وأخيرا جاء الاثبات الدامغ على سياسة التنكيل التي يمارسها الجنود الاسرائيليون بحق المواطنين الفلسطينيين على الحواجز العسكرية، وهذه المرة من مصدر اسرائيلي : شريط"فيديو" التقطه مصور يعمل لدى صحيفة "يديعوت احرونوت" يظهر فيه جنود من وحدة "حرس الحدود" وهم ينكلون بتلميذ مدرسة اوقفوه وهو عائد من مدرسته ظهر الاربعاء الماضي. يظهر الشريط الجنود وهم ينهالون ضربا على التلميذ ويدعى هنداوي قواريك 17 عاما من قرية عورتا جنوب نابلس بأعقاب البنادق والبساطير الاحذية وقبضات الايدي، ثم يجرونه ويضربون رأسه بحاوية للقمامة. وقال هنداوي ان جنديين اوقفاه وهو عائد الى قريته من نابلس عبر حاجز حوارة على المدخل الجنوبي للمدينة وانهالا عليه ضرباً بأعقاب بنادقهم وقبضاتهم، مضيفاً:"ضرباني الى ان اصبحت مثل الخرقة البالية، عندها جرّاني وضربا رأسي بالحاوية، وعندما سقطت ارضا انهالا عليّ بالارجل والبساطير". وبعد مرور يومين على تعرضه للتنكيل، ما زالت آثار الضرب واضحه على الجسد الصغير لهذا التلميذ. وجاء الكشف عن"حفلة"التنكيل هذه في اليوم ذاته الذي تعرض فيه طالب جامعي ل"حفلة"تنكيل مماثلة على الحاجز العسكري ذاته. وروى الطالب محمد جبالي 19 عاماً من قرية بيتا ويدرس في كلية الهندسة في جامعة النجاح في نابلس، ان الجنود اخذوه الى غرفة تفتيش على الحاجز وضربوه حتى انهار ولم يعد قادرا على الوقوف، لينقل بعد ذلك على حمَّالات الاسعاف الى المستشفى. وقال انه كان واقفا في طابور طويل على الحاجز في طريق العودة من نابلس الى قريته عندما سحبه احد الجنود وانهال عليه بالضرب، قبل ان ينضم اليه جنود آخرون ويشاركوه"حفلة"الضرب. واضاف:"وجدت خمسة جنود ينهالون عليّ بالضرب في غرفة التفتيش الصغيرة، وتناوبوا على ضربي الى ان بت غير قادر على الوقوف من شدة الالم". وتواصلت"حفلة"التنكيل بهذا الطالب ربع ساعة. واعترفت اسرائيل بعد نشر الشريط بوقوع حوادث التنكيل على هذا الحاجز، متعهدة"معالجتها". وحاجز حوارة واحد من نحو 600 حاجز عسكري في الضفة الغربية، ويشهد هذا الحاجز الذي يوصف ب"أسوأ"الحواجز العسكرية عمليات تنكيل منهجية بحق المواطنين المارين. ففي ساعات الظهيرة"يتكدس"فيه آلاف المواطنين من قرى شرق نابلس وجنوبها وجنوب غربها بانتظار ان يُسمح لفلسطيني او اثنين او ثلاثة في احسن الاحوال بالعبور. وغالباً ما يتفنن الجنود في اعاقة المرور عبر هذا الحاجز، حتى ان احد المواطنين شبَّه العبور عبر حاجز حوارة ب"التنقيط"، مشيرا الى ان الجنود يسمحون لواحد من المواطنين المتكدسين على الحاجز بالمرور بعد تعريضه لفحص يهدف الى اعاقته وغيره عن المرور. وتسمح السلطات الاسرائيلية للمواطنين بالمرور في بعض الحواجز بعد اجراءات تؤدي الى تأخير الحركة لفترة قد تمتد الى ساعات، لكنها لا تسمح لهم بالمرور من حواجز أخرى اقدمت على اغلاقها بالاتربة والصخور والمكعبات الاسمنتية. وكان رئيس الحكومة الاسرائيلية ايهود اولمرت اعلن عقب لقائه قبل الاخير مع الرئيس محمود عباس انه قرر ازالة 27 حاجزا من هذه الحواجز، غير ان القرار لم ينفذ حتى اليوم بعد مرور ثلاثة اشهر. وتدعي السلطات الاسرائيلية ان هذه الحواجز اقيمت لأغراض الامن، غير ان الشواهد على الارض تبين انها اقيمت للضغط على الفلسطينيين وتحويل حياتهم الى جحيم الى ان يذعنوا للشروط المفروضة عليهم. وبدأت اسرائيل بعزل التجمعات السكانية الفلسطينية خلف حواجز عسكرية ونقاط تفتيش منذ الأسابيع الاولى لاندلاع الانتفاضة في أيلول سبتمبر عام 2000 بهدف منع المسلحين من الوصول الى اهدافهم، لكنها سرعان ما وجدت في هذه الحواجز وسيلة لممارسة ضغط يومي شديد على كل اوجه الحياة في الاراضي الفلسطينية لاغراض سياسية. وفي الاعوام الثلاثة الأخيرة، بدأت اسرائيل باستخدام هذه الحواجز لتنفيذ خطط سياسية بعيدة المدى مثل تقسيم التجمعات الفلسطينية الى كانتونات منعزلة الواحدة منها عن الأخرى، اذ قسمت الضفة الى اربعة"كانتونات"عبر حواجز حوَّلتها الى معابر شبيهة بتلك التي تفصل بين الدول. وتتوزع هذه الكانتونات على النحو التالي: واحد في الشمال يضم محافظات نابلس وطولكرم وقلقيلية وجنين، وواحد في الوسط يضم رام الله واجزاء من القدس، وثالث في الجنوب يضم بيت لحم والخليل، ورابع في الاغوار. وبات الاتصال بين شمال الضفة ووسطها يتم عبر معبر واحد هو"زعترة"، فيما الوصول الى القدس يتم عبر معبر قلنديا. اما الدخول الى جنوب الضفة الذي يضم بيت لحم والخليل فيتم عبر معبر مقام على مدخل مدينة بيت لحم. وبالنسبة الى الاغوار، فإنها مغلقة تماما بحاجز عسكري لا يسمح لباقي سكان الضفة بدخولها، وهو ما يرى فيه الفلسطينيون بداية لعزل هذه المنطقة الواسعة تشكل 28 في المئة من مساحة الضفة تمهيدا لضمها. ولشدة معاناتهم على الحواجز العسكرية بات الفلسطينيون يعتبرون ازالتها المطلب الاول لهم في اي لقاء سياسي او مفاوضات مع الجانب الاسرائيلي.