المتأمل في الخطابين الأخيرين لكل من الرئيس الإيراني المثير للجدل أحمدي نجاد، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يجد الكثير من المؤشرات التي تؤشر على موجات مقبلة من العنف والتطرف في منطقة الشرق الأوسطلا سيما أن سمة التشدد التي طبعت الخطابين كانت أكثر من واضحة. أحمدي نجاد، وعلى هامش فوزه المثير للجدل في الانتخابات، تحدث في خطاب «الفوز» عن رغبة جديدة من التصعيد في المشروع النووي الإيراني، لا بحسبانه موضوعاً قابلاً للنقاش والجدل – كما كان في المرحلة السابقة – وإنما بحسبانه موضوعاً أصبح من الماضي، لأنه لا عودة مرة أخرى للتفاوض حوله. في الجانب الآخر كان نتنياهو يتحدث عن قضية عودة اللاجئين الفلسطينيين على أنها من الماضي أيضاً، إضافة إلى البنود الأخرى في مفاوضات عملية السلام. وإزاء هذين الخطابين نلاحظ أن القاسم المشترك بينهما هو الرهان على تجديد سباق العنف والتطرف حيال القضية الفلسطينية – كل بحسب رؤيته – والنتيجة الأكيدة لمثل هذه الرؤى هو تحويل منطقة الشرق الأوسط إلى مرجعية للعنف ومصدراً من مصادره. هكذا يطرح الجانبان الإيراني والإسرائيلي تصوراً للشرق الأوسط عبر قضيته المركزية من أجل تسويق أجندات خاصة لا علاقة لها بالأسباب الحقيقية للأمن والسلام في منطقة الشرق الأوسط. ففي كل من طهران وتل أبيب يتم الترتيب لسيناريوهات تستهدف المنطقة العربية، بحيث تكون هذه المنطقة هي ساحة ألعاب القوى الإسرائيلية والإيرانية، ومنطقة للحرائق التي يتم إشعالها عبر تلك السياسات. الأجندة الإيرانية تطرح حيثياتها على محورين أساسيين: التبني الأيديولوجي الراديكالي والشعاراتي لقضية فلسطين من أجل كسب المزيد من الأتباع في المنطقة العربية، سواء عبر الحركات الإسلامية كحزب الله وحماس، أو عبر بعض الأطراف العربية في المنطقة، إيران تعرف أنها لا يمكن أن تنفذ شعاراتها في خطط عملية من أجل تحرير فلسطين كاملة، كما تروج لذلك، فالملالي في إيران أذكى من أن يتورطوا في مثل هذا الخيار، لكنه فقط من أجل تسويق الدعاية لإيران في المنطقة، وحشد الأتباع، وتحريك ملفات أخرى عبر ذلك التسويق. أما ملفها الآخر: الملف النووي فهو أيضاً ليس فقط لحيز التنفيذ في مواجهة أميركا، كما يتخيل البعض، بل فقط من أجل ضمان صفقة استراتيجية مع الولاياتالمتحدة، تسمح لها بتوسيع النفوذ في المنطقة العربية بصورة استراتيجية تتجاوز مناطق نفوذها الحالية في العراق ولبنان إلى أماكن أخرى في الخليج والمنطقة العربية. وعلى رغم أن تهديدات إيران بالحصول على السلاح النووي تأخذ طابع الحدة مع الولاياتالمتحدة، فإن أجندة نتنياهو عبر خطابه الأخير ترمي إلى طريقة لينة وخادعة تحاول التخلص من استحقاقات قضية السلام وإلغاء بنودها لمصلحة مشروع المواجهة مع إيران على خلفية مشروعها النووي. يتوهم نتنياهو أن إسرائيل والعرب يمكن أن يكونوا في معسكر واحد إزاء الخطر الإيراني الوشيك، وينسى أن إيران أصلاً تستثمر أجندتها الأيديولوجية في المنطقة العربية نتيجة لغياب عملية السلام الحقيقية. وهكذا تحول الأجندتان الإيرانية والإسرائيلية دون مسيرة حقيقية نحو السلام، وتفتحان مستقبل الشرق الأوسط أمام موجات جديدة من العنف، وفي إزاء هذا المشهد القاتم للأجندتين، تدرك الولاياتالمتحدة الأميركية – لا سيما في ظل إدارة أوباما – أن ثمة شعوراً كبيراً من الخوف الذي يمكن أن يترتب على تطبيق هاتين الاستراتيجيتين «الإسرائيلية والإيرانية»، ولكنها على رغم ذلك تجد نفسها حيال عقبات حقيقية في الماضي قدما من دون إقناع كل من إسرائيل وإيران. الذي يجعل من إرادة الإصرار على عملية السلام في استراتيجية الإدارة الأميركية قوية هو موقف عربي واحد، لا سيما على ضوء المبادرة العربية للسلام التي تقدم بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في مؤتمر القمة العربي المنعقد في بيروت عام 2002، التي وافقت عليها الدول العربية بالإجماع، وما يمكن أن تقدمه دول عربية ذات وزن استراتيجي مثل السعودية ومصر عبر حشد موقف عربي واحد لقطع الطريق على الأجندتين الإسرائيلية والإيرانية هو الجهد الذي يحتاج إلى تفعيل وتنفيذ ليس فقط عبر حيثيات المصلحة العربية المشتركة فحسب، بل كذلك عبر الإيحاء لأميركا بأن تحقيق عملية السلام في هذا الظرف التاريخي والاستراتيجي والاقتصادي الذي يمر به العالم هو أيضاً مصلحة أميركية. ففي أميركا اليوم رؤية استراتيجية تحاول الاستفادة من الأخطاء والخطايا التي ارتكبتها إدارة الرئيس جورج بوش، لا سيما في بداياتها في العام 2000 حتى ولت ظهرها بالكلية لعملية السلام، وسمحت لإسرائيل بإطلاق يدها، وكانت النتيجة المزيد من العنف والإرهاب الذي نجم عن ذلك. إدارة أوباما تدرك اليوم، وعلى نحو استراتيجي، أن المصالح المعقدة للولايات المتحدة والمرتبطة بأمنها الاقتصادي في الخليج وأمنها القومي لا بد أن ترتبط بحلول لمشكلات عالمية وبحزمة واحدة، تخدم السلام العالمي والأمن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط. وعليه ففي حين تسوق إيران مشروعاً وهمياً لتحرير فلسطين من النهر إلى البحر عبر الشعارات والأيديولوجيا، لتجني ثماره تأييداً في أوساط الجماهير العربية المحبطة، فإن إسرائيل تحول دون تحقيق الحد الأدنى الذي قبل به الفلسطينيون من حدود فلسطين التاريخية، وفي الحالتين سيؤدي ذلك إلى موجات عنف ليس لها قرار. ولذلك أيضاً ربما كان الوقت مناسباً لتجديد وتفعيل المبادرة العربية وإقناع أوباما والإدارة الأميركية من ورائه، بما تنطوي عليه من رؤية عادلة للسلام في الشرق الأوسط، في مقابل الأجندتين الإسرائيلية والإيرانية، فلم تكن الولاياتالمتحدة في يوم من الأيام أقرب إلى الإصغاء للأفكار والمبادرات المعتدلة لقضية الشرق الأوسط من هذه الأيام التي تقود فيها إدارة أوباما مرحلة جديدة نحو تحقيق الأمن والسلام في العالم عبر إدراك الأسباب الحقيقية التي تمنعه، ووضع الاستراتيجيات الجادة التي تؤدي إليه. [email protected]