بتولي السيد جلال طالباني زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني، منصب رئاسة الجمهورية في العراق، تفاءل الأكراد في كل مكان خيراً، خاصة في تركيا، بأن هذا المنصب سيضع حداً للضغوط التركية على أكراد العراق، وينهي مرحلة استجابة الأحزاب الكردية، خصوصاً الوطني الكردستاني، للمطالب التركية، لجهة التحريض ضد حزب العمال الكردستاني في كردستان العراق، على اعتبار أن الوضع الناشئ في العراق قد أخرج جوازات السفر التركية من جيوب الزعامات الكردية، وجعلهم بمنأى عن تهديدات الأتراك، بسحب هذه الجوازات منهم، بين الفينة والأخرى، كلما أحس الأتراك بضرورة تذكيرهم ب"منَّة"تركيا عليهم. لكن وكما يبدو، فان الاستجابة للمطالب التركية من الوطني الكردستاني، باتت عقدة دائمة ليس من السهل الفكاك منها. وبالعودة الى علاقة الوطني الكردستاني مع أكراد سورية وتركيا وإيران، نجد أن هذا الحزب كان يرجِّح دائماً كفَّة مصالحه الحزبية على المصالح القومية، التي يُفترض أن تشغل حيّزاً من فكر وحراك هذا الحزب. بمعنى أن يستثمر علاقته مع انظمة الدول المذكورة للدفع باتجاه إيجاد حلول للقضية الكردية في تلك الدول. لكن ما حصل أن الوطني الكردستاني لم يكن يتهرَّب من تناول الشأن الكردي في هذه الدول، بداعي"عدم التدخُّل في شؤونها"وحسب، بل كان يتستَّر على مظالم الأكراد، نتيجة الغبن والقمع اللاحق بهم، من قبل أنظمة الدول التي كان على علاقة وطيدة معها. وربما كان هذا التعاطي للوطني الكردستاني مبرراً قبل سقوط النظام العراقي. بمعنى، عندما كان الرئيس طالباني معارضاً، وبأمسِّ الحاجة الى العلاقة مع أنقرة وطهران ودمشق، كان يحرص أن تبقى الأجواء بين حزبه وبينها"صافية"، وصولاً لكسب رضاها وودها. لكن الآن، لم يعُد من المقبول كردياً، أن يبقى الاتحاد الوطني مطواعاً للقرار العسكري التركي، مثلاً. في الآونة الأخيرة، بدأت قبضة الضغوط التركية تشتد على حزب العمال الكردستاني داخل وخارج العراق. خارج العراق، عبر الحشود العسكرية على الحدود العراقية - التركية، التي زادت عن 200 ألف جندي مدعومين بأنواع الأسلحة كافة، وداخل العراق من خلال جملة من القرارات التي طالت الجمعيات والمكاتب في العراق، والتي تزعم تركيا بأنها تابعة لحزب العمال الكردستاني، ومنها"مؤسسة أوجلان للبحث العلمي"في بغداد، المرخَّصة بشكل قانوني، وهيئتها وإداريوها من المثقفين والكتَّاب العراقيين، ويرأسها شاهو كوران، نجل الشاعر الكردي الكبير عبدالله كوران، ومكاتب"حزب الحل الديموقراطي"الذي يترأسه الدكتور فايق كولبي. ولم تقف الأمور عند هذا الحد، بل وصلت الى اعتقال الدكتور كولبي، وهو كردي، وزعيم حزب عراقي، بتهمة"نشاطات إرهابية". والحبل على الجرَّار... بالنتيجة، يبدو أن تأييد أو تبني أي شخص أو مؤسسة أو حزب في العراق لطروحات أوجلان في حل القضايا القومية، بات تهمة، تستوجب العقاب العسير، تماماً كما في تركيا. فالإجراءات التي قام بها الاتحاد الوطني ضد المؤسسات الآنفة الذكر، ليست وصمة عار على الديموقراطية العراقية وحسب، بل هي انصياع أعمى ومشبوه للإرادة العسكرية التركية. فكما هو معلوم أن أوروبا جعلت حل القضية الكردية في تركيا شرطاً أو ضريبة انتساب تركيا للاتحاد الأوروبي. وبدأ الأميركيون بوضع القضية الكردية على أجندتهم السياسية، خصوصاً بعد اعلان الخارجية الأميريكية عن المسؤول عن ملف العمال الكردستاني. بالنتيجة، القضية الكردية أوروبياً وأميركياً باتت مطروحة سياسياً، وليست بمنأى عن العمال الكردستاني. وفي وقتٍ يزداد فيه حجم الضغوط على السلطات التركية بهذا الصدد، يأتي الاتحاد الوطني في هذه الفترة العصيبة التي يعيشها النظام في تركيا، ليقدم طوق النجاة للقوات التركية. ويخشى من هذا الأمر أن يُرشح الخلاف الناشب بين الاتحاد الوطني والعمال الكردستانيين، منذ فترة اعتقال أوجلان وحتى اللحظة، إلى أن يفتح الباب على مصراعيه لعودة"الاقتتال الداخلي"الكردي - الكردي الى الواجهة. إن خيبة الأمل الكردية في دور مهم وفاعل ل"المام"جلال طالباني - وهو في هذا المنصب الرفيع - لجهة تحريك الملف الكردي في البلدان التي تتقاسم كردستان على وشك أن تصبح واقعاً ملموساً، على خلفية المواقف الأخيرة من أكراد تركيا، وكل من يتعاطف معهم من أكراد العراق. لكن الخشية الكبرى، أن يأتي الوقت الذي نتحدَّث فيه عن اتحاد وطني"تركستاني". والسُّؤال المطروح هنا: هل ثمة مصلحة حقيقية للاتحاد الوطني الكردستاني خصوصاً، وكردستان العراق عموماً، في تصفية حزب العمال الكردستاني على يد الآلة العسكرية التركية؟ إن كانت هنالك مصلحة وطنية وقومية للأكراد في كل مكان في ذلك، فليذهب حزب العمال إلى الجحيم. * كاتب كردي