على رغم أسلوبه الجامعي، أثار"الطريق الثالث"1998، نقل الى 25 لغة مناقشات بلغت الصين. وقد يكون للعنوان دور في الإثارة والمناقشة. وأردت في كتابي هذا البرهان على ان بين الاشتراكية التقليدية وأصولية السوق طريقاً وسطاً. وأما الكتاب الجديد:"لك الدور، السيد براون"، فهو كتب للجمهور العريض، وافحص فيه من جديد معالجتي السابقة. في أثناء 10 سنوات حصلت أمور كثيرة، وتغيرت أمور، ويعود معظم التغيرات الى العولمة. وفي منتصف أعوام 1990، كافحت في سبيل إقناع الطبقة السياسية أن العولمة الشاملة لن تترك شيئاً على حاله، وعلينا قبولها لأنها تعود علينا بالمنفعة. فهي تؤدي الى علاقات قائمة على ارتهان الدول والمجتمعات بعضها لبعض. ولكنها لا تقتصر على هذا. فاتساع الاتصال قلب حياتنا رأساً على عقب. والعولمة الشاملة طوت صفحة العالم الثنائي الموروث من الحرب الباردة. والاقتصادات كلها إطارها، اليوم، اقتصاد واحد ومشترك. وفي المرحلة الآتية من العولمة الشاملة، يتوقع أن تنحسر المنافسة على القطاعات الاقتصادية، مثل السيارات والكيمياء، وأن تتعاظم على مرافق العمل الفردية. ولن ينفك سائق سيارة الأجرة في لندن أعلى دخلاً من نظيره في مانيلا. ولكن العاملين في المكاتب والمستشفيات والمصارف، لن تكون حالهم على المثال نفسه. فهم كذلك حسبوا أنهم بمنأى من المنافسة. والحق أنهم لن يكونوا بمنأى منها. وعليهم، تالياً أن يستعدوا للأمر. وفي أثناء العقد البريطاني المنصرم، وهو لم يكن عقد بلير وحده بل كان عقد بلير - براون، أرست بريطانيا أركان اقتصاد قوي شرطاً لسياسة اجتماعية فاعلة. وكان العقد، في باب النمو والعمالة، مثمراً ومجزياً. وغيّر حزب العمال الجديد إطار السياسة البريطانية حين جعل الوسط مرتكزاً لتوجهه. والحق أن المجتمع البريطاني لا يزال مجتمعاً بعيداً من المساواة. ولعل هذا بعض ارث مارغريت ثاتشر. فاستئناف القوة على المنافسة كان ثمنه الاجتماعي باهظاً جداً. وكان أثر الحزب الديموقراطي الأميركي في حزب العمال قوياً. ولكن الولاياتالمتحدة ليست أوروبا. والمجتمع الأميركي أرحب صدراً في شأن التفاوت الاجتماعي، وأقل برماً. وبريطانيا بلد أوروبي. وعلى هذا، فعليه السعي في الموازنة بين الازدهار وبين المساواة، على ما يتوقع أهل القارة الأوروبية. وينبغي ألا ننسى أن النظام الصحي البريطاني كان أشد مركزية من الضمان الاجتماعي الفرنسي. وفي مستطاع بريطانيا أن تضطلع بدور الجسر بين الولاياتالمتحدة وبين أوروبا. والسياستان، الداخلية والخارجية، في إطار العولمة، ملتبستان. فمجتمعاتنا رخوة الحدود. ولا جدوى من النهج المفرط في دفاعيته، والحال هذه. والشاهد على هذا عسر ضبط الهجرة على صعيد وطني، وفي إطار الدولة الواحدة. وهو كذلك شأن الأمن وتغير المناخ. ولا يخالف الدفاع عن اللامركزية ما أذهب إليه في شأن العولمة الشاملة. فازدهار مدن مثل لندن أو برشلونة قرينة على تفاعل الأقاليم والمدن. وهذه تحتاج الى قيادة محلية. وتفضي القيادة المحلية الى تقوية الديموقراطية في مجتمع أكثر انسياباً وسيولة. وفي بريطانيا، يتكلم بريطانيون الويلزية، اليوم، فوق ما كانوا يتكلمونها قبل خمسين سنة. وفي السياق نفسه، يحسن بنا إصلاح دولة الرعاية. ففي مجتمع ما بعد صناعي، ينبغي تعريف الرخاء على نحو أكثر إيجاباً. وتولت دولة الرعاية استئصال خمسة أوبئة: الحاجة والمرض والجهل والفقر والبطالة. وعلينا، اليوم، بلوغ خمس غايات كبيرة: أن يتمتع الفرد باستقلال ذاتي، ويحصل على العناية والوقاية الصحيتين، وعلى مرفق عمل، ويشترك في التقدم التكنولوجي والنمو، ويستفيد من التأهيل المستدام. وعلى هذا، وفي ضوئه، ينبغي ألا"يتقاعد"العاملون، على معنى خسارة ما يقوم بأود استقلالهم الذاتي. والتمييز جراء السن هو، اليوم، بمرتبة التمييز الجنسي. ومداومة عدد كبير من المسنين على العمل، واحتسابهم في عداد السكان العاملين، مسألة مهمة. ومسألة أخرى مهمة هي هدم الحواجز بين القطاع العام والخدمات الخاصة. فلا المركزية ولا البيروقراطية مجديتان. وفي بعض الأوقات، يسع روابط أو منظمات تجارية تقديم الخدمات على نحو يتقدم على الدولة جودة. وتحصيل الفوائض من زيادة نسبة العاملين خير من تحصيلها من الضرائب. فإذا وسع بريطانيا، في السنوات الآتية، زيادة نسبة العمالة من 71 في المئة الى 80 في المئة، بلغت زيادة الناتج نحو 30 بليون يورو في السنة. والضريبة على الثروة مقبولة إذا صرف عائدها الى غاية محددة ومعروفة مثل مساعدة أولاد طبقات متواضعة على تحصيل مؤهلات جامعية. عن أنطوني غيدينز مدير "لندن سكول أوف ايكونوميكس" ومستشار توني بلير، في 1997 - 2001، "لوفيغارو" الفرنسية، 3/7/2007