو أشخاص. ومعلوماتي دائماً من مصادر مباشرة، أي ما أقرأ بالعربية والانكليزية، مع اتصالات هاتفية بالمسؤولين، وهم عادة وزراء خارجية وإعلام، أو قياديون فلسطينيون وغير ذلك. وهكذا، وعلى أساس ما عندي من معلومات سجلت غير مرة ان احمد الجلبي، وهو رجل لا أعرفه شخصياً ولا أريد أعرفه،"واطي". المعلومات من ألف مصدر: - الجلبي كان شريك بول وولفوفيتز ودوغلاس فايث وبقية المحافظين الجدد من أعداء العرب والمسلمين وقدم شهود زور على أسلحة الدمار الشامل في العراق لتبرير حرب عليه. - الحرب قتلت مليون عراقي، إما في شكل مباشر أو غير مباشر، ودمرت البلد وأطلقت حرباً أهلية، ونصيب الجلبي من المسؤولية عن الحرب كبير، وهو لا ينكر دوره. - المؤتمر الوطني العراقي تلقى حوالى مئة مليون دولار من الاستخبارات الأميركية، بحسب مصادر أميركية عدة بينها مجلتا"نيويوركر"و"رولنغ ستون"اعتماداًَ على تصريحات مسؤولين، ووثائق منشورة تظهر أن الجلبي أو حزبه يقبض 326 ألف دولار في الشهر. - الدفع أوقف عندما قاوم الجلبي التدقيق في حسابات حزبه، فقد توافرت للمحققين الأميركيين أدلة على سرقة وتهريب فلوس وتقديم فواتير متكررة عن العمل الواحد أو لا عمل أحياناً. - الشرطة العراقية، تساندها قوات أميركية، داهمت مكاتب الجلبي وحزبه في بغداد طلباً لوثائق تثبت السرقة والتزوير. - أحد"شهود"الجلبي على أسلحة العراق المزعومة كان عدنان احسان سعيد الحيدري، الذي زعم أن العراق على بحيرة من أسلحة الدمار الشامل، إلا ان جهاز كشف الكذب أكد كذبه، فكان أن الجلبي وشركاءه سربوا الشهادة الكاذبة الى جوديث ميلر، للنشر في"نيويورك تايمز"وبناء حجة الحرب. - في الاردن أحمد الجلبي محكوم عليه بالسجن 22 سنة بعد أن دانته محكمة عسكرية أردنية سنة 1992 بالاختلاس والسرقة والتزوير والمضاربة بالأموال في قضية بنك البتراء المشهورة. أستطيع أن أمضي الى ما لا نهاية، إلا أنني على أساس ما سبق، وأهمه دور الجلبي في الحرب على العراق، خلصت الى رأيي المسجل فيه انه"واطي". ويستطيع القارئ أن يتفق معي أو يعارضني، فهذا حقه. وكل ما أزيد دعماً لرأيي أن الشعب العراقي أدرك في النهاية حقيقة هذا الرجل، ففي انتخابات البرلمان الأخيرة، حصل حزبه على نصف واحد في المئة من الأصوات، ولم يفز بأي مقعد على رغم كل ما أنفق من أموال. وأعتقد بأن الناخبين العراقيين حاسبوه كذلك على دوره في اجتثاث البعث الذي تسبب مع تسريح الجيش في اطلاق مقاومة وإرهاب يكادان يدمران العراق. طبعاً الجلبي يملك مالاً كثيراً من سجله الحافل، وعنده حزب من طينته، فكان أن تعرضت لحملات لم تتوقف بعد، حتى أن بعضهم قال انني من"سي آي ايه"وهذا ممكن فقط اذا كنت من المؤتمر الوطني العراقي. لو كان عندي ما أخاف عليه أو منه لما دخلت هذا المدخل، غير أنني لا أخاف سوى ربي، وقد لزمت الحذر في علاقاتي العامة والخاصة حتى استطيع أن أبدي رأيي بحرية، في جريدة شببت فيها وشبت، وناشرها يحمي حرية رأي جميع العاملين فيها. لم أسمع رداً واحداً ينفي المعلومات المتوافرة عن أحمد الجلبي، وهو لم ينكر دوره في الحرب عندما قال:"كنا أبطالاً في الخطأ"، أي بطل في تدمير وطنه السابق، فقد تركه في أوائل المراهقة وعاد اليه على دبابة أميركية. الردود كانت من نوع أنني من جماعة صدام حسين أو انني عارضته بعد سقوطه فقط. هنا أيضاً التاريخ معروف وموثق بقدر ما أن سجل المؤتمر الوطني معروف وموثق. وجريدة"الحياة"كلها، لا أنا وحدي، عارضت صدام حسين ونظامه قبل الحرب، عندما كان في أوج سلطته وتسلطه وغطرسته، وقد هُددنا أربع مرات في سنة 1990 وحدها وقبل احتلال الكويت، فقد نشرت"الحياة"بيان المعارضة العراقية في الخارج، ومقالاً للأخ العزيز جلال طالباني، الرئيس العراقي الآن، ودافعت عن الصحافي فرزاد بازوفت الذي أعدمه صدام. وفي 14/7/1990، أي ذكرى الثورة، نشرت في هذه الزاوية مقالاً هاجمت فيه الحاكم الديكتاتور الذي يزعم أنه يريد أن يلقي اسرائيل في البحر أو يحرقها، كما قال صدام حسين في حينه. والنتيجة أن عبدالرزاق الهاشمي، سفير العراق في باريس، اتصل بي مهدداً، وقال: لا تفتكروا أنكم"الهيرالد تريبيون"نحن نأتي بكم من حيث كنتم. وردت"الحياة"على التهديد بنشر المقال مرة ثانية، فكان المقال الوحيد لي الذي نشر مرتين. أين كان أبطال المؤتمر الوطني العراقي عندما كنا نواجه صدام حسين وحدنا؟"الحياة"كانت الجريدة العربية الوحيدة التي أصدرت عدداً خاصاً عن احتلال الكويت في 2/8/1990، والناشر الأمير خالد بن سلطان كان قائد القوات المشتركة ومسرح العمليات في حرب التحرير، وبقينا على عداء مع صدام حسين حتى سقط، وعشنا لنرى جرائم ترتكب بحق العراق أبشع مما فعل صدام حسين. عندي في العراق ألف صديق، في مقدمهم الرئيس جلال طالباني الذي يرفض أن أخاطبه بغير عبارة"مام جلال"، وعندي من الرئيس والسيدة زوجته دعوة قائمة لزيارة العراق لن أنفذها طالما انه تحت الاحتلال. هذا التعليق هو الأخير عن الجلبي وحزبه، وما كنت لأرد لولا خشيتي أن يعتقد أنصار الشيطان أنني أخشى مواجهتهم.