من المنطقي ان تعرب سورية عن شكها في صدق نيات رئيس الحكومة الاسرائيلية ايهود اولمرت وتصريحاته عن الرغبة في تحقيق السلام معها. ذلك ان المواقف المتضاربة التي عبر عنها القادة السياسيون والعسكريون الاسرائيليون في الايام الاخيرة بشأن سورية تستوجب ذلك. ومن الواضح ان السلطة الفلسطينية صارت هي ايضاً تتبنى الشك قاعدة في التعامل مع الحكومة الاسرائيلية بدليل ارجاء الرئيس محمود عباس لقاءه مع اولمرت في اريحا بعد رفض اسرائيل ادراج اي امور جدية مهمة على جدول الاجتماع. وفي الوقت نفسه تبدو اسرائيل واميركا مستمرتين في سعيهما الى فرط حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية والتشجيع على اقتتال فلسطيني حذر منه الرئيس عباس لمناسبة الذكرى الاربعين لحرب 1967 واعتبره "اخطر من الاحتلال". وأمس لم يغب عن ناطق سوري رسمي ان تصريحات اولمرت الاربعاء عن الرغبة في السلام سبقتها ورافقتها تصريحات قادة عسكريين باتجاه احتمالات خوض حرب ضد سورية. وبعد ساعات على اجتماع الحكومة الاسرائيلية المصغرة للشؤون الامنية قال مصدر رسمي اميركي تعقيباً على اجتماع نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي وزير النقل شاؤول موفاز مع وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس في واشنطن ان الجانب الاميركي"غير متحمس في الوقت الحالي لإطلاق مفاوضات سلام بين سورية واسرائيل"وان"الاولوية اليوم للمسار الفلسطيني - الاسرائيلي والدفع بعملية السلام". وان زيارة اولمرت الى واشنطن في 19 الشهر الجاري سيتخللها اعلان مهم في هذا الصدد. ان تجارب الاعوام الاربعين الماضية تدفع كل متابع للسياسة الاميركية تجاه السلام بين العرب واسرائيل الى الشك في جدية واشنطن. ويزداد هذا الشك طبعاً في ظل وجود جورج بوش في البيت الابيض كونه الرئيس الاميركي الذي تحدى قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي بتوجيهه رسالة الى رئيس الحكومة الاسرائيلية السابق ارييل شارون يعتبر فيها الكتل الاستيطانية اليهودية الكبرى على اراضي الضفة الفلسطينية المحتلة"مراكز سكانية اسرائيلية"تضم الى اسرائيل. لرؤية المواقف الاسرائيلية والاميركية على حقيقتها يجب الرجوع بضع خطوات الى الوراء ليصبح المنظور اشمل. ان مواقف اولمرت وبوش من سورية متصلة بأمور من بينها بواعث الحرب الاسرائيلية الاخيرة على لبنان وسعي واشنطن الى اطالة امدها املاً بأن تستطيع الآلة الحربية الاسرائيلية تحقيق الهدف من وراء الحرب، اي تدمير حزب الله الذي بدد فعلاً اسطورة الجيش الاسرائيلي"الذي لا يقهر". قبل تلك الحرب الاسرائيلية الثانية على لبنان واثناءها وبعدها كرر الاسرائيليون والاميركيون وحلفاء لهم اسطوانة الدعم السوري والايراني ل"حزب الله"، كما لو كان ممنوعاً على اي دول او قوى في العالم، خصوصاً في الشرق الاوسط، ان يساعد بعضها بعضاً ضد عدو مشترك. وكان معنى ذلك الاحتجاج الصارخ في وقاحته ان الجهة الوحيدة التي تستحق ان تتلقى مساندة عسكرية لا متناهية هي اسرائيل كي تضمن هي واميركا فرض اجندتهما على المنطقة، بكل ما تعنيه من دمار وعدم استقرار واثارة للنعرات الطائفية ونزعات التجزئة والانفصال والتقسيم. وكان العراق المحتل، وما زال، احد العوامل المؤثرة في تقرير سياسات اميركا واسرائيل تجاه سورية. ولا يغيب عن البال هنا ان اللوبي الصهيوني والمحافظين الجدد في اميركا كانوا ابرز المخططين لاحتلال العراق وتدميره وتفكيكه كدولة. وعندما بدا ان اميركا اغرقت نفسها في مستنقع اخذ يتحول فيتنام ثانية، القت ادارة بوش اللوم على سورية وايران واتهمتهما بمساعدة القوى المناوئة للاحتلال بدلاً من التشاور معهما، حسب توصيات لجنة بيكر - هاملتون. ان التهديدات بحرب اسرائيلية على سورية لم تعد مبطنة. وقد حاول رئيس الاركان الاسرائيلي الجديد الجنرال غابي اشكنازي اعطاء انطباع بأن سورية هي التي تعد لحرب وقال انه يرى احتمال الحرب مع سورية"احتمالاً واقعياً". واللعبة الاميركية - الاسرائيلية الخطرة مكشوفة هدفها تخويف القوى التي تجرؤ في المنطقة العربية على الوقوف ضد مخططات الهيمنة والتقسيم. انها لعبة تتسم بأعلى درجات العربدة، وتستحق ان تقابل بأقصى درجات الاستعداد واليقظة.