الشمس هنا في تموز يوليو لاهبة، لكن لهيبها لا يعني للجنود الاسرائيليين الواقفين على الحاجز العسكري الشهير المسمى"حاجز الباذان"الذي يربط المدينة مع محافظة جنين سوى شيء واحد: المزيد من إعاقة المارة وتأخيرهم. صف طويل يضم مئات السيارات خلف الحاجز. مسافرون يتقلبون تحت اشعة الشمس التي تتضاعف حرارتها داخل السيارات القديمة الخالية من أي تكييف. وعندما تصل السيارة الى الجنود الواقفين تحت المظلات، يطلبون بطاقات الهوية. يتفحصونها، ويسألون المسافرين اسئلة لا معنى لها سوى اطالة أمد الانتظار للسيارات الواقفة في الصف، ثم يسمحون لها بالمرور. وحاجز"الباذان"واحد من حوالي 570 حاجزاً عسكرياً تنتشر على الطرق الرئيسة ومداخل التجمعات السكنية. ففي الطريق من نابلس الى رام الله - على سبيل المثال لا الحصر - يواجه السائقون اربعة حواجز عسكرية، بينها معبر رئيس يسمى"معبر زعترة"، يفصل محافظات شمال الضفة نابلس وجنين وطولكرم وقلقيلية عن الوسط رام اللهوالقدس. وبدأت اسرائيل استخدام الحواجز العسكرية في تضييق الخناق على الفلسطينيين منذ الاسابيع الاولى لانتفاضة الأقصى في أيلول سبتمبر عام 2000 ضمن سياسة من العقاب الجماعي سعت بها الى كسر هذه الانتفاضة وانهائها. وتستخدم السلطات الاسرائيلية اجراءات مختلفة على الحواجز الهدف النهائي لها هو جعل التنقل للافراد والسلع على السواء مهمة بالغة الصعوبة. فمنذ أيام يمنع الجيش من يبلغون الخامسة والثلاثين فما دون من العمر من الوصول من شمال الضفة الى وسطها. وقال عبد الحافظ طاهر، وهو موظف في بلدية قلقيلية، انه امضى حوالي خمس ساعات في التنقل عبر طرق التفافية حتى تمكن من الوصول الى مدينة رام الله. واضاف:"عندما اجتزت جميع الحواجز، ووصلت الى حاجز عطارة على مدخل مدينة رام الله قال لي الجنود: لا يمكنك الدخول، لأن عمرك اقل من 35 عاما". وكثيراً ما يستخدم الجنود الحواجز لمنع مرور السلع الزراعية وغير الزراعية ما يؤدي إلى إتلاف ما هو قابل للتلف منها. وألحقت هذه السياسة أضراراً بالغة بالاقتصاد الفلسطيني الذي يشارف على الانهيار. وبعد سنوات على استخدام الحواجز العسكرية في سياسة العقاب الجماعي أخذت اسرائيل تستخدمها في تحقيق اغراض سياسية بعيدة المدى مثل ضم مناطق وعزل أخرى. ففي الاغوار، وهي المنطقة التي تتميز باتساع أرضها وقلة عدد سكانها، عزلت السلطات جميع قرى وبلدات المنطقة الواقعة شمال مدينة اريحا بحاجز عسكري يمنع دخول كل من لا يحمل بطاقة هوية تدل على انه من سكانها. وتحولت هذه المناطق التي تشكل 28 في المئة من مساحة الضفة الغربية معسكرات للجيش او مستوطنات او مناطق استثمار لشركات الانتاج الزراعي الاسرائيلي مثل شركة"تنوفا"الشهيرة التي تمتلك مزارع نباتية وحيوانية ممتدة على عشرات آلاف الدونمات. وقال النائب عن محافظة اريحا صائب عريقات ان المنطقة باتت مستعمرة لشركة"تنوفا"التي تقيم مشاريع زراعية وصناعية ضخمة فيها. وإلى جانب الحواجز تستخدم اسرائيل الجدار في عزل تجمعات سكانية واسعة. ففي منطقة سلفيت التي باتت مشبعة بالمستوطنات، عزلت اسرائيل العديد من القرى والبلدات بواسطة اسيجة ممتدة على مسافات طويلة تصل الى عشرات الكيلومترات. وتفرض السلطات قيودا شديدة على حركة سكان هذه القرى والتجمعات، وتحدد ساعات معينة اثناء النهار للخروج والدخول. وحسب احصاءات مكاتب الاممالمتحدة العاملة في الأراضي الفلسطينية، فإن اسرائيل زادت عدد الحواجز العسكرية في الضفة بنسبة 40 في المئة منذ آب اغسطس العام الماضي. ووفقاً لتقرير صدر عن مكتب الاممالمتحدة في القدس فان عدد الحواجز العسكرية في الضفة وصل إلى 570 حاجزاً. وقال التقرير ان الحواجز العسكرية تقسم الضفة الى ثلاث مناطق كبيرة، شمال ووسط وجنوب، وتحول التجمعات في تلك المناطق الى جيوب يصعب تنقل المواطنين بينها. ويوضح التقرير أن"هذه الاغلاقات ادت الى فصل التجمعات الفلسطينية عن بعضها بعضاً وخصوصا في نابلس والقدس وغور الاردن". ويشير الى ان نظام الاغلاق الذي تستخدمه اسرائيل في الاراضي الفلسطينية هو"السبب الرئيس للكارثة الانسانية في هذه الاراضي لأنه يحول دون وصول الناس الى الخدمات الاساسية كالصحة والتعليم، ويمنعهم من الوصول الى اراضيهم والتوجه الى اماكن عملهم واماكن عباداتهم". وتخضع مدينة القدس التي تعتبرها اسرائيل"عاصمتها الابدية"لاجراءات فصل من نوع آخر اكثر شدة حيث يمنع دخول باقي سكان الضفة والقطاع اليها الا بعد حصولهم على تصريح خاص، وهو ما يبدو مستحيلا للغالبية العظمى منهم. وتعزل السلطات المدينة في جهاتها الاربع عبر حواجز حولتها أخيراً الى نقاط عبور شبه دولية. وتقع هذه النقاط في كل من مستوطنة"غيلو"ومخيم قلنديا ومنطقة رأس ابو سبيتان ومخيم شعفاط. وعَزل الجدار الجاري اقامته حول المدينة خلفه حوالي 58 الفاً من سكانها الفلسطينيين الأمر الذي يعتبره أهالي المدينة مقدمة لترحيلهم نهائيا عن مدينتهم. وفي بيت لحم، المدينة التي تشن اسرائيل حربا على مكانتها السياحية، تجري السلطات فحصا اجباريا للسيارات الداخلة ما يعيق حركة المرور ويحد تالياً من عدد السياح الواصلين اليها. وقال محافظ المدينة صلاح التعمري ان الهدف من هذه الاجراءات هو حرف اتجاه السياحة عن المدينة ونقلها الى مناطق في اسرائيل.