لم يقبل هشام 27 سنة الذي تزوج منذ أربع سنوات في عاصمة الأزياء التقليدية فاس، أن يرتدي الجلباب الأبيض على عادة العرسان المغاربة ليلة الدخلة، فاستعطفته عروسه راجية أن يضحي من أجلها، بارتدائه الجلباب دون سواه. وقال هشام أنه أراد أن يحفظ هيبته وفرحته التي اعتقد أن الجلباب سيفسدهما. فقد اعتاد وهو المتحدر من الأرياف المجاورة لفاس اعتبار الجلباب لباساً للبدو يستعينون به على البرد ولإخفاء ملابسهم الداخلية الرثة، ولم يكن يتصور أنه في "ليلة العمر" سيسمح بأن يهزأ به الحضور. وعادة ما يحصل للشباب المغربي ما حصل لهشام مع اللباس التقليدي المغربي. يناصبونه العداء في فترة من حياتهم، ثم يتقبلون وجوده في خزائنهم، ولو من دون إقبال على ارتدائه في الأيام العادية. وهناك شباب يرتدونه في المنزل ولا يتجاوزون به عتبة الباب، وعادة ما تكون جلابيبهم موروثة من الآباء المخلصين لتقاليد اللباس المغربي الأصيل. ومع ان بعض الشباب يرى أن الجلباب لا يساعد على الحركة، فإنه يتجاهل ارتداء"الجابادور"المكون من سروال وقميص من قطعتين والمزين بشرائط حريرية ملونة. ويقول ياسين 29 سنة إن الجلباب المنسدل على الجسم يشعره بالراحة وهو في المنزل، لكنه يفضل الملابس العصرية خارجاً، وقد يلبس معطفاً كان في الأصل جلباباً إلى الركبتين يتميز بقماشه الصوفي المخطط بمختلف الألوان، وهو الوحيد الذي عرف تطوراً في تصميمه، ويقبل عليه السياح والشباب اليوم خلال الشتاء، وسعره يراوح بين 15 و25 دولاراً. وانصرف الشبان عن الزي التقليدي في العقود الأخيرة، فيما عادت النساء والشابات بقوة اليه. وأصبح ارتداء الزي التقليدي محصوراً في مناسبات الزواج والأعياد الدينية، وأيام صلاة الجمعة، علماً أن الشباب المتدين أعاد الزي التقليدي إلى الحياة اليومية، وهو يقبل أكثر على ما يسمى ب"القندورة"، وهي تشبه الجلباب عموماً، عدا أنها أقل كلفة وخياطتها ليست يدوية ونادراً ما يدخل في تطريزها الحرير ولا تتوافر على"قب" غطاء الرأس مخروطي الشكل لا يستعمل عادة. ويقول خياط تقليدي من مدينة سلا التي تشتهر بالحياكة التقليدية، على غرار فاس والرباط ومراكش، إن عدم إقبال الشباب على الزي الذكوري أدى إلى عدم تطوير حياكته، كما أن أغلبهم يكتفي باثنين في حياته كلها. أما النساء، فيغيّرن لباسهن باستمرار، تماشياً مع صرعات الموضة التقليدية، وتحاشيهن الظهور في الزي نفسه في مناسبات عدة. ودفع عدم توازن الخياطين التقليديين إلى المزاوجة بين الخياطة للرجال والنساء حتى لا يقفلوا محلاتهم. وظل الجلباب الرجالي محتفظاً بتصميمه الأصيل، وقماشه الصوفي، يخاط كله بالحرير يدوياً، وتزين فتحة العنق إلى الصدر شرائط أوسع، تتوسطها أزرار رفيعة. ويعتبر جلباب"البزيوية"نسبة إلى منطقة بزو في إقليم بني ملال وسط المغرب من أجود الأنواع، ويتفاوت سعره بين 125 و1230 دولاراً.