في أول ايام عيد الاضحى المبارك، قطع علي صوافطة 35 عاما نحو 150 كيلومترا من مدينة رام الله التي يعيش ويعمل فيها، في طريقه الى قريته بردلا في الاغوار، ومنها غربا الى بلدة طوباس لزيارة شقيقته. لكن الحاجز العسكري الاسرائيلي المقام على مشارف البلدة قرب قرية تياسير، منعه من الدخول وطلب منه ان يعود ادراجة وان يعبر من حاجز عسكري ثان"مختص"بالقادمين من رام الله يسمى حاجز"الحمرا". حاول علي مناقشة الجندي بالأمر، لكن رده لم يقتصر على رفض المناقشة بل وصل حد الاهانة والتهديد. قال علي:"قلت له انني على مدخل البلدة، وعودتي الى الحاجز المذكور يتطلب مني سفر ما يزيد عن 70 كيلومترا أخرى، وبدل ان يتفهم حاجتي لزيارة شقيقتي نهار العيد، شتمني بالعبرية وصرخ في وجهي مهددا". التجربة التي عايشها هذا الشاب ليست استثنائية، بل هي قاعدة يومية يعيشها الفلسطيني في كل تحرك له خارج مدينته او قريته. وكانت السلطات الاسرائيلية بدأت بإقامة حواجز عسكرية على مداخل التجمعات السكانية الفلسطينية منذ الأسابيع الاولى للانتفاضة في أيلول سبتمبر عام 2000، ومنذ ذلك اليوم اصدرت شبكة واسعة من الانظمة والتعليمات بهدف اعاقة تنقل الفلسطينيين عبر هذه الحواجز التي حوّلتها الى وسيلة لمعاقبتهم وتحويل حياتهم الى مشقة يصعب جدا احتمالها. ففي المراحل الاولى، جعَلت التحرك عبر كثير من هذه الحواجز مقتصرا على اعمار معينة، وهو ما الحق ضررا فادحا بطلاب الجامعات والمدارس الذين وضعت تلك التعليمات خصيصا لإعاقة تحركهم. وفي مراحل ثانية مُنع جميع السكان، باستثناء حَمَلة التصاريح، وهم قلة من العاملين في مؤسسات طبية واغاثية، من عبور تلك الحواجز ما اجبرهم على التنقل عبر الجبال والوديان، مستخدمين العربات التي تجرها الحيوانات، وهو ما اطلقوا عليه في حينه"اعادة الفلسطيني الى العصر الحجري". وباتت هذه الحواجز في مراحل لاحقة تؤدي وظيفة العزل التام لمناطق بعينها، مثل نابلس وجنين وغيرها، بحيث مُنع اهالي تلك المدن من العبور سوى في حالات"انسانية"معينة. وفُرض على اهالي نابلس خصوصا عدم اخراج او ادخال اي انواع من السلع الى مدينتهم الا بعد تفريغها واعادة تعبئتها على مداخل المدينة. وأقامت الادارة المدنية الاسرائيلية في نابلس لهذا الغرض معبرا تجاريا خاصا على مدخل المدينة الجنوبي يجري فيه تفريغ جميع الشاحنات القادمة الى المدينة والخارجة منها واعادة تعبئتها تحت نظر الجيش الاسرائيلي الذي يدعي ان هذا الاجراء يهدف الى منع ادخال مواد متفجرة إلى المدينة واخراجها. وفي مرحلة لاحقة، اصبحت وظيفة العزل هذه تأخذ بعداً سياسيا، فجرى تحويل الحواجز العسكرية الى معابر شبيهة بتلك التي تفصل بين الدول. وجرى في هذه المرحلة التي طبقت في العامين الأخيرين، تقسيم الضفة الغربية الى ثلاثة"كانتونات"، واحد في الشمال وآخر في الوسط وثالث في الجنوب. اما الاغوار في الشرق، والتي تشكل 28 في المئة من مساحة الضفة ويجري اعداد خطط لضمها الى الدولة العبرية، فجرى اغلاقها بالكامل امام اكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني يحرمون من دخولها تحت مختلف الظروف والاحوال. فعلى مدخل الجزء الشمالي من الضفة الذي يضم اربع محافظات هي نابلس وجنين وطولكرم وقلقيلية، اقامت السلطات معبرا خاصا يحمل اسم المنطقة"زعترة"، ويتألف من مسارات للسيارات وأخرى للباصات وثالثة للشاحنات. وعلى مدخل القدس، اقامت اربعة معابر تغلق المدينة اغلاقا تاما. اما على المدخل الرئيس للمدينة، فأقامت معبرا اعلنت عنه معبرا دوليا يفصل بين اسرائيل والاراضي الفلسطينية هو"معبر قلنديا". في"الكانتون"الجنوبي الذي يضم محافظتي بيت لحم والخليل، اقامت معبرا يشهد زوار مدينة بيت لحم انه معبر منسوخ عن تلك المعابر التي كانت تفصل بين الدول الاوروبية قبل الدمج. وتشير الاجراءات المختلفة في مناطق الاغوار الى ان اسرائيل ماضية في ضم هذه المنطقة الحيوية من الضفة التي تتميز بسعة اراضيها نحو ثلث مساحة الضفة، وقلة عدد سكانها نحو 60 الف نسمة فقط، اذ اقامت شركات اسرائيلية عملاقة في السنوات الاخيرة مشاريع زراعية وصناعية كبيرة وواسعة في هذه المنطقة مثل مزارع نخيل وعنب وزهور ودواجن ومصانع تعليب وغيرها. واعلنت اسرائيل اخيرا قرارها اقامة مستوطنة جديدة في هذه المنطقة لإسكان مستوطنين جرى اخلاؤهم من مستوطنات قطاع غزة اواخر العام 2005، ما عزز مخاوف الفلسطينيين بوجود نيات لضمها مستقبلا. وامعانا في الدور العقابي للحواجز العسكرية وضعت السلطات الاسرائيلية اخيرا قواعد جديدة للمرور عبرها، اذ جعلت التنقل عبر بعض الحواجز محصورا على سكان مناطق معينة دون غيرها، وهو ما ادخل تعقيدات جديدة على خريطة التنقل داخل الاراضي الفلسطينية. ويروى الصحافي وليد بطراوي ان حاجزا عسكريا في الطريق من شمال الضفة الى رام الله ارغم والديه العجوزين قبل ايام على العودة عشرات الكيلومترات للمرور عبر حاجز آخر بدعوى ان الاخير هو المخصص لمرور اهالي رام الله. ووسط كل هذه التعقيدات تؤكد تقارير المؤسسات الحقوقية المحايدة، وبينها مؤسسات اسرائيلية عريقة مثل مركز"بتسيلم"، انه لا توجد اي اغراض امنية وراء هذه الحواجز العسكرية، مشيرة الى ان الغرض الاول منها هو ممارسة عقوبات جماعية ضد الفلسطينيين وجعل حياتهم فوق ارضهم جحيما، والثاني تحقيق اغراض سياسية مثل ضم مناطق وعزل أخرى. ووعد رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت الرئيس محمود عباس بإخلاء حواجز عسكرية في لقائهما الاخير لتسهيل حركة المرور في الضفة، لكن مسؤولين اسرائيليين يقولون ان القرار يقتصر على فتح عدد قليل من الطرق 27 طريقا مغلقة بالاتربة والمكعبات الاسمنتية فقط.