لا شك في أن محاولة الرئيس الأميركي جورج بوش تعويض إهماله ملف الصراع العربي ? الإسرائيلي في الأعوام الستة الماضية، تأخرت. ولكن إعلانه عقد مؤتمر سلام في الشرق الأوسط أمر إيجابي. فما سبب اهتمام بوش المفاجئ بالشرق الأوسط؟ ولعل الجواب على هذا السؤال هو، في اختصار، العراق. فمع خسارة إدارة بوش حلفاءها جراء تعثرها ببغداد، يسعى الرئيس الى تحقيق إنجاز في السياسة الخارجية. ولا شك في أن ما حمل العرب الذين أعلنوا عزمهم على المشاركة في المؤتمر المزمع على الإسهام في عملية السلام يفوق دواعي الرئيس بوش أهمية. ولا شك، كذلك، في أنّ الرئيس الإسرائيلي، إيهود أولمرت، ورئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، لن يتغيبا عن المؤتمر. فكلاهما يريد إحراز تقدم في المفاوضات. والرئيس بوش طلب الى دول الجوار الإسرائيلي - الفلسطيني، أي الأردن ومصر وربما غيرهما، المشاركة في المؤتمر. وعلى خلاف بوش، حملت نذر تنامي نفوذ إيران الإقليمي الدول العربية على قبول المشاركة في مفاوضات السلام العربية - الإسرائيلية. فالدول العربية المعتدلة، أي تلك التي تميل إلى الغرب، يقلقها تعاظم نفوذ طهران. وتخشى القاهرة وعمان ودول خليجية تنامي نفوذ الشيعة والإسلاموية الإيرانية. فشان اسرائيل وحركة"فتح"، تخشى مصر سيطرة"حماس"، وهي حليفة"جمعية الإخوان المسلمين"المصرية المعارضة، على الضفة الغربية. فالتكتل ضد عدو مشترك حرك عجلة مفاوضات السلام. ويتوقع أن تتعاون إسرائيل مع عباس في المسائل الأمنية جزءاً من الإستراتيجية تتواضع عليها إسرائيل والولايات المتحدة، الى الاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية. والغاية المتوخاة هي ضمان توسع الضفة الغربية الفتحاوية، نظير ضمور غزة، الحماسية. وقد يتولى وفد من الجامعة العربية زيارة إسرائيل، للمرة الأولى، ترسيخاً للسياسة هذه. ولا شك في أن عوامل كثيرة تتضافر على الحركة الديبلوماسية هذه. ولكن إيران عامل راجح فيها. فالخشية من تنصيب محمود أحمدي بطلاً على الفلسطينيين، ومن تأثير الأزمة الفلسطينية في الشعوب العربية، تدعو الدول العربية، المسلمة والمعتدلة، الى إثبات قدرتها على تحقيق الإنجازات. وهذه ظروف مؤاتية لعقد مؤتمر بوش. ولكن يجب ألا تصرف النتائج الإيجابية هذه اهتمامنا عن الخطر الإيراني في حد ذاته. فعلى ما جاء في"غارديان"هذا الأسبوع، يفكر البيت الأبيض جدياً في استعمال القوة العسكرية لم نع تسلح إيران النووي. ويميل بوش الى رأي ديك تشيني في ضرورة استخدام القوة قبل انتهاء ولايتهما، في كانون الثاني يناير 2009. ولكن تقويم الخطر الإيراني على وجه الضبط يعود، فعلاً، الى إسرائيل. فهي الهدف الأول لأية قنبلة إيرانية. وفي عدد من المحادثات، وصف مخططو السياسات الإسرائيليون طهران بالخطر الأكبر على أمنهم القومي. ويتقدم الخطر الإيراني الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. فبينما يسع إسرائيل السيطرة على هذا الصراع وإدارته، يتصور الخطر الإيراني خطراً"وجودياً"، بحسب تعبيرهم. وترى إسرائيل أن زواج القنبلة النووية وتوق الأيديولوجية الإيرانية الى عالم خال من الدولة العببرية، يهدد إسرائيل بالموت. ولكنني لا ألمس رغبة إسرائيلية في الانقضاض على إيران. وارتفعت أصوات مأذونة في المؤسستين العسكرية والسياسية تطالب بالحلول الديبلوماسية، أو بانتهاج سياسة العقوبات الى مداها الأخير. ويعتقد هؤلاء أن حرمان النخبة الإيرانية من القروض المالية الدولية، والنفط المكرر الذي تعتمد عليه، يرهق النظام إرهاقاً لا يحتمله. والهدف، على ما شرح أحد الإسرائيليين، جعل"رئيس مصرف إيران يستشيط غضباً لأن ابنه لا يستطيع الدراسة في هارفارد، أو ابنته في السوربون". فيلقي باللوم على أحمدي نجاد وسياسته النووية. ويقول المسؤول الإسرائيلي أن"إيران ليست كوريا الشمالية". فهي ترعى مجتمعاً مدنياً، ونخبة يسعها حمل القيادة على التخلي عن الحلم النووي، إذا كان مكلفاً. والشعب الإيراني لن يؤيد الصناعة النووية إذا كانت تكلفتها باهظة. ولكن ما يقلق إسرائيل هو أن الهجوم الجوي على المواقع النووية الإيرانية لن يكون، إذا قر القرار عليه، مثل الضربة الجراحية والنظيفة التي قضت على المفاعل العراقي"أوزيراك"، في 1981. فمراكز تخصيب اليورانيوم الإيرانية مبعثرة وخفية وحصينة. ولا تعدم إيران قوة رد، ربما من طريق الخلايا الإرهابية التي تستهدف المصالح الإسرائيلية واليهودية في أنحاء العالم، على ما فعلت من قبل. وعليه، تستشعر إسرائيل خطراً ربما لا يحس به أحد خارج واشنطن. وقد لا تكون الحرب قدراً. فإذا اقتنعت الصين وروسيا بتشديد العقوبات، جاز ربما تفادي القوة. ولكن القرار هذا، قرار الحرب أو السلم، لا يقتضي أكثر من عام واحد. عن جوناثان فريدلاند،"غارديان"البريطانية، 18/7/2007