المسقوف، وهي طريقة عراقية لإعداد السمك، بات آخر ضحية على قوائم العنف المستشري في العراق، وخصوصاً اثر تدني إقبال العراقيين على السمك النهري بعد اشاعات عن فتوى دينية تحرمه بعدما أصبح يقتات على الجثث المتحللة التي يلقى بها يومياً في مياه نهر دجلة. إلا أن صيادي العراق ينفون هذه الاشاعات التي طالت مصدر عيشهم الوحيد. يقول الصياد حسين أحمد 62 عاماً فيما يجهز شباكه على موقع يُطل على مجمع "المنطقة الخضراء" على ضفاف نهر دجلة"نشروا اشاعات عن الاسماك ... بأنها تأكل جثث الغرقى... ولكن هذه مجرد إشاعات". لكن عشرات الجثث لضحايا أعمال العنف المذهبي، والتي تلقى يومياً في نهر دجلة، باتت تمر في قلب المدينة حيث ضفتا النهر كانت ذات يوم تعج بمطاعم السمك المسقوف التي اعتاد البغداديون أكلها ليالي الجمعة. ومعظم مطاعم السمك الواقعة على النهر قبل فترة طويلة أغلق أبوابه، إذ كانت هدفا يجتذب هجمات المسلحين التي صارت جزءاً من الحياة اليومية في بغداد منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003. وما زال في الإمكان رؤية صيادي السمك الذين اعتمدوا على دجلة في قوتهم اليومي منذ أجيال وهم ينصبون شباكهم تحت جسور المدينة وإلى جانب ضفة النهر عند النباتات المائية. لكن هذه النقاط الطبيعية حيث اعتادت الأسماك على التغذية فيها، صارت أيضاً مراكز تتجمع فيها الجثث الطافية. ياسر قريشي 36 عاماً أحد بائعي السمك في حي الكرادة وسط بغداد يقول إن"الناس بدأوا بالتخلي عن السمك بسبب الجثث... تجارة السمك تغيرت تماماً". وما زاد"في الطين بلة"فتوى دينية تناقلتها وسائل اعلام عراقية أخيراً، تحرم على العراقيين أكل السمك من نهر دجلة، إلا أن تحري أصل هذه الفتوى لم يكن بالشيء الهين. فرجال الدين الشيعة البارزين في مدينة النجف نفوا أي علم لهم بهذه الفتوى، فيما لم يتسن على الفور الحصول على تعليق من مسؤولين من المكتب الحكومي الذي يمثل الائمة السنة البارزين الذين يديرون المساجد السنية في العراق. لكن العراقيين استجابوا الى هذه الفتوى، وتحول كثير من أهالي بغداد الى تناول سمك الشبوط الذي يزن كيلوغراماً واحداً ويعيش في المياه الضحلة، ويُعرض على المتسوقين في خزان. وبات تجار السمك يعتمدون على تربية هذا الصنف في برك لمواجهة الفتوى الدينية وجثث دجلة التي جعلت أسماكه محرمة على البغداديين. ويقول سيف الدين أحد الزبائن المحليين إن"هذه الفتوى الجديدة التي تحظر سمك النهر بسبب احتوائه على بقايا جثث يؤثر حقاً في السوق". ولم تكن الجثث المتحللة الشيء الوحيد الذي أثر في صيد الاسماك منذ الحرب. يشير قريشي إلى أن"الناس بدأوا الصيد باستخدام الكهرباء والتفجيرات... لذلك لم يعودوا يحبون السمك من النهر. إنهم يفضلون سمك البركة".