ليس مبالغاً فيه ان منطقة الشرق الأوسط وشرق آسيا ستكون من أكبر زبائن شركات إنتاج الطائرات عالمياً، بفضل توقّع ارتفاع حركة السفر والبضائع منها واليها بمعدلات تفوق المتوسط العالمي. ويكفي التذكير بأن شركة طيران"الإمارات"هي حالياً أكبر زبائن"إرباص 380"الأوروبي العملاق 550 راكباً للطائرة بطلب 48 طائرة، قابل للزيادة. هذا ما أكده نائب رئيس في"الجمعية الدولية للنقل الجوي"إياتا مسؤول عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مجدي صبري، ل"الحياة"بقوله ان"منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قادت النمو العالمي المسجّل في حركة المسافرين جواً في السنوات الخمس الماضية على التوالي، بفضل الازدهار الاقتصادي الذي تشهده". إذ ان حركة المسافرين والشحن الجوي في المنطقة ارتفعت بمعدلات فاقت عشرة في المئة سنوياً منذ عام 2002. وفي العام الماضي وحده، ارتفعت نسبة المسافرين 17.7 في المئة والشحن الجوي 16.9 في المئة، أي أكثر من ضعف المعدل الوسطي عالمياً. ويتوقع ان يرتفع المعدّل السنوي في السنوات الخمس المقبلة 6.6 في المئة ضمن دول المنطقة و8.1 في المئة بين هذه الدول وسائر أنحاء آسيا، لكن يتوقع ان يصل المعدل العالمي إلى 4.3 في المئة فقط. وأضاف صبري:"تظهر الدراسات ان الخطوط الجوية الشرق الأوسطية ستعزز أسطول طائراتها المدنية الجديدة بمعدل 37 في المئة أكثر من أساطيلها القائمة، علماً ان معظم هذه الطلبات هي لطائرات ذات هيكل عريض"، وتوقع"حصول فائض في طاقة القطاع". ولفت إلى ان شركات الطيران نجحت في ملاءمة الطاقة الفائضة مع الطلب حتى الآن، وتوجد التزامات لتوسيع مطارات في المنطقة وتطويرها بقيمة 38 بليون دولار، وطلبات على طائرات تناهز قيمتها الإجمالية 80 بليون دولار. وبحلول عام 2012، ستستوعب أكبر 10 مطارات عاملة في المنطقة 320 مليون مسافر سنوياً، في حين ان"إياتا"تتوقع، بناءً على تقديرات شركات الطيران، ان يصل عدد المسافرين عبرها إلى 160 مليون شخص، أو"في أحسن التوقّعات إلى 270 مليوناً، في حال استطاعت استقطاب مجمل حركة السفر بين أوروبا وآسيا"، وبالتالي، ان إدارة أربعة مطارات دولية في منطقة الخليج في أبو ظبي ودبي والدوحة والمنامة بفعالية"تشكل تحدّياً". إذ تتنافس مطارات سنغافورة وبانكوك وكوالالمبور في جنوب شرقي آسيا على استقطاب المسافرين العالميين في منطقة تأوي 3.5 بليون مواطن، في حين ان سكان المنطقة العربية لا يشكلون سوى 380 مليون شخص. ومن الواضح، بالنسبة الى صبري،"بروز الحاجة الى استخدام القدرة الإضافية للمطارات العربية، من خلال تطوير أسواق جديدة، في حين ان معظم خطوط الطيران العربية تحكمها قوانين ما زالت سارية منذ 60 سنة، تحد فرص الاندماج وفتح الأسواق أمام المنافسة". ويوظف قطاع النقل الجوي مليون مواطن عربي، مشكلاً حركة اقتصادية قيمتها 122 بليون دولار في المنطقة، ويساهم في التنويع الاقتصادي، لكن"على رغم ان المنطقة قطعت شوطاً في مرحلة التحديث، ما زال لديها طريق طويل تسلكه، لأن الازدهار النفطي لن يدوم طويلاً". وفي مجال التطوير التكنولوجي في المطارات العربية، أوضح صبري ان"إياتا"دأبت على تطوير أنظمة معلوماتية وتطبيقها في المطارات العالمية. وبدأت شركات الطيران العربية تطبيق نظم الحجز الإلكتروني للمسافرين ببطء، لكنها تقدمت أخيراً فأصبح معتمداً لديها بنسبة 47 في المئة، علماً ان الموعد النهائي لتطبيقه هو في نهاية أيار مايو المقبل. آفاق صناعة الطيران أصبحت شركات الطيران تتنافس على استقطاب الزبائن، كما تتنافس شركات السيارات. وكل منها يراهن على تطوير تقنيات ومواصفات رفاهية أفضل، أملاً باستقطاب طلبات شراء أكبر يحكمها كلها"زبون ملك"واحد، هو المسافر. وأطلقت"بوينغ"الأميركية للطائرات النموذج الأول لطراز"787 دريملاينر"في احتفال رنّان في واشنطن الأسبوع الماضي، بثّ مباشرة عبر الأقمار الاصطناعية في تسع لغات مختلفة في 45 دولة، وشاهده 100 مليون شخص حول العالم و15 ألف شخص مباشرة في مصنعها في إيفيريت، واشنطن. والطراز الجديد هو الأول الذي تطوره الشركة منذ 12 سنة. وتراهن"بوينغ"في تطويره، على عامل التكنولوجيا والتوفير في الوقود، إذ أوضح نائب رئيس المبيعات المسؤول