عقب انهيار الاتحاد السوفياتي في مطلع تسعينات القرن الفائت، غرقت طاجيكستان في حرب أهلية طاحنة استمرت خمس سنوات 1992 - 1997 بين مجموعات متنافسة على السلطة أحزاب علمانية وحركات دينية، أدت الى كثير من الخراب، ومزقت أواصر البلاد، وذهب ضحيتها 150 ألف قتيل بحسب إحصاءات رسمية. في تلك الحرب دعمت روسيا وأوزبكستان الشيوعيين الذين سيطروا على السلطة برئاسة إمام علي رحمانوف الرئيس الحالي، في حين حظيت الحركات الإسلامية بالدعم والمساندة من افغانستان وإيران ودول إسلامية أخرى. وربط الكثير من المراقبين أسباب الحرب بالتأثير الأفغاني، في حين رأى آخرون انها كانت نتيجة صراع إقليمي تبلور على الأرض الطاجيكية، وبعض ثالث عزا الأسباب للأمرين معاً، مع إضافة عامل داخلي الصراع على السلطة. وضع اتفاق السلام في موسكو 27-6-1997 برعاية الأممالمتحدة، وبمساهمة روسية - إيرانية، حداً للحرب، وسمح هذا الاتفاق للحزب الإسلامي المحلّي المعتدل بالمشاركة في العملية السياسية، ومنع تحويل طاجيكستان، وعموم آسيا الوسطى، الى سوق حرة للأسلحة والمخدرات. فكانت طاجيكستان الدولة الأولى من دول الاتحاد السوفياتي السابق تعطي شرعية للأحزاب الإسلامية. ووقفت طاجيكستان إلى جانب الولاياتالمتحدة الأميركية في حربها على أفغانستان عقب أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر، كما شكلت قاعدة للمساعدات الدولية لتحالف الشمال الأفغاني ذي الغالبية الطاجيكية، والذي لعب دوراً مهماً في إسقاط حركة"طالبان". وفي الآونة الأخيرة بدأت مشكلة جديدة تبرز على الساحة الطاجيكية، تمثلت بعودة اللاجئين الذين فروا إبان الحرب الاهلية، خصوصاً بعد الحرب المتجددة في أفغانستان. يذكر ان اكثر من مئتي ألف طاجيكي لجأوا الى جنوبأفغانستان، وباكستان حيث المناخ الملائم، إضافة الى سهولة وصول المساعدات الإنسانية الى هذه المناطق، وكان بعضهم بدأ العودة الى بلاده إثر توقيع اتفاق السلام عام 1997، في حين آثر البعض الآخر البقاء حيث هو، بانتظار استقرار الأوضاع. لكن الحرب الأميركية على أفغانستان وتداعياتها المستمرة دفعت الذين أحجموا عن العودة سابقاً الى تغيير رأيهم والعودة. علماً ان بينهم أجيالاً نمت وشبت في الخارج بعد ان تشربت أفكاراً قريبة من"طالبان"، كما ان بعضهم تلقى تعليماً دينياً. وبحسب مصادر الحكومة الطاجيكية، فإن المدارس الدينية في أفغانستان وباكستان التي خرجت منها حركة"طالبان"خرّجت آلاف الطلاب الطاجيكك. وتخشى دوشانبيه من وصول مؤيدي حركة"طالبان"ضمن اللاجئين العائدين. ومبعث القلق، ان عدداً من رعاياها اللاجئين في أفغانستان قاتل الى جانب"الطالبان". علماً ان غالبية الطاجيك لا يؤيدون هذه الحركة"الباشتونية"، وكانوا يؤيدون احمد شاه مسعود العدو اللدود للملا عمر زعيم طالبان. والمثير أيضاً ان روسيا وطاجيكستان وحتى اوزبكستان ساعدت تحالف الشمال على الوقوف في وجه"طالبان"، مع العلم ان ضمن هذا التحالف الكثير من المعادين لموسكو ودوشانبيه وهذا اصبح شيئاً من الماضي. وذكرت تقارير ان الاستخبارات الطاجيكية وقيادة"حزب النهضة الإسلامي"في طاجيكستان اتخذوا إجراءات عدة بهدف تقليل مشاركة المقاتلين الطاجيك الى جانب حركة"طالبان". وهنا لا يمكن تجاهل ان"حركة اوزبكستان الإسلامية"ظلت لفترة طويلة تتخذ من جبال طاجيكستان معقلاً لها، ومنطلقاً لشن هجماتها على قيرغيزستان وأوزبكستان. بوابة المخدرات الأوروبية وقد طرح اتخاذ السلطات الروسيه قراراً بسحب قواتها عن الحدود الطاجيكية الأفغانية، قبل فترة ليست بعيدة، الكثير من التساؤلات، فرأى البعض ان روسيا أكرهت على ذلك بموجب المادة التاسعة للاتفاق الموقع عام 1993 بين الدولتين، فيما