لم تكن ايران بحاجة الى مشكلات جديدة قبل الخطاب الناري الذي ألقاه رئيسها الجديد محمود احمدي نجاد الذي دعا فيه الى"ازالة اسرائيل من الوجود". وبقدر ما يستحق الاعجاب ذلك العنوان الذي اختارته اللجان الاسلامية لطلاب المدارس في ايران لمؤتمرها الذي ألقى فيه نجاد خطابه، وهو"العالم من دون صهيونية"على أساس ان هذه العقيدة كما يمارسها غلاة اليمين المتطرف الصهيوني في اسرائيل هي عقيدة عنصرية وشريرة ومشجعة لارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية بحق الفلسطينيين، فإن دعوة الرئيس نجاد الى ازالة اسرائيل من الوجود دعوة لا يبدو ان اي بلد على استعداد لتلبيتها الآن او في المستقبل المنظور. وما على نجاد والقادة الايرانيين الكبار الآخرين، الذين يعتبر العالم انه ينطق باسمهم، إلا أن يسمعوا الاحتجاجات الصاخبة، خصوصاً من الزعماء الغربيين، ليدركوا ان دعوة نجاد تلك، رغم كونها مجرد كلمات حماسية فارغة، قد تعود على ايران بعواقب وخيمة. قبل سنوات تبدو الآن كثيرة، وقف الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين مهدداً بحرق"نصف اسرائيل"بالكيماوي المزدوج اذا هي اعتدت على بلاده، فقامت دنيا الغرب واسرائيل ولم تقعد ثم ركب صدام رأسه وغزا الكويت في الثاني من آب اغسطس وأخذ يقصف اسرائيل بصواريخ لم تقتل أي اسرائيلي، لكن اسرائيل اتخذتها ذريعة للحصول على أسلحة جديدة وتعويضات من الولاياتالمتحدة لقاء عدم تدخلها في الحرب المقبلة، بقيادة الولاياتالمتحدة، لإخراج القوات العراقية من الكويت. وكان العراق قد تعرض قبل ذلك في 7 حزيران يونيو 1981 لغارة جوية اسرائيلية على مفاعله النووي"تموز"من نوع"اوزيراك"الفرنسي الصنع ما ادى الى تدميره. وفي النهاية انهار نظام صدام وانهار العراق الخاضع الآن للاحتلال الاميركي، وبمعنى ما الاسرائيلي ايضاً، بالنظر الى ان اكبر المحرضين على الحرب الاخيرة كانوا من المحافظين الجدد الاميركيين المعروفين بتأييدهم القوي لاسرائيل ورعايتهم لمصالحها. ان المشروع النووي الايراني لا يروق طبعاً للاسرائيليين او الاميركيين او الغرب عموماً. وعلى رغم ان اسرائيل دولة نووية فان الدول الغربية لا تطلب فرض التفتيش على منشآتها او ترسانتها او وسائط نقل اسلحتها النووية واسقاطها وتوصيلها من طائرات وصواريخ عابرة للقارات وغواصات المانية حديثة وغيرها. ولا يمكن تفسير عدم استطاعة الوكالة الدولية للطاقة النووية تفتيش المنشآت النووية الاسرائيلية فيما تصر على فرض رقابتها وتفتيشها على المنشآت الايرانية التي تصر ايران على انها لغرض سلمي هو توليد الطاقة الكهربائية. ولا تقبل الدول الاوروبية الثلاث التي تتوسط بين ايرانوالولاياتالمتحدة في الموضوع النووي، وهي المانيا وفرنسا وبريطانيا بأن تمضي ايران في تخصيب اليورانيوم وهي تريد اقناع طهران باخضاع برنامجها النووي للرقابة الدولية المستمرة لضمان عدم الانتقال الى صنع اسلحة نووية. لقد اعطى الرئيس نجاد اسرائيل ذريعة مجانية ستستخدمها مبرراً لضرب المشروع النووي الايراني مهما تكن اغراضه، وضرب ربما قواعد عسكرية ومصانع ومخازن حربية ايرانية. واذا حصل ذلك فسيقول قادة اسرائيل ان ايران هددت وجود دولتهم وانها تمثل خطراً وجودياً على الاسرائيليين. واذا حصل هذا، وهو مجرد سيناريو لكنه محتمل جداً بالنظر الى ان الاميركيين لن يلجموا اسرائيل الآن بل قد يساعدونها بامدادها بالقنابل والصواريخ اللازمة لدك وتدمير التحصينات المحيطة بالمنشآت النووية، فان الرئيس نجاد يكون قد اسدى خدمة مجانية لأعداء بلاده. لقد اثار الرئيس الايراني بخطابه هذا في مؤتمر الطلبة احتمالات جديدة من المستبعد ان يكون قد فكر فيها بإمعان. وليس القصد تخويفه من ما قد يكون عليه رد الفعل الاسرائيلي اذ ان ايران تملك وسائل كثيرة للانتقام والرد، ولكن المقصود هو لفت النظر الى ان باب معركة لا لزوم لها الآن قد صار مفتوحاً على مصراعيه في منطقة شديدة الاضطراب اصلاً.