عن منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، لي مونسون، ل"الحياة"ان"هيكل 787 مجمّع في شكل مميز عن أي هيكل مصنوع من الألومنيوم لأن 50 في المئة منه مصنوعة من مواد مركّبة، تستخدم للمرّة الأولى في هذه الصناعة، ما يمكننا من صب قطع كبيرة أخف وزناً من القطع المعدنية الصرف، لتتألف الطائرة من 6 قطع كبيرة فقط في مقابل 1500 قطعة في الطائرات التقليدية، ويمتاز عن المعادن الصافية بكونه بحاجة أقل للصيانة لأنه ليس سريع العطب". ويستهلك طراز"787"وقوداً أقل بنسبة 20 في المئة لكل راكب. ويتوافر في 3 نماذج:"787/8"سعة 210 إلى 250 راكباً مسافة قصوى 15 ألف كيلومتر و"787/9"تنقل 250 إلى 290 راكباً لمسافة 15.75 ألف كليومتر و"787/3"سعة 290 إلى 330 راكباً لمسافة 5650 كيلومتراً حداً أقصى. ويظهر جلياً الطابع الدولي لهذه الصناعة، إذ يصنّع جزء كبير من"بوينغ 787"بواسطة شركات أوروبية شركات فرنسية وسويدية وألمانية وبريطانية تقدّم خدمات مماثلة لمنافستها"إرباص"، إضافة إلى شركات يابانية وكورية جنوبية، إذ 25 في المئة من"787"مصنّع في بريطانيا المحرك وأنظمة الإقلاع والهبوط وأنظمة حماية الطائرة من الصقيع. مميزات"787" يعتبر مونسون ان"بوينغ"، بعد دراسة معمّقة لسوق السفر العالمية وطلب شركات الطيران، وجدت حاجة لطائرات من حجم متوسط وقدرة سفر طويلة، ف"طلب المسافرين سيكون على رحلات مباشرة، عوضاً عن السفر عبر مطارات دولية يتوزعون منها على طائرات أخرى"، كما الحال مع"أ-380"ذات الهيكل العريض. وبرهان على ذلك ازدياد الطلب على الطائرة ليبلغ 677 من 47 شركة قيمتها الإجمالية 110 بلايين دولار،"ما يجعل هذا الطراز التجاري الأنجح في التاريخ". وعربياً، استقطبت"بوينغ 787"للآن طلبات شراء من الملكية الأردنية شراء أربع طائرات واستئجار 8 أخرى، كما حصلت على طلبات من"الخطوط القطرية"، والخطوط الكويتية التي ستستأجر طائرات من هذا الطراز من شركة"ألافكو"الكويتية. وحول سهولة تعلم تشغيل الطراز الجديد، أكد مونسون ان الطيارين المتدربين على طراز"بوينغ 777"يمكنهم قيادة طراز"787"بعد 5 أيام تدريب فقط، والذين لم يقودوا طرازات"بوينغ"سابقاً هم في حاجة إلى 20 يوماً تقريباً. "آرباص"وطراز المنافس بدورها، سارعت"آرباص"الأوروبية إلى الرد على مشروع"787 دريملاينر"الطموح من خلال إطلاق طراز منافس له،"أ-350"بعد جملة تعقيدات إدارية. وتعِد"آرباص"شركات الطيران ان طراز"أ-350"هو أوسع من الداخل، ويوفر في استهلاك الوقود بواقع 25 في المئة للراكب. وتنوي تطويره في 3 نماذج مختلفة تحلق لمسافة 15300 كيلومتر، هي"أ350/800"سعة 270 راكباً، و"أ350/900"سعة 314 راكباً، و"أ350/1000"سعة 350 راكباً، وحصلت للآن على 228 طلباً 80 مؤكدة منها ل"الخطوط الجوية القطرية". لكن هذا الطراز لن يجهز للتسليم إلا في 2013، وبالتالي، تتفوق"بوينغ"إذ تبدأ بتسليم"787"إلى زبائنها في 2008، علماً ان قدرات الإنتاج لديها ممتلئة إلى 2013. والطراز الثوري الآخر الذي تعوّل عليه"آرباص"في تحسين مبيعاتها التي تراجعت للمرة الأولى في السنة الماضية لمصلحة"بوينغ"، بعد 5 سنوات متتالية من احتلالها الصدارة، هو الطائرة العملاقة"أ-380"التي تحمل في طبقتين 550 مسافراً، أي تنقل 35 في المئة أكثر من أقرب منافساتها "بوينغ 747" في حين تستهلك 12 في المئة وقوداً أقل للمسافر الواحد، وتقدم لهم أعلى درجات الرفاهية في السفر. لكن هذا البرنامج عانى من تأخير تقني خلال تجميع الطائرة في مصانعها الألمانية والفرنسية، ما أدى إلى تكبيد الشركة خسائر مالية وملايين الدولارات تعويضات لشركات الطيران العالمية وإلغاء طلبات. وتعتبر شركة طيران"الإمارات"أكبر زبون لهذا الطراز، ب43 طلباً مؤكداً، ولدى الشركة 165 طلباً عالمياً على هذا الطراز بقيمة إجمالية 52.6 بليون دولار تبدأ بتسليمه في تشرين الأول أكتوبر المقبل بعد تأخير قسري دام سنتين. وللاشارة هذا الطراز لا تستقبله إلا المطارات العالمية الكبيرة المزوّدة بمحطات مناسبة لحجمه. واستطاعت"آرباص"العودة مجدداً إلى ساحة المنافسة مع نظيرتها الأميركية اللدودة"بوينغ"، فحصدت منذ بداية السنة الجارية 680 طلب شراء لمختلف طرازاتها، في مقابل 580 طلباً ل"بوينغ".