ألمح البعض الآخر الى ان ذلك جاء نتيجة الضغوط المتزايدة التي تفرضها واشنطن على المنطقة ومحاولة أامركتها. وكان الرئيس الطاجيكي إمام علي رحمانوف قال في رسالته السنوية أمام البرلمان في ذلك الوقت"ان القوات الروسية خدمت دولتنا، وكان لها دور في تحقيق الأمن، لكن المادة التاسعة من اتفاقنا معهم تتحدث عن الانسحاب التدريجي وتسليم مسؤولية حماية الحدود الى قواتنا". وأبدى نائب ممثل الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو ماريا كوستا قلقه ومخاوفه من تداعيات الانسحاب الروسي خلال زيارة رسمية قام بها الى العاصمة الطاجيكية دوشانبيه، وقال ان على رغم وجود قوات متعددة الجنسيةت بقيادة الولاياتالمتحدة الأميركية في أفغانستان، إن إنتاج المخدرات يزداد عاماً بعد آخر، ورأى ان في أفغانستان كما في طاجيكستان يحتاج حل هذه المشكلة الى جيل كامل. وفي هذا السياق تحدث الرئيس الطاجيكي خلال قمة رؤساء منظمة شنغهاي الرابعة في العاصمة الاوزبكستانية طشقند عن ان الحرب التي شنتها قوات التحالف على أفغانستان، زادت من كمية المخدرات هناك ثلاثة أضعاف، مشيراً الى ان هذه المعلومات تؤكدها إحصاءات الأممالمتحدة. وبحسب مصادر المنظمة الدولية، فإن طاجيكستان تحتل المركز الثالث عالمياً في كمية المخدرات المصادرة فيها، والمركز الأول ضمن رابطة الجمهوريات المستقلة، حيث تتم فيها كل عام مصادرة اكثر من عشرة أطنان من المخدرات. وتعترف طاجيكستان بصعوبة حماية حدودها مع أفغانستان حيث انها الأصعب والأخطر والأكثر تعقيداً في آسيا الوسطى، وقد أشار السفير الروسي في هذه البلاد الى أن"معسكرات تدريب الإرهابيين لا تزال قائمة في أفغانستان، وبالطبع هم يحاولون التسلل عبر طاجيكستان الى روسيا وأوروبا". والواقع أن الحدود الطاجيكية - الأفغانية الممتدة على طول 745 ميلاً، والتي كانت منيعة نظراً للإجراءات المشددة خلال الحقبة السوفياتية، باتت اليوم سهلة الاختراق الى حد كبير. وتتولى قوات"حلف الناتو"مراقبة الحدود على الضفة الأخرى من نهر"البانج"الذي يفصل طاجيكستان عن افغانستان. وتعد الحدود هادئة عموماً باستثناء ما يصفه الخبراء بالتزايد الخطر في تهريب المخدرات. وتعاني طاجيكستان اليوم، من الفقر المدقع حيث يعيش نحو ثلثي السكان بدولارين أو أقل في اليوم، والفساد مستشرٍ، يزيد في ذلك التدفق المتزايد للمخدرات، التي تعبر من أفغانستان الى الغرب عبر طاجيكستان، ويفتقر معظم سكان المناطق الريفية إلى الماء الصالح للشرب، في حين تعاني مناطق البلاد من انقطاعات يومية في التيار الكهربائي، بما في ذلك العاصمة"دوشانبيه". ويفارق الحياة سنوياً عشرات الآلاف من الطاجيك بسبب تفشي الأمراض كالسل والكوليرا. ويرى الكثيرون ان الأمور ستزداد سوءاً في طاجيكستان في حال فشلت الجهود الدولية في إرساء الاستقرار في أفغانستان المجاورة. وكان فوز رحمانوف في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وتوليه السلطة سبع سنوات أخرى، موضع تشكيك مسبق. فقد انتقد مراقبو منظمة الأمن والتعاون في أوروبا سير العملية الانتخابية. وقد انتخب رحمانوف رئيساً للمرة الأولى في العام 1994ووقع في 1997 اتفاق سلام مع المعارضة أنهى الحرب الأهلية في الوقت الذي تصف المنظمات الدولية حكمه بالسلطوي، وتحذر من قمع المعارضين واضطهادهم، وبخاصة الإسلاميين منهم. ولا يزال التوازن السياسي في طاجيكستان هشاً، إذ ان البلاد تعاني الأمرّين إزاء التعامل مع موروث من المشكلات ذات ?الصلة بالحرب الأهلية، بما في ذلك نسبة البطالة المرتفعة بين المقاتلين السابقين، وانتشار الأسلحة الخفيفة بين ?المدنيين، والإتجار بالمخدرات، وعودة المنظمات المتطرفة الى الظهور.